د. أحمد نوار يطالعنا الفنان الكبير محمد طه حسين من حين لآخر بأفكار جديدة وبأداء قد يكون تقليديا من اول وهلة.. ولكن الرؤية الفنية والناتج عكس ذلك.. يتسم بالعمق والبساطة في نفس الوقت، معرض الفنان المقام حاليا بمركز الجزيرة للفنون تحت عنوان «أيقونات في مدونات» اري اعمالا علي مسطحات ورقية صغيرة متنوعة المحتوي بدءا من بعض الرسوم التشخيصية التي تعبر عن ملامح افكار لموضوعات كامنة في ذاكرة الفنان، وصولا الي «خرابيش طه حسين» والمقصود بالخرابيش هي الخطوط المتراكمة السوداء والمتشابكة والمتلاحمة والمتفرقة.. الخ- كلها تهدف الي خلق فضاء متناغم ومتجانس تنبثق منه احيانا ملامح لاجسام بشرية واحيانا اخري جينات خطية هندسية او تلقائية تسبح في فضاء مفعم بالمشاعر المتدفقة، يعتمد الفنان الكبير علي مرجعية ثقافية وتاريخية عميقة ودراسة متأنية للحضارات المصرية المتعاقبة، ويحظي الفنان محمد طه حسين بسجل حافل علي جميع المستويات الاكاديمية والفنية والثقافية، وهو استاذ مرموق له من التلاميذ والمريدين الكثير الذين يساهمون بإبداعهم الفني في المجالات الفنية التطبيقية وغيرها، وقد ساهم بطاقة خلاقة في التدريس بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا ويعتبر من المدعمين علميا وفنيا وثقافيا لتأسيسها منذ عام 1983، وفي مقدمة كتالوج المعرض كتب الفنان د. صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون».. استطاع الفنان محمد طه حسين برؤيته الفنية المتفردة احداث هذا التناغم والتكامل بين الموروث الحضاري والثقافي وبين الاتجاه الحداثي.. صاغ من استيعابه للحضارة المصرية القديمة والفنون الاسلامية نسيجا معاصرا، وانعكست نشأته بحي الازهر العريق في شغفه بالفن الاسلامي لاسيما «الحروفية» الذي يعد احد اهم روادها في الفن المصري المعاصر، وكان استلهامه للموروث الحضاري سبيلا الي مفاهيم ونظريات الحداثة وما بعدها..»، الاعمال الفنية الورقية للفنان لها تاريخ ممتد عبر حياته في العمل وفي المنزل وفي الاجتماعات فنجده دائم الرسم في الهوامش او علي المتاح من الورق، ونجد هذا المنهج عند القليل من الفنانين.. فهو اشارة حركية بصرية مباشرة من عمق المشاعر الي الفضاء الخارجي وتنفس دائم لكم الطاقة الشعورية داخل الفنان، فمن خلال الشبكيات الخطية التي تتراكم بشكل تتابعي لاظهار درجات الظل في روعة السلم الموسيقي، وهذه معادلة يتقنها الفنان في مجمل اعماله الفنية، وفي بعض الاعمال تصل كثافة الخطوط المتقاطعة لحد الدرجات السوداء وكأنه ينحت في سطح الورق في اتجاه العمق، عمق المعني والتعبير عن قيم انسانية بدون حدود، فالرسوم العفوية التي نراها لم تأت من فراغ، ولكن من مخزون فكري وكمون انساني وتراثي، نراها في بنائيات صاعدة، ودوائر متصلة في حالة توحد، اشارات متراكمة افقية في حالة تصاعد وتماسك، واحيانا علي شكل نباتات متشابكة، وكأن الفنان يرسل رسالة انسانية تحمل هذه المعاني الدالة علي عمق الاحساس والفكرة، وفي تقديم تحليلي لابنه الفنان الدكتور حازم طه حسين يقول «نحن نقف اليوم امام معرض غير مألوف يتكون من مجموعة من المدونات البصرية التي تحتاج الي رؤيتها اليوم واكثر من اي وقت مضي، كتجربة ابداعية «طازجة» لم يكن يخطط مبدعها لعرضها او نسخها، فكل ما كان يريده فقط هو تسجيل لما كان يشعر به، ولربما يكون هذا المعرض فرصة لمعايشة رموز بصرية والاستفادة منها، ليس فقط في كيفية قدرة المبدع علي التواصل مع اصعب الاحداث، بل في كيفية استيعابه لهاوالتعبير عنها ولاسيما بأبسط الوسائط، لكي تظهر تلك المدونات كحصيلة طبيعية لما حدث بثورة يناير 2011 ففي نسيج بصري مفعم بالحيوية وعاكسا لانفعالات صادقة ولشحنات مختزنة، عكس طه حسين ما كان يدور بداخله من شعور متناقض ما بين رافض ومؤازر لمواقف بعينها، ومن مقارنات لاحداث تاريخية مماثلة، مثل ثورة 23 يوليو 1952، وحريق القاهرة 1954.. «ويعد الفنان محمد طه حسين من القلائل الذين يستخدمون الوسائط المختلفة في تنفيذ وابداع الاعمال الفنية، فهو يمتلك مقومات الفنان الشامل كنحات ورسام ومصور وخزاف وجرافيكي.. وبدون افتعال يتقن بعلم واحساس رفيع المستوي التقنيات التي تفرضها هذه الوسائط المختلفة وبأداء تتوافر فيه القيم الجمالية لكل مجال فني، وفي مجمل اعمال الفنان تتشكل شخصيته ورؤيته الفنية المحددة المعالم، ويعد فناننا الكبير من المؤسسين للفن الحديث في مصر ومن المؤثرين في بناء الحركة الفنية المصرية والعربية المعاصرة، ومن المؤمنين بتواصل الابداع الفني عبر مرجعيات حضارية وثقافية تؤكد علي رسم شكل الهوية الفنية المصرية، كما يعد من القيادة القليلة والنادرة لكلية الفنون التطبيقية التي عملت علي تطوير التصميم الفني الصناعي وربطه بالمنتج المصري.