لا يستطيع أي متابع وراصد للتطورات الجارية علي الساحة السياسية الدولية، إلا أن يسجل بموضوعية وحيدة بدايات العودة الواضحة للتواجد المصري علي هذه الساحة بعد طول غياب، نتيجة الظروف التاريخية الدقيقة التي عاشتها مصر خلال السنوات الأخيرة. وقد برزت ملامح هذه العودة بصورة ملفتة ومؤثرة، لا تخفي علي أحد من المهتمين والمتابعين لمجريات الأحداث وتفاعلها اقليميا ودوليا، خلال الاسابيع القليلة التي مضت منذ الانتخابات الرئاسية، وحتي الآن، في اكثر من صورة وعلي اكثر من وجه. ولا مبالغة في القول بأنه بات مؤكدا لدي الجميع أن مصر بدأت بالفعل في استعادة دورها المؤثر وحضورها الفاعل علي الساحة العربية، من خلال العلاقة القوية والمتينة التي تربطها بالمملكة العربية السعودية والاشقاء في الامارات العربية والكويت والبحرين والأردن، وما يتم في إطار التنسيق والتفاهم المشترك حول جميع القضايا والتحديات التي تواجه الأمة العربية، وماتحمله في طياتها من مخاطر وتهديدات. وفي هذا السياق، كانت الزيارة المفاجئة والاستباقية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمصر، والمباحثات المهمة التي جرت بين الرئيس السيسي والملك خلالها، ذات دلالة واضحة علي قوة ومتانة وخصوصية العلاقات المصرية السعودية، وعمق التفاهم والتنسيق المشترك بين الدولتين والزعيمين العربيين. كما كانت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الامريكي «كيري» لمصر، في بداية جولته بالمنطقة في ظل الازمة المفاجئة التي اشتعلت بالعراق، وماتم خلالها من تبادل للآراء وبحث للمشكلة، بمثابة اعلان صريح وواضح عن الحاجة لاستعادة مصر لدورها الفاعل والهام اقليميا وعربيا. أما الزيارة المكوكية السريعة التي قام بها الرئيس السيسي نهاية الاسبوع الماضي الي غينيا الاستوائية، لحضور القمة الافريقية، وما جري خلالها من مباحثات بالغة الأهمية مع رئيس الوزراء الأثيوبي، وماسبقها ولحقها من لقاءات ومحادثات ايجابية في الجزائر والسودان مع الرئيسين بوتفليقة والبشير، فهي ابلغ دليل علي عودة مصر القوية لدورها الافريقي، واستعادتها لتحركها الحكيم والفاعل في القارة السمراء.