يتفق خبراء الشئون الافريقية علي نجاح مصر في التصدي للمؤامرة التي دبرها من يعشقون الصيد في الماء العكر لإفساد علاقاتها مع دول حوض النيل.. اتضحت ملامح هذه المؤامرة خلال اجتماعات دول حوض النيل الأخيرة بشرم الشيخ في ابريل الماضي عندما تبنت بعض الوفود فكرة إعادة تقسيم مياه النيل بين دول المنبع السبع ودولتي المصب مصر والسودان رغم الاتفاقيات التي تحكم حصص دول النيل والتي ظلت سارية لعشرات السنين . ووقعت بعض دول المنبع علي الاتفاقية الاطارية للتعاون بين دول الحوض وفقا لرؤيتها وبالطبع لم توقع مصر والسودان. ومنذ ذلك الحين بدأت الاصوات المغرضة ترتفع وتتحدث عن مواجهات متوقعة بين مصر وبعض دول منابع النيل ووصلت الامور إلي حد الحديث عن إمكانية اندلاع صراعات مسلحة بين الجانبين!! وفي مواجهة هذا التهديد الخطير ، لم تفقد مصر اعصابها وتعاملت مع الازمة بطريقة انسياب مياه النيل العذبة التي تتدفق وتتجاوز كل العقبات بهدوء ولكن بثقة . أدركت مصر منذ اللحظة الاولي أن المبادرة بالتوصل إلي حلول لهذا الخلاف حول بنود الاتفاقية الاطارية للتعاون بين دول حوض النيل هي مسئولية مصرية في المقام الاول انطلاقا من فهم صحيح لموقع مصر ودورها في القارة الافريقية بوجه عام. وجاء الاقتراح المصري الاوغندي المشترك بعقد قمة استثنائية بين قادة هذه الدول لكي يغلق الباب أمام محاولات الدس والوقيعة التي تبذلها أطراف مغرضة لدق اسفين بين دول منابع النيل السبع ودولتي المصب. وتكمن براعة الاقتراح المصري حول القمة الاستثنائية في تركيزه علي العودة إلي طاولة المفاوضات والحوار دون أي محاولة لفرض أفكار أو شروط مسبقة وهو ما يفتح الباب أمام جميع الاطراف للخروج من المأزق الراهن. وتقدمت مصر والسودان بمبادرة رئاسية لانشاء مفوضية عليا للاستثمار في دول الحوض خاصة في مجالات الطاقة والنقل والسياحة . واجتمعت اللجنة المصرية العليا لمياه النيل برئاسة الدكتور احمد نظيف رئيس الوزراء ومشاركة 11 وزيرا بالاضافة الي اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات لبحث استراتيجية التحرك المصري تجاه دول حوض النيل والاستثمارات والمشروعات المقترحة في هذه الدول . وقررت اللجنة استمرار دعم المشروعات التنموية الافريقية في نفس الوقت الذي بدأت فيه مختلف اجهزة الدولة المصرية تتقدم بمقترحاتها لتطوير التعاون المشترك مع دول حوض النيل وغيرها من البلدان الافريقية . هكذا، جاء رد مصر علي كل محاولات الوقيعة بينها وبين دول حوض النيل بعيدا عن أفكار التحريض والاستفزاز التي تقف وراءها أطراف غير افريقية لا تهمها مصالح مصر ولا تعنيها مصالح دول المنبع أو المصالح الافريقية بوجه عام. وخلال القمة الافريقية الاخيرة في كمبالا بأوغندا، كان واضحا تماما حجم التفهم الافريقي لموقف مصر في قضية تقسيم مياه النيل، حيث أعربت أغلبية الوفود الافريقية عن تفهمها لحقيقة أن النيل هو شريان الحياة في مصر وهي حقيقة لا تعني بالضرورة المساس بحقوق الدول الاخري التي ينبع النهر في أراضيها أو يمر بها قبل أن يصل إلي مصبه في الاراضي المصرية. ولا شك أن مصر لديها رؤيتها الواعية لكيفية حل الخلافات مع دول المنبع من خلال السعي بقوة من اجل خدمة قضايا التنمية في بلدان حوض النيل. وتعتمد مصر في رؤيتها هذه علي رصيدها الافريقي الكبير الذي يتيح لها الامساك بزمام المبادرة بالاضافة إلي دورها الحضاري المهم في مختلف أنحاء القارة الافريقية وهو ما يوفر أفضل مناخ للتفاهم وإحباط دعاوي التصعيد والمواجهة لتحل محلها مفاهيم التكامل والتعاون والتنسيق المشترك.