فقدت مصر والعالم الإسلامي برحيل فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر واحدا من أبرز علماء المسلمين وأكثرهم تفقها في الدين الحنيف وعرف طوال مسيرته بالوسطية والبعد عن التطرف والتعصب وسيذكر له التاريخ انه طالما استطاع ان يقضي علي محاولات الفتنة عندما تطل برأسها وتحاول الاساءة للإسلام والمسلمين. وحين تقلد الإمام الأكبر منصبه عام 69 كشيخ للأزهر كان يدرك جلال المنصب وأهميته بالنسبة للمصريين والمسلمين في أنحاء العالم وهو الذي عرف عنه طوال مسيرته منذ تخرج في جامعة الأزهر الشريف حتي تقلد هذا المنصب الرفيع بأن الدعوة إلي سبيل الله تكون بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالقهر والترهيب. كان الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي رحمه الله نموذجا رائعا للمؤمن الحقيقي الذي يحمل رسالته في كل مكان. وخاض معارك قاسية لأناس حاولوا تشويه الدين الحنيف والإساءة إليه وإلي المسلمين وتصوير الإسلام علي انه يدعو للتخلف والتقهقر إلي الوراء وبدأوا حملات التشكيك والترويج ضد التطور التكنولوجي الذي يشهده العصر الحديث وصوروا ان هذا التطور قادم من الغرب ومن العالم المشرك والكافر واللاديني والعلماني إلي آخر هذه المصطلحات التي ظهرت في العصر الحديث وحاولوا مقاومة كل تطور يهدف إلي خير البشرية بدعوي مقاومة الكفر والكفار.. وكان علي الأزهر الشريف وعلي رأسه الإمام الراحل وهو يرأس الموسسة الدينية الكبري التي تحظي باحترام المسلمين في أنحاء العالم أن يتصدي لهذه الحملات التي تريد تشويه صورة الإسلام أمام الغرب والشرق.. فسافر الإمام الأكبر إلي الكثير من دول العالم شرقا وغربا حاملا لواء الإسلام وداعيا إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة شارحا ومفسرا وموضحا لصحيح الإسلام ومفندا لكل دعاوي التطرف والتعصب وعلي يديه أشهر العديد من الأوروبيين والآسيويين والأفارقة إسلامهم بعد أن تعلموا منه وسمعوا حقيقة الدين الإسلامي الحنيف.. وقد التقيت مع فضيلة الإمام أكثر من مرة وكنت أتلمس فيه دائما روح السماحة والتواضع والدين الحقيقي بلا رياء أو تزلف. وكانت آخر مرة التقيه فيها الشهر الماضي في مدينة الغردقة مع الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف حيث دعانا اللواء مجدي القبيصي محافظ البحر الأحمر للاشتراك في الاحتفال بالعيد القومي للمحافظة وكانت مناسبة لنتبادل الأحاديث علي الإفطار وكان كعادته متحدثا رائعا أنصتنا إليه جميعا وسعدنا بالحديث معه حتي جاء موعد صلاة الجمعة وألقي خطبة الجمعة في المسجد الجديد الذي افتتح بهذه المناسبة واكتظ المسجد بالمصلين في الداخل والخارج رغم ان التليفزيون كان ينقل شعائر الخطبة والصلاة علي الهواء مباشرة إلا ان الجميع حضروا إلي المسجد وتحمل الكثيرون منهم حرارة الشمس خارج المسجد لكي يستمعوا إلي فضيلة الإمام الأكبر مباشرة.. وقلت لصديقي الدكتور عهدي فضلي رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم الذي انتهز هذه الفرصة ودعا الشيخ ووزير الأوقاف والمحافظ ليفتتحوا واحدا من المشاريع المهمة التي تبناها شخصيا وهي أكشاك المكتبات لبيع الكتب والصحف في محافظة البحر الأحمر والتي تفتح المجال أمام الشباب للعمل ان الدكتور طنطاوي يحرص دائما علي المشاركة في الأعياد القومية للمحافظات ويؤم المصلين في صلاة الجمعة وهذا يعني أنه يصلي الجمعة 92 مرة في 92 محافظة علي مدي سبعة أشهر في السنة يشارك في هذه المناسبات ويدعو إلي صحيح الدين والإسلام وأبناء مصر والعالم الإسلامي يتطلعون إليه لينهلوا من علمه وتفسيره للقرآن والسنة.. وبعد رحلة طويلة عاشها الشيخ الجليل شاء له الله ان يذهب إلي المملكة العربية السعودية للمشاركة في الاحتفال بتوزيع جوائز الملك فيصل العالمية وتصعد روحه الطاهرة إلي بارئها بعد أن شارك في الاحتفال وهو يستعد للعودة إلي أرض الوطن لتتحقق أمنية طالما تمناها ويدفن في البقيع بالقرب من المسجد النبوي الشريف وقبر الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته في المدينةالمنورة لنتذكر قول الله تعالي »وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت« صدق الله العظيم ونسأل الله أن يسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيفا.