تحولت الحصبة إلي «بعبع» أصاب الأسر المصرية بالقلق بعد الإعلان عن وفاة ستة أطفال بالمرض في محافظة مطروح.. انتقلت قيادات وزارة الصحة إلي المحافظة.. طافت بالمناطق التي شهدت الاصابات والوفيات.. زارت الاهالي.. أجرت التحليلات.. وتم تنفيذ حملة تطعيمات ضخمة للاطفال هناك. وبعيداً عن إجراءات الوزارة.. انطلقت شائعات المواطنين تحمل تكهنات وتوقعات وتخيلات احياناً في محاولة للاجابة علي السؤال الحائر: لماذا أصبحت الحصبة.. قاتلة ؟!! بعد أن كان المصريون يتعاملون معها كمرض تحت السيطرة.. وينتهزون فرصة اصابة احد اطفال الجيران او العائلة بالمرض ليجمعوا حوله باقي الاطفال ليصابوا بالعدوي.. ومعها الفوز بالمناعة طول العمر !! وكيل وزارة الصحة للطب الوقائي :لم يتحور .. التطعيمات متوفرة .. والإهمال في العلاج سبب الوفيات قالت بعض الشائعات ان الفيروس تحور, ولم يعد الفيروس الوديع الذي كان يصيب اطفال مصر طوال العقود الماضية.. قالوا ايضا إن التطعيم فاسد.. او انه غير فعال بسبب انقطاع الكهرباء فترات طويلة علي جميع محافظات مصر طوال العامين الماضيين.. واجهنا وزارة الصحة بكل هذه الشائعات.. فكانت اول كلمات اجابني بها وكيل وزارة الصحة للطب الوقائي.. حسبي الله ونعم الوكيل في كل من ينشر الشائعات في مصر !!! بدأت الأزمة بانتشار حالات الحصبة خلال الأسابيع الماضية بين أطفال مطروح وبالتحديد في واحة سيوة والسلوم وسيدي براني.. حيث وصل عدد الاصابات إلي أكثر من 150 حالة.. وزاد القلق حينما توفي ستة أطفال صغار بمضاعفات المرض. وعلي الفور انتقل وزير الصحة إلي هناك.. كما انتقل فريق من وزارة الصحة للمحافظة برئاسة الدكتور عمرو قنديل وكيل الوزارة للطب الوقائي..وقام الفريق بالإشراف علي تنفيذ حملة تطعيمات لأطفال المحافظة شملت ما يقرب من 95 الف طفل.. وطاف الفريق بكافة المناطق التي شهدت ظهور الإصابات والوفيات.. وتم سؤال الأهالي ومعرفة كل الملابسات كما تم إجراء تحليل للعينات للتأكد من التركيبة الجينية للفيروس, وهل هي نفس التركيبة ام أن الفيروس شهد أي تحور.. وقد تابعت الاخبار عمل الفريق أولاً بأول.. ونقلنا كل التساؤلات والشائعات لمعرفة كل الردود. لم يتحور في البداية واجهت الدكتور عمرو قنديل بتساؤلاتي : يقولون أن الفيروس تحور وأصبح أكثر شراسة.. ويقولون إن لدينا عجزا في الطعوم.. ويقولون إن الوزراة غيرت خطة التطعيمات.. ويقولون أيضا إن انقطاع الكهرباء المتكرر أفسد الطعوم لعدم وجود مولدات بالوحدات الصحية.. فأين الحقيقة ؟ بادرني قائلاً : لن أقول سوي حسبي الله ونعم الوكيل في كل من « يفتي» عن غير علم..أويطلق شائعات تثير فزع الناس بلا أساس. ولنبدأ بتحور الفيروس.. هذا غير صحيح بالمرة فقد قمنا بتحليل عينات الفيروس.. وأنت أول صحفية تعرف النتائج حيث ثبت أن تركيبة الفيروس هي «بي3» وهي نفس التركيبة المعروفة في مصر.. وبالتالي فإن الفيروس لم يشهد أي تحور.. أما بالنسبة لعدم توافر التطعيمات.. فهذا أيضا غير صحيح فالتطعيمات متوافرة ولدينا أفضل برنامج للتطعيمات والذي شهدت به منظمة الصحة, وان كان ذلك لا يمنع وجود نسب تتسرب من التطعيم وتزداد هذه النسب في القري النائية بسبب عدم الوعي. أما انقطاع الكهرباء.. فهل يتصور أحد اننا لا نضع هذا الأمر في حسباننا ؟!.. مش معقول طبعا.. والحقيقة أن معظم مخازن الطعوم بالمحافظات تتوافر بها مولدات كهربائية بالفعل.. ومن ناحية اخري فلدينا وسائل اخري تشبه الأكياس المبردة للحفاظ علي برودة الامصال وحفظها لمدة 72 ساعة.. وأخيرا فإن الأمصال لا يتم تخزينها بالوحدات او المخازن لفترات طويلة, بل نرسلها بصورة دورية أولا بأول. عدم الوعي سألته : لماذا إذن أصبحت الحصبة قاتلة ؟ بعد كل المعاينات التي قمنا بها علي الطبيعة في سيوة والسلوم وسيدي براني اكتشفنا ان هناك أربعة حالات توفيت بالمنزل بمعني أن الأهالي تركوا الأطفال بلا مساعدة طبية حتي تدهورت الحالة.. أما الحالتان الاخريان فتوجهتا للمستشفي لكن في مراحل متأخرة.. والمعروف أن الحصبة تسبب ارتفاعا شديدا في الحرارة ولابد من التعامل معها وعدم اهمالها حتي لا تتدهور حالة الطفل ويصاب بالتشنجات ويصل الأمر للوفاة.. وهو ما يمكن أن يحدث حتي مع حالات الانفلونزا اذا تم اهمال علاجها.. أيضا فإن الأطفال في هذه المناطق يعانون من سوء تغذية والمعروف ان سوء التغذية يساهم في زيادة خطورة فيروس الحصبة وزيادة المضاعفات.. وقد قمنا بالفعل بحملة تطعيمات ضخمة لأطفال المحافظة.. ليس وديعاً ورغم ان مصر لم تشهد حالات وفيات من الحصبة منذ سنوات طويلة إلا أن الحقيقة تؤكد أن فيروس الحصبة ليس وديعا وبريئا كما كنا نظن.. فهو - طبقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية - يعد من الامراض الخطيرة حيث تصل نسبة وفياته إلي 10% لدي الفئات السكانية التي ترتفع فيها معدلات سوء التغذية وتنقص فيها فرص الحصول علي الرعاية الصحية. والحصبة طبقاً للتقارير ايضا كانت حتي وقت قريب من الأسباب الرئيسية لوفاة الأطفال الصغار, علي الرغم من توافر لقاح فعال للوقاية منها.. وعلي سبيل المثال فقد شهد عام 2011 وقوع 158000 حالة وفاة بسبب الحصبة في جميع أنحاء العالم.. وقد تم بعدها تغيير برنامج التطعيم ليتضمن جرعتين في سن عام ثم عام ونصف بدلا من جرعة واحدة في سن تسعة شهور كما كان من قبل. سوء التغذية والحصبة هي مرض فيروسي يصيب البشر فقط.. وينمو الفيروس في الخلايا التي تغطي البلعوم الأنفي والرئتين.. وتبدأ اعراض المرض بحمي شديدة تبدأ في اليوم العاشر أو الثاني عشر بعد التعرض للفيروس, وتستمر من يوم إلي سبعة أيام. وتقول الدكتورة اميرة ادريس استاذ طب الاطفال بقصر العيني ان العدوي حينما تحدث لا تظهر الاعراض مباشرة, بل تستمر فترة حضانة الفيروس في الجسم من 7 إلي 14 يوماً.. وفي نهاية فترة الحضانة يصبح الطفل معدياً رغم عدم ظهور الاعراض.. ويستمر الطفل معدياً للآخرين لمدة تصل إلي عشرة ايام من ظهور الاعراض وتكون العدوي عن طريق النفس.. وتبدأ الأعراض - كما تقول الدكتورة اميرة ادريس- بارتفاع شديد في الحرارة قد يصل إلي 40 درجة.. ثم يبدأ الطفح الجلدي في الظهور, ويبدأ بالوجه والرقبة ثم ينتقل إلي اليدين والساقين والجسم كله.. وقد يصاحبه رغبة في الهرش لكنها ليست شديدة.. ويصاحب الطفح أعراض تشبه الانفلونزا كالرشح وآلام العضلات والكحة وفقدان الشهية واحمرار شديد في بياض العين.. وبعض الاطفال يصابون بعدم القدرة علي التعرض للضوء مع تورم حول العينين.. ويمكن ايضا ظهور طفح باللثة.. وعادة فإن الاعراض تستمر من 7 إلي عشرة أيام.. ولكنها في بعض الحالات غير النمطية قد تزيد الفترة إلي ثلاثة اسابيع وتشتد المخاطر والمضاعفات.. وعن تأثير الحصبة علي الحوامل تقول الدكتورة اميرة ادريس ان الحصبة الالماني هي التي تمثل خطورة علي الجنين ويمكن ان تصيبه بتشوهات او تؤدي للاجهاض.. اما الحصبة العادية المنتشرة حالياً فلا خوف منها علي الحمل.. وينصح الزوجات عادة باجراء تحليل للتأكد من وجود الاجسام المضادة في الجسم ( المناعة) او التطعيم اذا لم توجد اجسام مضادة وذلك قبل حدوث الحمل. ويقول الدكتور مصطفي أورخان مؤسس مركز الأمصال بمعهد المصل واللقاح عن سر الحصبة القاتلة هذا العام, فيقول : أولا يجب أن نعلم أن أي فيروس يمكن ان تنتج عنه مضاعفات ويؤدي للوفاة اذا اهمل علاجه وفيروس الحصبة يمكن ان يؤدي بالفعل للوفاة مع اهمال الحرارة وعدم الراحة وسوء التغذية. ولكن من ناحية أخري هناك خطأ كبير يقع فيه بعض الأهالي عن عدم وعي ويمكن ان يمثل خطورة شديدة.. وهو اعطاء الطفل اسبرين او اي مخفضات حرارة تحتوي علي مركب سليسيليك اسيد او اسيتايل ساليسيليد.. فهذه المركبات شديدة الخطورة علي الاطفال, ويمكن ان تؤدي لالتهاب في المخ والوفاة فورا.. والافضل هو إعطاء الأطفال المخفضات التي تحتوي علي الباراسيتامول.. ولكن للأسف فإن الاهالي يلجأون للأسبرين او الريفو لرخص سعرهما.. كما ان البعض يتصور ان اقراص اسبرين الاطفال آمنة للأطفال, وهو أيضا غير حقيقي, فالأفضل للأطفال الابتعاد تماما عن الأسبرين والريفو والكتافلام وكتافلاي ومشتقاتهم. فيتامين «أ» وأخيرا فقد أكدت الدراسات الحديثة – كما تقول رنا عرفة خبيرة التغذية - وجود علاقة بين الإصابة بالحصبة ونقص فيتامين «أ» وان نقص هذا الفيتامين يساعد علي زيادة خطورة الحالة وخطورة المضاعفات.. ويوجد فيتامين «أ» في البطاطا والجزر والبيض واللبن والسبانخ والخس والكرنب والجبن.. كما تنصح بمراعاة التغذية الجيدة للأطفال لأن الأنيميا وسوء التغذبة تجعل الأطفال عرضة للعديد من الأمراض الخطيرة, كما تقلل مقاومتهم عند الإصابة بالمرض.