لا أتابع مباريات كرة القدم، لكن أكثر ما أعجبني في مونديال هذا العام، هو انشغال د. أشرف الشريف أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية ، والباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية بمتابعة المونديال، وتحليل مبارياته، وممارسة كل جموحه اللغوي.. يعني باختصار أكثر ما أعجبني في المونديال هذا العام، أن صدام د. أشرف اللغوي تحرك في مساحات واسعة وبعيدة من العالم، ومنحنا فرصة لالتقاط الأنفاس من عنف اللغة التي يمارسها.. لغة د. أشرف لغة جامحة، لاسقف لها ولا حدود، وهي تشغلني كنموذج، وتجسيد أمثل للانتهاك اللغوي الحاد داخل مجتمع الفيسبوك، والذي بات يشكل ظاهرة مرعبة..لغة خارج الوصاية، تنطوي علي خروج حاد، وسخرية لاذعة، وحرية قصوي للخيال، أيضا الكثير من الشتائم والسباب والإباحية، لغة عارية، تستخدم مفردات جنسية صريحة ،كوسيلة للتعبير والحوار اليومي، لغة عامية ليست شعبية ولكن شعبوية، تماما كما يصفها الكاتب الصحفي أحمد وائل (الكلمات المهذبة صارت مستحيلة..واقع القتل فيه وجهة نظر، بينما الألفاظ جريمة..كيف نعبر عنه بأدب ؟!).. لغة الفيسبوك تتصاعد وتنتشر، وتعلن صدامها المباشر مع اللغة السائدة والسلطة والأخلاق..وهي تثير الجدل احيانا والامتعاض كثيرا، ليس باعتبارها لغة غير مهذبة (فلا أعتقد كثيرا بأن هناك لغة مهذبة، وأخري غير مهذبة) ولكن تدهشني تناقضاتها الحادة، تناقضها مع فكرة التمرد ذاتها..أفهم أن السخرية هي تفكيك للسلطة، كل سلطة.. وأفهم أن النكتة ثورة صغيرة(بتعبير اورويل) لكن ما الذي تعنيه الشتائم والسباب؟ ما الذي تعنيه الألفاظ العارية دون سياق ؟ ما الذي تعنيه تلك المجونية؟ علي صفحات الفيسبوك يمارس الكاتب تمرده اللغوي، أو صراعه اللغوي داخل غرفة المرايا، لايري سوي ذاته أو من يشبهونه، لغة خاصة غير مسموح لها بالخروج خارج العالم الافتراضي، صراخ في غرفة مغلقة، وهو ما يفقد الصراع معناه، ويجرد اللغة الجامحة من الهدف والوظيفة، ويحيل التمرد الي (تمرد افتراضي) خاصة أن هؤلاء (الفيسبوكيين) الجامحين ما أن يبتعدوا قليلا عن فضاء الفيسبوك، حتي يصبحوا مواطنين صالحين، يرتدون الملابس الرسمية، ويحافظون علي الصورة الأخلاقية للغة ومفرداتها المهذبة، وهو ما يفقد فعلهم اللغوي قيمته ومعناه وتمرده .