لا أحد ينكر أن محمد سعد نجم كوميدي له طابع ولون خاص وقد نجح في اثبات قدراته كممثل يتمتع بحضور طاغ أمام الكاميرا واستطاع ان يكون لنفسه جماهيرية عريضة بين الطبقات الشعبية التي صنعت منه قدوة ونموذجا في كل ما يتعلق بها في الأمور الحياتية التي تعتمد علي اساليب الشطارة والفهلوة وخفة الظل التي يتميز باتقانها بعض أولادنا من الشباب في شتي المجالات المختلفة الذين تأثروا بشخصية »اللمبي« وتوحدوا معها وجعلوا منها موضة عند ظهورها! وكانت بداية تلك الموضة مع ظهور »اللمبي« في فيلم »الناظر صلاح الدين« مع الراحل الجميل علاء ولي الدين الذي حقق لمحمد سعد شهرة واسعة دفعته للاستمرار في تقديمها بعد ذلك من خلال مجموعة اخري من الافلام دارت احداثها حول تلك الشخصية الكاريكاتيرية التي صنعت لنفسها مفردات خاصة في طريقة الكلام واستخدام المفردات الفكاهية مع تطويع حركات الجسد في التعبير عن كل موقف يتعرض له مع الناس اللي فوق أو الناس اللي تحت حسب موضوع الفيلم الذي يحمل توقيعه لدرجة جعلتنا نشعر ان »اللمبي« هذا قد قام مع سبق الاصرار والترصد باغتيال هذا الفنان الموهوب وحوله الي مجرد دمية فاقدة الروح والاحساس. ولا أدري لماذا استسلم محمد سعد لهذا القدر المؤلم الذي قاده الي اغتياله فنيا وسقوطه داخل »حفرة« الدور الاحد والشخصية الواحدة التي لا تتبدل أو تتغير ابدا وكأن »اللمبي« هذا قد أصبح من مأثوراتنا الشعبية التي ظلت مخفية عن عيون الباحثين والدارسين حتي جاء عبقري عصره وزمانه -محمد سعد- ليستخرج لنا تلك الشخصية الاسطورية التي باتت تطاردنا ليل نهار من خلال افلام بكل اسف لا لون لها ولا رائحة وكان آخرها فيلم اسمه »اللمبي 8 جيجا« كتب قصته بنفسه وقام بكتابة السيناريو والحوار نادر صلاح الدين بينما كان الاخراج لاشرف فايق وهو مخرج جيد سقط ايضا في هذه الموضة واصبح درويش من الدراويش الذين يلتفون حول الاخ »اللمبي« الذي بدأ في شكل موضة ثم تحول فيما بعد الي اسطورة تفسد كل شيء من حولنا نتيجة الافراط في الحركات البهلوانية والكلام العبيط الابله التافة مع الرقص وهز الوسط باسلوب ليس له علاقة من بعيد أو قريب بالمناهج العلمية التي درسها بقسم التمثيل والاخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتلك هي المصيبة! انني اشعر بالحزن الشديد علي محمد سعد الذي توسمت فيه ملامح نجم كوميدي كبير جاء مع جيل من الشباب ليقدموا نقلة فنية جديدة في مجال من اصعب مجالات الدراما ويحتاج الي موهبة وعلم وفن ودراسة ووعي وفهم فيما يتصدي له من موضوعات وقضايا تهتم بأحوال الناس ولا تسخر منهم أو تقوم بتصدير العاهات القبيحة لهم مثلما شهدناه في »بوحة« و»كركر« و»عوكل« وغيرها من الشخصيات الاخري التي افسدت ذوق جيل كامل من الشباب وحصدت ملايين الجنيهات من جيوب الناس الغلابة الذين لم يعد لديهم رغبة في الاستمتاع بالفنون الراقية واصبح شغلهم الشاغل هو مجرد الضحك للضحك في محاولة للهروب من هموم وقسوة الحياة بادمان كل ما هو مسف ورخيص! وبدلا من ان يفعل محمد سعد مثلما فعل غيره من نجوم الكوميديا بالغوص داخل مشاكل مجتمعه والتعبير عن آلام الناس راح يقدم لنا فيلمه »الليمبي 8 جيجا« الذي اقتبس فكرته من الفيلم الامريكي العالمي »شارلي« الشاب المتخلف عقليا الذي اجروا عليه احدث التجارب العلمية فتحول الي انسان شديد الذكاء الي ان يرفض ان يصبح مثل فئران التجارب ويعود الي طبيعته مرة اخري! وتلك الفكرة سبق ان عالجها الفنان الكبير محمد صبحي في مسرحية »انتهي الدرس يا غبي« وحقق من خلالها نجاحا مذهلا علي المستويين الفني والجماهيري حيث حرص علي تقديم الحدوتة داخل اطار المتعة والفن والفكر ولم يجعل من شخصية »سطوحي« -الغبي- مادة للسخرية والاستهزاء بل راح يضع فيها الافكار والمضامين المهمة التي يريد توصيلها للناس وهو الشيء الذي عجز عن تقديمه سينمائيا محمد سعد نتيجة تسلط شخصية »اللمبي« عليه حيث اصبح اسيرا لها ولا يري من حوله سواها حتي احكمت قبضتها الحديدية عليه واجهزت علي طاقات الابداع التي بداخله والتي لو احسن استغلالها لأصبح في حجم وقامة نجوم الكوميديا الكبار من أصحاب الاداء الرفيع والافلام الجريئة التي تنتقد أوضاعنا السياسية والاجتماعية في اطار كوميدي هادف يشخص الداء ويحدد الدواء. انني اكتب تلك السطور القاسية عن محمد سعد في محاولة لاعادته الي وعيه المفقود الذي جعله يسعي للثراء علي حساب الموهبة التي يمتلكها والتي كانت تؤهله لاحتلال موقع متميز علي خريطة السينما الكوميدية في مصر ولكنه بكل أسف ألغي كل من حوله وأصبح هو الفنان الأوحد الذي يكتب ويخطط للاخراج ويختار فريق »السنيدة« من الممثلين ويفعل كل شيء ولما لا فهو »اللمبي« القادر علي اضحاكنا واضحاك الناس علينا بعد ان وصل بنا الحال إلي هذا الوضع المتردي!