كان لابد أن أشاهده كاملًا ولا أفوت منه حلقة واحدة. أتحدث عن المسلسل الرائع الذي جذب المشاهدين كأحد أكثر المسلسلات جماهيرية في شهر رمضان. كان السبب الرئيسي وراء قراري بمتابعته هو مسرح أحداثه: سجن النساء، ذلك المكان الذي حفرت تفاصيله علي جدران ذاكرتي، واختزنت أعماقي أنفاس سكانه. عذابات الحكايا التي مزقت قلبي ألماً وغضباً علي ظلم البشر للبشر، ومفارقات القدر التي ترسم مصائر، وتضيع حياة كاملة خلف القضبان. لماذا سجن النساء؟ لأنه يمثل جزءا أصيلاً في حياتي ومشواري الصحفي والإنساني في آن معاً. دخلته أول مرة في بداية حياتي الصحفية عام 1990، محررة صغيرة متحمسة للبحث عن قصة مثيرة يقرؤها الناس ويتابعونها بشغف. وهنا تتدخل الأقدار لترسم مساراً آخر في حياتي يتوازي مع الصحافة والأدب. ظهرت أمامي قصة «غالية» وطفلها الذي مات نتيجة إصابته بالسرطان، وذكرتني بعشرات القصص الإنسانية التي كتبتها، وكيف سحبني «أطفال السجينات» في دوامة من الدهشة. أطفال يولدون ويقضون العامين الأولين في حياتهم خلف القضبان مع أمهاتهم السجينات. الصدمة هي التي حركتني، لم أكن أعرف أن هناك أطفالاً يعيشون في السجن ولا أحد في مصر كلها كان يعلم تلك الحقيقة القاسية في ذلك الوقت. قصص كتبتها تتجاوز الدراما الإغريقية في مأساويتها، قصص من دم و لحم. حقيقية، صارخة بآهات الندم، والعجز، وقلة الحيلة، الأداء المتميز للممثلات السجينات ذكرني بوجوه رأيتها و وقفت أمامها متأملة. تتحول حملتي الصحفية الناجحة، والمثيرة داخل سجن النساء إلي قضية عمري! أربعة وعشرون عاما حتي الآن أزور سجن القناطر كل شهر،أعيش أعماق الحكايا وأحفر أعمق وأعمق حتي أصل إلي الحقيقة. القراء دفعوني لتأسيس جمعية أهلية وقتها تحت إسم»جمعية رعاية أطفال السجينات» شجعني أساتذتي في ذلك الحين مصطفي أمين رائد الصحافة الإنسانية في مصر وسعيد سنبل الذي قبل أن يكون عنوان إشهار الجمعية هو أخبار اليوم و كان وقتها رئيساً لتحرير الأخبار. والكاتب القدير وجيه أبو ذكري الذي ساند فكرتي و دخل كأحد المؤسسين في أول مجلس إدارة للجمعية عند تأسيسها عام 1990. وبعد معايشة أطول لقضايا السجينات اكتشفت قضية أخري لا تقل مأساوية ولا إنسانية عن أطفال السجينات، وأسميتها «سجينات الفقر» السجينات الفقيرات اللاتي تعثرن في سداد ديون بسيطة وكن فريسة لطمع واستغلال التجار لحاجتهن. وكانت أول سجينة يتم إطلاق سراحها هي «أميمة»عام 2007. بعدها انتشرت الفكرة في مصر وأخرجنا أكثر من 150 سجينة حتي الآن و لا يزال العمل الجميل مستمراً. أما المسلسل الراقي وما دار فيه، انتظروني الأربعاء القادم إن شاء الله لنكمل الحكاية.