هذه الظاهرة الغريبة علي مجتمعنا هي نتاج عام واحد من حكم الإخوان.. ماذا كان سيحدث لو مازالوا موجودين.. ولو لم يخرج الشعب في 30 يونيو عفوا ان كنت سأكتب في هذا الموضوع.. الحقيقة أنني لم أكن أحب الخوض فيه ولا حتي القراءة عنه أو سماع أي شيء يشير اليه. والسبب ليس فقط هو ايماني بالله ووجوده وقدرته وعظمته.. ولكن أيضا هو أنني أعتبر مصر هي أرض التوحيد.. ولد فيها وعاش إخناتون أول الموحدين.. وأن المصريين منذ فجر التاريخ شعب موحد بالله حتي وإن كان لهم - قبل بعثة إبراهيم ونبوءة موسي وبشارة عيسي ورسالة محمد - بعض ما نسميهم بالآلهة.. الا أن التوحيد كان هو الأساس.. وكانت ما سميت آلهة مجرد صور لقدرات الله المتعددة ونعمه التي لا تحصي.. ولم تكن تعبد من أجل ذاتها.. أو هكذا أفهم. لكنني في الفترة الماضية لاحظت وقرأت وسمعت وشاهدت حوارات متعددة حول ما سمي بظاهرة «الإلحاد» في مصر.. وكنت ومازلت أؤمن بأن الأفضل هو تجاهل أصحاب تلك الأفكار الباطلة المسمومة والدعاوي الهدامة المدعومة.. ولكن هالني ما خرج عن الأزهر الشريف من قلق بالغ.. جعلني أشعر بأنها فعلا قضية تستحق البحث والدراسة والتحليل.حذر شيخ الأزهر فضيلة الدكتور أحمد الطيب، من انتشار ظاهرة الإلحاد في مصر، كما طالب العلماء بتشريع يمنع نشره لأنه ليس موضوعًا هامشيًا، بل من التحديات الكثيرة التي تواجه البلاد. كما أن وزير الأوقاف محمد مختار جمعة ووزير الشباب والرياضة خالد عبد العزيز أعلنا عن إطلاق حملة قومية لمكافحة ظاهرة انتشار الإلحاد بين الشباب، والاستعانة بعدد من علماء النفس والاجتماع والسياسة والأطباء النفسيين. القضية إذن خطيرة.. ووجدت أن البعض يرجع انتشار قضية الإلحاد أو الجهر بها إلي السنوات الأربع الماضية واعتقاد الشباب بأن التغيير في المجتمع لا بد أن يعطي مساحة أوسع للتعبير عن الأفكار والمعتقدات، بجانب صعود تيار الإسلام السياسي المتشدد الذي وصل لحد الإفراط في التكفير الفردي والمجتمعي ما أحدث ردة فعل في الاتجاه المعاكس. ويوضح مرصد الفتاوي التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية أن تزايد ظاهرة الإلحاد بين الشباب في الدول الإسلامية، لاسيما دول المنطقة يرجع إلي المتغيرات السياسية والاجتماعية.. وطبعا كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور كبير في زيادة حجم الظاهرة وتناميها اعلاميا ففي السنوات الأربع الماضية ظهرت عشرات المواقع الالكترونية علي الانترنت تدعو للإلحاد وتدافع عن الملحدين.. في مقدمة هذه المواقع الالكترونية «الملحدين المصريين» و»ملحدون بلا حدود» و»جماعة الإخوان الملحدون» و»مجموعة اللادينيين» و»ملحدون ضد الأديان». كما ظهرت مواقع شخصية للملحدين، جميعها بأسماء مستعارة فظهر «ملحد وأفتخر» و»ملحد مصري»، و»أنا ملحد». لكن أهم ما ذكره المرصد من أسباب هو تشويه الجماعات الإرهابية التكفيرية لصورة الإسلام من خلال تطبيق مفهوم خاطئ له، وتقديم العنف والقتل وانتهاك حقوق الإنسان علي أنها من تعاليم الإسلام. وان عدد الملحدين ارتفع بشكل كبير خلال حكم الإخوان.. وأشار المرصد إلي إن مصر بها 866 ملحدًا.. بينما هناك دراسة لاحدي الجامعات الأمريكية كشفت أن عدد الملحدين في مصر وصل إلي 3% من عدد السكان، أي أكثر من مليوني ملحد 34٪ في الفئة العمرية من 15 إلي 24 سنة و36٪ في الفئة العمرية (25- 34 سنة) و18.9٪ في الفئة العمرية (35- 44 سنة) و9.2٪ في الفئة العمرية (45- 54 سنة) وحوالي 2.5٪ في الفئة العمرية (55- 64 سنة) و1٪ أكثر من 65 سنة. وحسب أرقام ذات المركز فإن 73.8٪ من الملحدين ذكور و26.2٪ نساء. وأنا لا أعرف من أين جاءت دار الافتاء أو جامعة ميتشجان بهذه الأرقام.. لكن الواضح أن الفارق بين التقديرين كبير جدا وبالطبع أري الأرقام الأمريكية مبالغ فيها جدا وهي ربما تعتمد علي أرقام من المصريين المقيمين في أمريكا من الجيل الثالث. الكل اتفق علي ان تشويه الجماعات الإرهابية التكفيرية مثل الاخوان وما خرج عنها من جماعات بدءا من التكفير والهجرة في السبعينيات وانتهاء بداعش الان هو أهم أسباب الألحاد أو حتي الجهر به.. لأن تلك الجماعات صدرت مفهوماً مشوهاً لتعاليم الإسلام، ورسخت صورة وحشية منفرة للدين، ما نفَّر عددا من الشباب من الإسلام ودفعهم للإلحاد. أيضا فمن أبرز الأسباب التي تدفع هؤلاء الشباب إلي الإلحاد الخطاب الديني المتشدد الذي تصدره التيارات الإسلامية المتزمتة.. وعلي كل المعنيين بدور الخطاب الديني أن يعمل علي تغييره وهو ما طالبنا به مرارا وتكرارا. لا سبيل إلي الخروج مما أوقعتنا فيه تلك الجماعات الظلامية المسيئة للأسلام الا بوجود دور أكبر للأزهر الشريف بعلمه وعلمائه والمؤسسات الراعية للاسلام الوسطي الحق الذي أنزله الله علي عباده واختطفته فئة ضالة لنفسها. قال الله تعالي لرسوله الكريم : «ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» صدق الله العظيم. الجماعات الارهابية التكفيرية نجحت فيما لم ينجح فيه ابليس.