خسرت مصر كثيرا بعدم حضور جاك لانج مهرجان القاهرة السينمائي، وتسلمه جائزة نجيب محفوظ والتي كان منحها له قراراً موفقاً من رئاسة المهرجان، لأسباب عديدة منها الثقافي والسياسي، من واقع معرفتي بالحياة الثقافية في فرنسا يمكنني القول إن لانج أحد أهم وزراء الثقافة في العالم خلال القرن العشرين وماتزال بصماته القوية ماثلة ليس في فرنسا إنما في أوروبا والعالم. خلال توليه الوزارة التي تخطط ولا تنتج من عام 1981 حتي 1992. شهدت فرنسا خطوات مهمة منها إنشاء المكتبة الوطنية جنوبباريس في منطقة كانت مهملة، وتحتل الآن أربعة مبان ضخمة علي نهر السين، إلي جانب المقر التاريخي في شارع الكاردينال ويشليو القريب من الأوبرا. كما أنشأ أوبرا باريس الحديثة في ميدان الباستيل، ومتحف العلوم ومتحف الموسيقي، وبيت الكتاب، هذه المؤسسات الثقافية وغيرها غير مدينة باريس، وكان الداعم له الرئيس فرانسوا ميتران أحد أعظم الرؤساء الفرنسيين وعاشق الحضارة المصرية وكان حريصا علي استقبال رأس السنة في مصر بأسوان كل عام، ميتران ولانج ينتميان إلي الحزب الاشتراكي أحد أهم أحزاب فرنسا، وخلال حكم الرئيس ميتران شهدت سياسة الحزب تغيرا مهما تجاه العالم العربي، أهم مظاهره إنشاء معهد العالم العربي في قلب باريس وللمعهد حديث يطول، أما رؤية لانج الثقافية فتتميز بالنظرة الإنسانية الكونية وكل مواقفه وكتاباته تعكس ذلك، وأشهد أنه داعم حقيقي للثقافة العربية وقد حضرت أمسية شعرية مهيبة في القاعة الرئيسية للسوربون كان يتقدم الحاضرين فيها جاك دريدا وجاك لوك نانسي وكبار المثقفين الفرنسيين أما الشاعر المحتفي به فكان محمود درويش، جاك لانج نصير قوي للقضية الفلسطينية، مؤمن بالتنوع الثقافي الخلاق. وقد اختارته فرنسا لرئاسة معهد العالم العربي فبث فيه حيوية ورسخ حضوره، لا يمكن القول ان لانج نصير للصهيونية، أو إلصاق تهم متدنية به مصدرها اليمين الفرنسي المتعصب وصحف الفضائح، أرجو متابعة زيارته إلي المغرب منذ أسابيع والحفاوة التي قوبل بها واستقبال الملك محمد السادس له، جاك لانج مثقف كبير وذو رؤية ويحتل مواقع مهمة جدا، منها عضوية البرلمان الأوروبي، كما انه رئيس مهرجان برلين السينمائي منذ عام 1996، متزوج عام 1962 وأب لطفلتين، زيارته إلي مصر الآن كانت مهمة جدا لتعريف مثقف إنساني كبير بالوضع الجديد في مصر والتحولات التي جرت وخطورة الإرهاب الذي تتعرض له، لو صدقنا الحملات المغرضة التي تتعرض لها الشخصيات المؤثرة لفقدنا العالم كله، ولما حصل محفوظ علي نوبل، الخسارة كبيرة جدا في عدم حضور لانج، أطالب الأستاذ محمد سلماوي والدكتور جابر عصفور وكل مثقف مصري وعربي يعرف قيمة الرجل بالاعتذار له، ليس أقل من هذا.