وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    كم سجل سعر جرام الذهب الآن في مصر؟ عيار 24 يلامس 3606 جنيهات    البورصة المصرية، المؤشرات تعاود الصعود بمرور ساعتين من بدء التداولات    عضو بالكنيست يفضح نتنياهو، مليشياته تهاجم شاحنات المساعدات الإنسانية ل غزة    جماعة الحوثي تسقط مسيرة أم كيو 9 أمريكية في "البيضاء"    أخبار الأهلي : قلق داخل الأهلي قبل نهائي دوري أبطال أفريقيا    كرة اليد، ماذا يحتاج الزمالك لاقتناص لقب الدوري من الأهلي؟    الموعد والقناة الناقلة لقمة اليد بين الأهلي والزمالك بدوري كرة اليد    "إيقاف لاعب وعضو مجلس".. شوبير يكشف عقوبات قاسية على الزمالك بعد أحداث الكونفدرالية    بالأسماء، إصابة 12 طفلا في انقلاب سيارة في ترعة بأبو حمص في البحيرة    ضبط 4 عاطلين احتجزوا أجنبيا ظنوا بأنه لص توك توك فى مدينة نصر    «الداخلية» تكشف حقيقة محاولة خطف طالب عقب اقتحام مدرسة بالقاهرة    «الداخلية»: شرطة المرور تضبط 20042 مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    «عثر على جثتها ملقاة في المقابر».. القبض على مرتكبي واقعة «فتاة بني مزار»    فيلم السرب يحقق 560 ألف جنيه أمس    لمواليد برج الحمل.. توقعات الأسبوع الأخير من مايو 2024 (تفاصيل)    أحمد الفيشاوي يحتفل بالعرض الأول لفيلمه «بنقدر ظروفك»    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في المركز الثالث بدور العرض    اجتماع عاجل لوزير الصحة مع لجنة إدارة أزمة الأوبئة تزامنا مع حلول الصيف وموسم الحج    في يومه العالمي.. طبيب يكشف فوائد الشاي    بالتزامن مع فصل الصيف.. توجيهات عاجلة من وزير الصحة    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    روسيا تفشل في إصدار قرار أممي لوقف سباق التسلح في الفضاء    طلب تحريات حول انتحار فتاة سودانية صماء بعين شمس    جامعة بنها تفوز بتمويل 13 مشروعا لتخرج الطلاب    الثلاثاء 21 مايو 2024.. نشرة أسعار الأسماك اليوم بسوق العبور للجملة    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    أسعار الحديد اليوم الثلاثاء 21-5-2024 في أسواق محافظة قنا    تاريخ المسرح والسينما ضمن ورش أهل مصر لأطفال المحافظات الحدودية بالإسكندرية    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    محافظ أسوان: توريد 225 ألفًا و427 طنًا من القمح حتى الآن    إي إف چي هيرميس تستحوذ على حصة أقلية في Kenzi Wealth الدنماركية    الهجرة تعقد عددًا من الاجتماعات التنسيقية لوضع ضوابط السفر للفتيات المصريات    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لمنطقة أبو غليلة    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    آخر مستجدات جهود مصر لوقف الحرب في غزة والعملية العسكرية الإسرائيلية برفح الفلسطينية    مبعوث أممي يدعو إلى استئناف المحادثات بين إسرائيل وحماس    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    حسم اللقب أم اللجوء للمواجهة الثالثة.. موعد قمة الأهلي والزمالك في نهائي دوري اليد    بشير التابعي: معين الشعباني لم يكن يتوقع الهجوم الكاسح للزمالك على نهضة بركان    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    وزير الصحة يوجه بسرعة الانتهاء من تطبيق الميكنة بكافة المنشآت الطبية التابعة للوزارة    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    الحماية المدنية تخمد حريق هائل داخل مخزن بمنشأة القناطر (صور)    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    مارك فوتا يكشف أسباب تراجع أداء اللاعبين المصريين في الوقت الحالي    احذروا الإجهاد الحراري.. الصحة يقدم إرشادات مهمة للتعامل مع الموجة الحارة    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    حدث بالفن| حادث عباس أبوالحسن وحالة جلال الزكي وأزمة نانسي عجرم    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    عمرو أديب عن وفاة الرئيس الإيراني في حادث الطائرة: «إهمال وغباء» (فيديو)    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
الخروج إلي النهار
نشر في أخبار اليوم يوم 17 - 06 - 2014

لو أن المهندس إبراهيم محلب مد البصر قليلاً، إلي القرية الذكية، إلي فرع مكتبة الاسكندرية، لو رأي ما رأيته، لكان عثر علي الشخص المناسب للثقافة المصرية الآن ولكن...
أعرف الجهود العلمية الثقافية للدكتور فتحي صالح منذ سنوات، وأخص بالذكر ما يقوم به في مجال الرقمنة، أي تطوير أساليب التعامل فيما يتعلق بالثقافة والخروج بها من الدوائر الضيقة البالية والتي تمثل الأساليب المتبعة في معظم أجهزة وزارة الثقافة بوضعها الحالي، أسس لمشروع الكالتيراما وشاهدت عروضاً لما قام به من تسجيل للآثار والتي يمكن رؤيتها عبر الانترنت وكأن الإنسان يتجول فيها، غير أن ما بهرني حقاً ما قام به تجاه أحد أهم النصوص المقدسة في تاريخ الإنسانية، أعني كتاب «الخروج إلي النهار» المعروف خطأ في العالم، خاصة الغربي بكتاب الموتي، ما قام به الدكتور فتحي صالح أضاف إلي معرفتي بالكتاب أفقاً جديداً بفضل التقنيات الحديثة، بدأت صلتي بالكتاب منذ سنوات عديدة، كنت أقرأ شذرات منه في كتب وموسوعات التاريخ المصري القديم، الي أن قرأت أول ترجمة إلي العربية قام بها فيليب عطية ونشرها الحاج محمد مدبولي الذي كنت أتمني أن يطول أجله حتي يتولي وزارة مهمتها النشر، لقد قام بعمل عدة وزارات ثقافة ولي عودة إليه في اليوميات، ثم صدرت ترجمة عن الفرنسية قامت بها الدكتورة زكية طبوزادة ونشرتها دار الفكر التي أسسها المناضل اليساري طاهر عبدالحكيم، ثم قمت بدعم الباحث المصري شريف الصيفي المتخصص في اللغات القديمة عندما اقترحت عليه ترجمة النص من الخط الهيلوغريفي القديم إلي اللغة العربية مباشرة، ونشرت الفصول في «أخبار الأدب» ثم صدر الكتاب في المشروع القومي للترجمة وطبع مرتين. بذلك تعتبر هذه الترجمة أول مرة ينقل فيها النص من اللغة المصرية القديمة مباشرة ولهذا أهمية خاصة إذا علمنا أن العديد من المفردات التي نستخدمها في اللغة الحالية لنا أصولها مصرية قديمة، صدرت ترجمة أخري للباحث الراحل محسن لطفي السيد وقد طبع الكتاب علي نفقته الخاصة ويتضمن رسوما رائعة من بردية آني المحفوظة في مكتبة شستربيتي بدبلن، ومنه أورد المقدمة التي كتبها للتعريف بالنص. قرأت ترجمات الكتاب إلي الانجليزية والتي قام بها عالم المصريات والاس بدج، ومن بعده فولكنر، غير أنهما وقعا في خطأ فادح عندما أطلقا عليه «كتاب الموتي» علي أساس أن النصوص وُجدت مع المومياءات، كان الميت يوضع معه لفافة من البردي لتزويده بالنصائح التي يجب اتباعها عند بدء رحلته في العالم الآخر، وهذا الطقس موجود حتي الآن عند المصريين ويُعرف بالتلقين، وقد رأيته وسمعت ما يقوله الأحياء للراحل مراراً خاصة في ريف مصر وشرحت ذلك مفصلاً في كتابي «نزول النقطة» الذي صدر عن دار أخبار اليوم، إن تسمية الكتاب بواسطة علماء المصريات الأجانب مضادة لمضمون الكتاب، اسمه الأصلي «الخروج إلي النهار» وتلك ترجمة دقيقة للعنوان القديم «برت أم هارو»، لقد رفض المصريون القدماء فكرة الفناء الأبدي، أي الموت، واعتبروا الحياة مرحلة انتقال إلي الأبدية، ولكن قبل الولوج إليها لابد من خطوات، أهمها علي الإطلاق المحاكمة، حيث يمثل المتوفي أمام أوزير قاضي الأبدية، سيد العالم الآخر، يوزن القلب في كفة وفي الكفة الأخري ريشة ماعت أي العدالة، من هنا مازال المصريون يقولون «أنت علي رأسك ريشة؟». فإذا ثقلت الكفة بالذنوب يلقي القلب إلي وحش أسطوري نصفه العلوي تمساح والأسفل أسد، فيلتهمه وعندئذ يفني الميت تماماً في اللاوجود، أما إذا خفت موازينه، فيصبح مبرأ وعندئذ يحق له دخول حقول يارو أي الجنة حيث النعيم المقيم، كلمة المُبرأ تعني «المرحوم» في لغتنا المعاصرة أتاحت لي أسفاري أن أزور متحف تورينو في إيطاليا ثلاث مرات، وأعتبره أهم المتاحف التي تضم مجموعة آثار مصرية، حوفظ علي مقتنياته بأمانة وعلم، أفضل من المتحف المصري الذي سمح وزيرا الآثار المتعاقبان بخروج أثمن وأجمل ما فيه في جولات استمر بعضها إحدي عشرة سنة خاصة مجموعة ما خرج من آثار توت عنخ آمون النادرة والتي أشرت إليها مراراً، كثير من فتارين المتحف المصري خالية الآن، ومازال عدد القطع التي سُرقت بخبرة ودراية في أحداث يناير مجهولاً حتي الآن، أما ظروف المتحف فتعكس تدهوره، لا أكون سعيداً قط عندما أقرأ الأخبار التي تعمد وزير الآثار السابق نشرها عن استعادة بعض القطع من الخارج لإطالة مدته في الوزارة، أقول بمرارة إن الأجانب أكثر حرصاً علي آثارنا من بعض المسئولين عن آثارنا، لقد عبثوا بها وأهدروها، وظفوها لصالحهم الشخصي، وهذا حديث ذو شجون، في تورينو رأيت إحدي «نسخ الخروج إلي النهار» معلقة إلي جدار القاعة الرئيسية، ومن مكتبة متحف المتروبوليتان اشتريت نسخة طبعت علي البردي لنصوص من الكتاب، تتضمن مشاهد رائعة للعالم الآخر، وبذلك يعتبر أقدم كتاب مصور في تاريخ الإنسانية، ولكن.. قبل أن نعرف ما أضافه الدكتور فتحي صالح لإبراز مضمون وجماليات الكتاب، يجب أن نقف علي ماهية الكتاب، مضمونه وتعريف به، أستعين بما كتبه صديقي المرحوم محسن لطفي السيد الذي تعلمت منه أسرار الخط الهيلوغريفي في الدروس التي كان يلقيها علي مريديه في بيته كل أحد، رحمه الله رحمة واسعة.
النص الكامل
بردية آني وجدت في طيبة سنة 1881 ميلادية وقد دونت إبان الأسرة التاسعة عشرة «1350 ق.م» وهي الآن في المتحف البريطاني تحمل رقم 10470 وتسمي البردية باسم صاحبها «آني» كاتب القرابين المقدسة لكل الآلهة، مدير صوامع الغلال التابعة لسادة أبيدوس، وكاتب القرابين المقدسة لسادة طيبة، في عهد الأسرة التاسعة عشرة.
وهناك قصة مؤسفة تحكي لنا كيف تمكن «واليس بدج» من الحصول علي تلك البردية الفريدة في جمالها وكيف تمكن من إرسالها للمتحف البريطاني، ويقص علينا المؤلف «براين فيجان» القصة التالية في كتابه:
يقول «كانت سمعة واليس بدج معروفة في التعامل مع سارقي الآثار أمثال أسرة عبدالرسول الشهيرة، وكانت سمعته قد وصلت إلي مصلحة الآثار المصرية التي أبلغت الشرطة بنشاطه المريب، وأخذت الشرطة في مراقبته والتحقق من شخصية كل من يتصل به، وفي مدينة الأقصر اتصل بعض لصوص الآثار بواليس بدج وأعلموه بحصولهم علي تحفة فريدة فذهب معهم إلي البر الغربي حيث أطلعوه علي إضمامة بردي في غاية الروعة والجمال بها نصوص كتاب الموتي ومكتوبة لصالح أحد كتاب الملك واسمه «آني».
اطلع «بدج» علي البردية ففض أختامها وبدأ في قراءتها فتملكه العجب من روعة الرسوم ووضوح الخط ونضارة الألوان، ولكن الشرطة كانت تراقب المكان، وبعد أن تمت الصفقة أخذ بدج إضمامة البردي وعاد إلي البر الشرقي حيث أودع الإضمامة في مخزنه الذي كان يستأجره في أحد الحوانيت الملاصقة لسور حديقة فندق الأقصر.
ولكن الشرطة التي كانت تراقب المكان قامت بإغلاق المخزن وتعيين حراسة مشددة عليه، ولكن ذلك لم يردع البريطاني الخبيث، فأعد خطة ذكية وذلك بأن أرسل مجموعة من العمال ادعوا أنهم بستانية جاءوا للعمل في حديقة فندق الأقصر وأخذوا بهدوء شديد يحفرون حتي تمكنوا من صنع خندق صغير في الحديقة يعبر أسفل الجدار الخلفي للمخزن ومن ثم تمكنوا من الدخول إليه واستولوا علي البردية وموجودات المخزن وانصرفوا بكل هدوء وبساطة، بينما كانت الشرطة تحرس باب المخزن من الأمام. ثم قام «بدج» بإرسال البردية إلي الميناء البحري العسكري البريطاني في الاسكندرية الذي كان بمنأي عن السلطات المصرية، وأرسلت البردية من هناك إلي بريطانيا حيث عرضت في المتحف البريطاني تحت رقم 10470 وذلك سنة 1881 ميلادية، وهكذا كان علماء المصريات الأجانب يسلبون الآثار المصرية ليل نهار حتي امتلأت متاحف العالم بالآثار المصرية المسروقة.
وصف البردية
تقع بردية «آني» في إضمامة طولها ثلاثة وعشرون متراً وستون سنتيمتراً، وعرضها تسعة وثلاثون سنتيمتراً (سم23.60متر x 39سم).
وتتحلي فصول البردية برسوم ملونة غاية في الدقة والإتقان وتسمي الرسوم بالفرنسية وبالعربية صويرات وبالمصرية القديمة «قضوت» وتتكون البردية من سبع وثلاثين لوحة تضم فصول كتاب الموتي والنصوص مكتوبة في أنهر طولية تفصلها خطوط طولية متوازية وذلك بالمداد الأسود.
والقصد من الصويرات هو شرح المتن وتفسيره، ولكل فصل عنوان بل إن الكتاب نفسه له عنوان وهو «الخروج إلي النهار» ولكن عالم الآثار الألماني «لبسيوس» أطلق عليه اسم كتاب الموتي، وقد لصقت بالكتاب هذه التسمية ولم يعد من السهل تصحيح الاسم. ونتيجة لذلك أصبح لزاماً علي أي باحث في المصريات أن يستخدم التسمية الخاطئة «كتاب الموتي» لأنه إذا استخدم الاسم الصحيح قد يختلط الأمر علي القارئ ومثال ذلك تمثال الجيزة العظيم الذي يحرس الأهرامات واسمه بالمصرية حورس في الأفق أي «حور إم آخت» ولكنه اشتهر باسم أبو الهول أو «السفنكس» فإذا أصر الباحث أو الكاتب علي استخدام اسمه الحقيقي «حور إم آخت» فإن القارئ لن يفهم المقصود بذلك، ورغم ما سبق الإشارة إليه فلابد من أن أستخدم التسمية كتاب الموتي في هذا البحث بدلاً من كتاب «الخروج إلي النهار».
وكتاب الموتي الخروج إلي النهار هو ثمرة تطور طويل في العقيدة الجنائزية المصرية ويعتبر خاتمة للأسفار الدينية للمصريين القدماء. وكانت البداية تنقش داخل أهرامات الدولة القديمة ولذلك سميت نصوص الأهرامات وكان أول باحث في تلك النصوص العالم الألماني الأستاذ «كورت زيته». وبعده توالت الترجمات وكان أحدثها ترجمة العالم صاحب القاموس الشهير «ريموند فوكنر».
وبعد زوال الدولة القديمة لجأ المصريون القدماء إلي كتابة نصوص الأهرامات علي الأسطح الداخلية للتوابيت، ولذلك سميت تلك النصوص «نصوص التوابيت» وقد ترجمها العالم الهولندي إدريان دي بوك ثم قام فوكنر بترجمة تلك النصوص في عام 1973.
وأخيراً لجأ المصريون القدماء إلي كتابة نصوص كتاب الموتي بالخط الهيراطيقي في إضمامات من نبات البردي وهي التي نحن بصددها الآن.
وكان كتاب الموتي يصاحب المتوفي في قبره وكانت البردية تحمل اسمه وألقابه ووظائفه، والبردية تلف في شكل إضمامة وتوضع داخل تابوت المتوفي، أو توضع في داخل تمثال صغير من الخشب للإله «أوزوريس» أو توضع داخل علبة صغيرة تستخدم كقاعدة لتمثال الإله «سكر ؟؟؟؟» وأحياناً كانت تدس بين لفائف المومياء علي الصدر تحت الذراعين المطويين، وأحياناً أخري كانت توضع بين ساقي المومياء.
وكان النص يحرر بالمداد الأسود في أعمدة طولية من الكتابة بالخط الهيراطيقي يفصلها عن بعضها خطوط طولية، وكان العنوان يكتب بالمداد الأحمر ذي القوة السحرية فاللون الأحمر هو لون الدم، وكانت البردية تحلي برسوم غاية في الجمال والإتقان والرسم دائماً يشرح النص ويفسره، وقد كتبت نصوص كتاب الموتي بالخط الهيراطيقي وهو تبسيط للخط الهيروغليفي. وانتشر هذا الخط إبان الأسرة الواحدة والعشرين وذلك حوالي سنة 1080 قبل ميلاد السيد المسيح وقبل ذلك كانت كتابة البردية بالخط الهيروغليفي.
واخيرا وفي العصر المتأخر كانت البردية تكتب بالخط «الديموطيقي« وذلك منذ عهد الأسرة الخامسة والعشرون إلي نهاية العصر الروماني أي من سنة 715 قبل الميلاد إلي سنة 470 ميلادية.
في القرية الذكية
أعبر باب القرية الذكية التي أسسها الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، المبني الثاني إلي اليسار، مقر «الكالتراما» المسئول عنها الدكتور فتحي صالح، الأستاذ بكلية الهندسة، سفير مصر إلي اليونسكو الأسبق، العالم، المثقف المحترم، المركز يتبع مكتبة الاسكندرية ولعله من أهم مشاريعها، في القاعة الرئيسية رأيت بردية «آني» التي تعتبر عملاً فنياً رائعاً بما تضمنته من لوحات بديعة، زاهية الألوان رغم مرور أكثر من خمسة وثلاثين قرناً، علي شاشة ثلاثية الأبعاد نري مشهداً عاماً للبردية المستطيلة، الترجمة قام بها الأثري المحترم محمد صالح وقد نال درجة الدكتوراه عن ترجمته ودراسته لكتاب «الخروج إلي النهار» والغريب أن بحثه لم يطبع بعد، النصوص يمكن الاستماع إليها بالعربية، والهيلوغريفية والانجليزية، وأثناء الاستماع نقرأ النص بوضوح علي الشاشة، الموسيقار شريف محيي الدين المسئول عن الموسيقي بمكتبة الاسكندرية قام بتلحين النصوص في عمل إبداعي جميل، النص فيه إيقاع درامي رغم أنه مكون من أجزاء طابعها ديني، إنه ثلاثة مواقف أساسية، الأول يبدأ بمثول المرحوم في حضرة المحكمة ويخاطب قلبه الذي سيشهد عليه أمام سيد الأبدية «أوزير». الموقف الثاني عندما يوضع القلب في الميزان، وأوزير يجلس فوق عرشه ملفوفاً في الكفن الأبيض كما يصور دائماً كشهيد، إذ قُتل وهو إله الخير بيد شقيقه إله الشر ست المقابل للشيطان الآن، أمام الميزان يقسم المرحوم أربعين قسماً بما لم يقترفه من ذنوب.
أنا لم أزن
أنا لم ألوث ماء النهر
أنا لم آخذ اللبن من فم طفل
ونلاحظ أن صيغة القسم تشبه الإقرار الذي يخطه أو يتلوه الإنسان عندما يتولي عملاً جديداً، أو مرحلة جديدة في حياته، كل مشهد مكتوب، يجر تركيز الضوء عليه وشرحه، وإظهار ترجمته باللغة التي يرغب المشاهد في قراءتها ونسمعه ملحناً بالموسيقي، هنا تبرز القدرة الجديدة للتقنية الحديثة التي طبقها د. فتحي صالح علي الخروج إلي النهار، وتعتبر شرحاً حديثاً معاصراً لنص قديم، لعله الأقدم في تاريخ البشرية، طبق ذلك علي معبد دندرة، علي الاحتفال بمولد سيدي أبو الحجاج الأقصري وقد أحدث عندي هزة، فما كتبته في «نزول النقطة» رأيته مجسداً فيما قام به د. فتحي صالح من مقارنة بين مشاهد احتفال عيد «أوبت» المصري القديم، ومشاهد الدورة بالقوارب في سيدي أبو الحجاج، الفيلم أو النص المرئي موجود في فرع مكتبة الاسكندرية وبسعر زهيد علي اسطوانة مضغوطة، وقريباً ستوجد بردية آني أيضاً، لو أن المهندس إبراهيم محلب مد البصر قليلاً إلي القرية الذكية وتعرف علي جهد الدكتور فتحي صالح العلمي، لو أنه قرأ نصوص أجدادنا القديمة وشاهد الإنجاز المبهر، لو أنه عرف ما يكمن خلف مساجدنا وكنائسنا ومعابدنا التي أبرز جمالياتها فريق فتحي صالح باستخدام أحدث التقنيات، لعثر بسهولة علي وزير الثقافة المناسب للمرحلة الحالية، والذي تحتاج إليه الثقافة المصرية الآن، لو أنه.. غير أنني أكف فلو تفتح عمل الشيطان...
نص القسم
فيما يلي نص القسم الذي يتلوه المرحوم أمام المحكمة الأخروية ترجمة الدكتورة زكية طبوزادة عن الفرنسية:
أني لم أرتكب ظلماً ضد البشر
لم أسئ معاملة الناس
لم أرتكب الخطايا في ساحة الحقيقة
لم أسع لمعرفة المحظور
لم أرتكب شراً
لم أبدأ يوماً من أيامي برشوة من الناس الذين يعملون لدي، ولم يرد اسمي عند رئيس العبيد
لم أسب الدين «لم أسب إلهاً»
لم أبخس الفقير في رزقه
لم أقترف مما هو مشين للآلهة
لم أجعل عبداً يعصي سيده
لم أسبب ألماً
لم أتسبب في جوع أحد
لم أتسبب في بكاء أحد
لم أقتل
لم آمر بقتل أحد
لم أتسبب في ألم لأحد
لم أقلل من كمية القرابين الغذائية في المعابد
لم أدنس خبز الآلهة
لم أسرق كعك الأبرار
لم أكن لواطاً
لم أجامع في الأماكن المقدسة لإله مدينتي
لم أتلاعب في الميزان
لم أغش القياس بالأرورو
لم أغش في الأراضي
لم أغش في الموازين
لم أغش في الوزن
لم أحرم الأطفال من الرضاعة
لم أحرم الماشية من عشبها
لم أضع الفخاخ لعصافير الآلهة
لم أصطد سمكاً من بحيراتهم
لم أمنع المياه في موسمها
لم أقم عائقاً سداً أمام الماء الجاري
لم أطفئ ناراً متأججة
لم أنس أيام تقديم قرابين اللحم
لم أخف المواشي عند مائدة الآلهة
لم أتصد لإله أثناء خروجه في موكبه
أنا طاهر، أنا طاهر، أنا طاهر! وطهارتي هي طهارة هذا الفيونكس «طائر الخلود كما يعرف باليونانية» الكبير في هيراكليوبوليس، وذلك لأنني هذا الأنف سيد الأنفاس الذي يحيي كل الناس في هذا اليوم، يوم اكتمال العين «رمز لعين حورس التي مزقها ست إله الشر» في هليوبوليس في اليوم الأخير في الشهر الثاني من موسم الشتاء، في حضرة سيد هذا البلد، أنا واحد رأي اكتمال العين في هليوبوليس. ولن يصيبني أي شر في هذا البلد، في هذه القاعة، قاعة الالهتين ماعت «إلهة العدل والحقيقة» لأنني أعرف أسماء الآلهة الموجودة فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.