كيف نجا عمر سليمان من محاولة اغتيال مدبرة بعدما تولي نائب الرئيس ومازال الفاعل مجهولا من وراء محاولة اغتيال عمر سليمان في أحداث ثورة يناير في عملية مازالت غامضة بإطلاق الرصاص عليه في كمين منصوب في روكسي «مصر الجديدة» بشارع الخليفة المأمون أثناء عودته من مقر الرئاسة ليلاً؟ ومن يختفي خلف تلك العملية بعد تصاعد الأحداث وبعد تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية لقدرته علي مواجهة الموقف بحكم خبرته الطويلة كرئيس لجهاز المخابرات العامة والأمن القومي وإطلاعه علي كل أسرار الدولة؟ ومن كان يخشي توليه الرئاسة في حالة تنحي رئيس الجمهورية تحت ضغوط الثورة الشعبية ورفض المتظاهرين للحلول والتنازلات التي قدمها الرئيس مبارك للتهدئة وحل الأزمة؟ وماتزال هذه المحاولة لغزاً غامضاً لم يتم التحقيق فيها وضبط أي من الجناة برغم أن أصابع الاتهام كانت تشير إلي جهة معينة أو شخص بذاته له مصلحة في إزاحة عمر سليمان الذي صار يمثل خطراً بعد تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية حتي لا تنقل السلطة إليه.. وقد وقع الحادث المدبر يوم 30 يناير 2011 بعد مغادرة سيارة عمر سليمان مقر الرئاسة في الاتحادية وكان قد تم تخصيص مقر له هناك لكي يباشر منه أعماله ومسئولياته الجديدة وكان آخر ما يتوقع وقوع مثل تلك العملية لاغتياله ولذلك لم يضع حراسة خاصة علي تحركاته ولم يتخذ احتياطات أمنية مشددة لحمايته، وهو ما رصده الجناة وما ساعدهم علي اختيار المكان الذي ينفذون فيه العملية.. كان الحادث مفاجئاً فقد انتهز الجناة فرصة الفوضي السائدة في الشوارع وخروج الأمن عن السيطرة وغياب رجال الشرطة واختبأوا بملابسهم المدنية وراء الأشجار الموجودة وسط شارع الخليفة المأمون بينما المفروض أن هذه المنطقة في محيط قصر الرئاسة وحيث يوجد الحرس الجمهوري وكما أنها بعيدة عن أماكن التظاهرات في ميدان التحرير وفي وسط القاهرة أي أنها منطقة آمنة تماماً، بالإضافة إلي أن عمر سليمان كان يرفض إجراءات الحراسة الخاصة في تنقلاته ولذلك لم يأخذ حذره من احتمال وقوع مثل تلك المحاولة تحت أي ظروف.. وحينما خرجت سيارته التي كان يستقلها مع السائق والحارس الخاص الذي كان يرافقه من مقر الرئاسة وأخذت طريقها في الشارع.. ووقتها خرج الجناة بأسلحتهم من بين الأشجار والحديقة العامة وأخذوا يطلقون الرصاص بكثافة علي السيارة من كل اتجاه وبطريقة مدربة.. استدار السائق بالسيارة للهروب من الكمين. كمين في أديس أبابا وحسب رواية عمر سليمان للحادث: كانت محاولة اغتيال منظمة ومدبرة ونجوت منها بأعجوبة وتم اختيار موعدها بدقة يوم 30 يناير بعد تعييني نائباً لرئيس الجمهورية وحاول الجناة المجهولون تنفيذها في شارع الخليفة المأمون واستغلوا ذلك الانفلات الأمني وقتها وعدم تواجد الشرطة وعدم استكمال انتشار قوات الجيش ورأيت الموت بعيني.. وكنت أتمني الشهادة بدلاً من حارسي الذي قتل برصاص الغدر.. ويومها اتصلت علي الفور بالرئيس مبارك وأبلغته بما حدث فأمر قائد الحرس الجمهوري بكشف المجرمين ومحاصرة المنطقة ولم يجد أي خيوط تساعده في كشف أي تفاصيل وتولي التحقيق بنفسه ولكنه لم يصل إلي أي نتيجة.. وحتي الآن لست متأكداً من أسباب محاولة الاغتيال الفاشلة ولكن عندي كم من الاستنتاجات التي تكشف لمن كانت المصلحة في اغتيالي للتخلص من وجودي نائباً لرئيس الجمهورية! وتحدث حول قرار تعيينه نائباً للرئيس في 2007 والذي قيل إنه تم تمزيقه بعد صدوره وقال: لم يكن هناك قرار.. ولم يمزق أحد أي شيء وكان الأمر مجرد فكرة طرحها الرئيس مبارك قائلاً: أنا عاوز عمر سليمان يبقي النائب بتاعي! ويومها رفض الجميع بالطبع وبإصرار من سوزان مبارك خاصة أنهم كانوا يزينون له توريث جمال مبارك للرئاسة، وكان طموحه السياسي يصل إلي هذا الحد.. وكان وجودي نائباً للرئيس يعني وأد حلم التوريث ومن يومها لم يتحدث معي الرئيس مبارك في هذا الأمر! لقد اكتسب عمر سليمان ثقة مبارك بعد أن أنقذ حياته في محاولة الاغتيال في أديس أبابا من الإرهابيين المتطرفين وكان مبارك قد قرر السفر لحضور مؤتمر القمة الافريقي في أديس أبابا بدعوة من ميليس زيناوي، ولكن وصلت معلومات سرية إلي عمر سليمان بأن مجموعة من العائدين من أفغانستان سوف يتسللون من السودان عبر الحدود ويقومون باغتيال مبارك والذي كان يواجه في ذلك جماعات المتطرفين الإرهابيين.. وأصر عمر سليمان علي أن يصحب الرئيس في طائرته بالسيارة المرسيدس المصفحة ولا يعتمد علي ركوب السيارة التي سوف تنقله من المطار إلي مقر المؤتمر وقام بشحن السيارة في طائرة نقل عسكرية مرافقة لطائرة الرئيس وبالفعل كان الإرهابيون قد وضعوا خطة لإيقاع سيارة الموكب الأثيوبي في كمين علي طريق المطار.. ولكن استقل مبارك السيارة المصفحة مع الحرس الخاص وفوجئ بالهجوم علي موكبه في منتصف الطريق ولم تكن السلطات الأثيوبية قد وضعت حراسة كافية لتأمين الموكب واستدارت سيارة مبارك بسرعة عائدة إلي المطار فور إطلاق الرصاص قبل الوقوع في الكمين وصحت توقعات عمر سليمان ونجا مبارك من الموت وغضب بشدة علي زيناوي وقاطع مؤتمرات القمة الافريقية.. وجرت بعد ذلك ثلاث محاولات لاغتيال زيناوي انتقاماً لما حدث لمبارك وكانت من تدبير عمر سليمان ولكنها لم تتم لظروف كما روي زيناوي نفسه لكي يبرئ نفسه من حادث أديس أبابا. صاحب الصندوق الأسود كان اللواء عمر محمود سليمان نموذجاً متميزاً لرجل المخابرات بدرجة أنهم أطلقوا عليه «صاحب الصندوق الأسود» لأنه كان رجل الأسرار علي مدي قرابة عشرين عاماً وهو رئيس المخابرات العامة يعمل في صمت ويتولي مسئولية حماية أمن مصر القومي من خلال ذلك الجهاز والذي يعمل رجاله وراء حاجز السرية والتفاني وإنكار الذات.. وفي السنوات الأخيرة أضيف إلي مسئوليته ملفات خطيرة منها: الملف الإسرائيلي والملف الفلسطيني وملف العلاقات المصرية الأمريكية. إنهم يعتبرونه واحداً من أخطر قادة المخابرات في الشرق الأوسط وقبل جهاز الموساد وكانت مهمته الأساسية حماية مصر من محاولات الاختراق والتجسس وجمع المعلومات عن أجهزة المخابرات العالمية في المنطقة وكان علي علم بعلاقة الإخوان مع أمريكا.. وقد تدرج عمر سليمان في المخابرات الحربية وتولي حماية أمن القوات المسلحة لعدة سنوات وعندما انتقل لرئاسة المخابرات العامة كانت لديه رؤية شاملة لمسئولياتها واستعان بأحدث النظم لكي يستطيع الجهاز مواجهة التحديات الصعبة والخطيرة من الأجهزة الأخري، وبالذات جهاز الموساد، استطاع بفضل مهارته وقدراته أن يجعل الجهاز من أفضل أجهزة المخابرات في المنطقة.. وقد نبه في وقت مبكر إلي عمليات التسلل التي تقوم بها عناصر حماس عبر الأنفاق والحدود وتهريب الأسلحة إلي داخل البلاد. وكان مبارك يكلفه بالمهام الصعبة خصوصاً العلاقات المصرية الإسرائيلية وإقامة علاقات مع القادة الإسرائيليين صنعت الكثير من الأزمات.. وقام بجهود مكثفة للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية «فتح وحماس» وكشف مراوغات خالد مشعل ونشاط حماس بالتعاون مع الإخوان في الداخل وما يجري تدبيره في الخفاء في أواخر عهد مبارك لتنفيذ المخطط الأمريكي لتقسيم المنطقة من خلال «ثورات الربيع»! وعندما تأزمت العلاقات بين بوش ومبارك وامتنع عن الزيارة السنوية لواشنطن لعدة سنوات كان عمر سليمان يقوم برحلات سرية لتسوية الخلافات وأخذ علي عاتقه ذلك الملف الخطير واكتسب ثقة الإدارة الأمريكية واستمر في ذلك حتي بعدما تولي أوباما واعتمد في الفترة الحرجة للعلاقات علي كونداليزا رايس ولذلك ظلت المساعدات الأمريكية العسكرية والاقتصادية قائمة ولم تتأثر بالخلافات، وقام بترتيب زيارة أوباما بصحبة هيلاري كلينتون إلي القاهرة لتهدئة العلاقات وإعادة التفاهم.. وكان عمر سليمان يتخذ موقفاً من عملية التوريث وطموحات جمال مبارك وأمه سوزان ويري في ذلك خطأ داهماً علي الرئيس مبارك نفسه وذلك بناء علي تقارير المخابرات خصوصاً بعدما رفض الجيش هذا التوريث للحكم.. وحاول أن يوقف العملية ولكن التيار السائد في الرئاسة وقتها كان ضد رأيه بينما كانت تقارير المخابرات تحذر من ذلك، وفهم عمر سليمان من اتصالاته في واشنطن أنهم يعارضون مبدأ التوريث تماماً! نصيحة لاحتواء الغضب وكما كشف عمر سليمان أنه تقدم للرئيس السابق مبارك بتوضيح شامل في نهاية عام 2010 عن حالة الاحتقان التي يعيشها الشعب المصري بسبب الخوف من توريث الحكم لجمال مبارك وانتخابات 2010 التي لم يرض عنها أحد ونصحه بضرورة التحرك الرئاسي فوراً لاحتواء غضب الشارع المصري واحتقانه.. وفي 28 يناير 2011 نصحته بحل مجلس الشعب فوراً خاصة مع وجود حوالي 400 طعن في صحته.. وقلت له: إن الشعب المصري ينتظر منك الكثير.. وبالفعل درس الأمر بدقة ولكنه فضل إقالة الحكومة بدلاً من حل مجلس الشعب وقامت الثورة.. ولذلك استدعاني لإنقاذ الحكم وأصدر قرار تعييني نائباً لرئيس الجمهورية لإنقاذ الموقف! وقال عمر سليمان: كل من يعرفني أنني شديد الزهد في السلطة وفكرت من قبل في الاستقالة من منصب رئيس المخابرات ولكن لم يكن الأمر بيدي وتمت نصيحتي بإلغاء هذه الفكرة من رأسي تماماً فلم يسبق لأحد أن استقال بإرادته في ظل نظام مبارك.. لقد بذلنا في جهاز المخابرات العامة جهوداً كبيرة للحفاظ علي أمن مصر واستقرارها وليس لمصلحة نظام أو شخص! وكان يلتزم الصمت لأنه صاحب الصندوق الأسود. وهناك تساؤل حول عدم ممارسة عمر سليمان لصلاحيات منصبه كنائب رئيس الجمهورية فقد تخلي مبارك عن الحكم وقال: الإخوان خطفوا الثورة من الشباب وكان لديهم حقد شديد وأرادوا الانتقام فقط وحرق البلد.. فهم مدربون ومسلحون ونجحوا بالفعل في حرق أقسام الشرطة والعديد من المرافق الحيوية واقتحام السجون.. وجدنا البلد سيحترق كله.. فقرر مبارك نقل السلطة للجيش «عمود الخيمة الوحيد» المتبقي بعد سقوط الشرطة والنظام! ويبقي السؤال اللغز: من كان وراء محاولة اغتيال رجل الأسرار.. ومن كان يريد التخلص من عمر سليمان «في هذا التوقيت بالذات» وبعدما تولي نائب رئيس الجمهورية؟ حادث سقوط الطائرة داخل الصندوق الأسود للواء عمر سليمان إحدي العمليات البطولية للمخابرات المصرية التي أنقذت سمعة مصر أمام العالم: فقد كشف أنه بعد الحادث الشهير لسقوط طائرة مصر للطيران في المحيط قبالة السواحل الأمريكية عام 1999 وكان ركابها 120 شخصاً، فوجئت القاهرة أن التحقيقات الأمريكية تؤكد انتحار الطيار المصري «الثاني» وأنها ستتحول خلال 48 ساعة إلي المباحث الفيدرالية الأمريكية F.B.I لتأكيد أنها جريمة وإثباتها من خلال تفريغ بيانات الصندوق الأسود ومقولة الطيار المصري قبل سقوطها «الله أكبر» وهو ما يعني تدمير سمعة مصر للطيران عالمياً والحصول علي تعويض 10 ملايين دولار لكل راكب ضحية الحادث والتي سبق أن دفعها القذافي في حادث لوكيربي.. واتصل مبارك بعمر سليمان قائلاً له: انقذنا من هذه المصيبة السوداء وأوقفها بأي ثمن.. ويومها تحددت المهمة في ثلاث نقاط: وقف تحويل ملف تحقيقات الطائرة إلي "F.B.Iس بأي ثمن والثاني اعتذار الحكومة الأمريكية رسمياً لمصر عن التسريبات التي حدثت لملف القضية التي تتهم الطيار المصري بالانتحار والثالث إجبار الحكومة الأمريكية علي السماح لمحققين مصريين بالمشاركة في التحقيقات لكشف الحقائق.. وتوجه عمر سليمان في نفس اليوم إلي واشنطن علي طائرة مصر للطيران.. والتقي مع رئيس المباحث الفيدرالية وكان صديقاً حميماً له وتربطه به علاقات عمل قوية «مخابراتية» وحرص علي العلاقات المصرية الأمريكية.. وصارحه بالأهداف الثلاثة التي جاء من أجلها، وبعد مناقشات طويلة وافق علي مشاركة محققين مصريين في تحقيقات الحادث وإيقاف تحويل الملف إلي «F.B.I» لكنه رفض اعتذار الحكومة الأمريكية قائلاً: أمريكا لا تعتذر يا جنرال سليمان! واتصل عمر سليمان مع وزيرة الخارجية كونداليزا رايس وتفاوض معها بقوة حول ضرورة اعتذار الحكومة الأمريكية دفاعاً عن سمعة مصر للطيران عالمياً.. وبعد مناقشات عديدة اقتنع الرئيس الأمريكي واعتذرت الخارجية الأمريكية! وهكذا انتهت الأزمة..