لم تصبني حالة الفزع والاندهاش لحادث اتوبيس المقاولون العرب بالقدر الذي اصاب غالبية الناس.. اما السبب فهي طبيعة عملي في البحث العلمي التي علمتني دراسة الظواهر بالبحث عن المسببات للاستدلال علي النتائج او المخرجات outputs التي لا يمكن ان تخالف جنس المدخلات INPUTS وهو ما نتغافل للأسف عنه دائما ونحن نمارس شكوانا اليومية من ازمة المرور والغلاء والفساد والي اخره مما يصعب حصره بالرغم ان كل ما نشكو منه هو الناتج المنطقي للسياسات والافعال التي نصنعها بأنفسنا.. فما هو مبرر العجب؟؟ الامر الذي يدعو للسخرية حقا هو ردود افعالنا لنتائج سياستنا نطبخ ملوخية ونتوقع ان نأكل باميه نزرع البرسيم ونتوقع حصاد قمح؟؟ فما هي السياسات التي حولت عم محمود سائق اتوبيس المقاولون العرب الطيب المسالم بشهادة زملائه وجيرانه الي مجرم أشد شراسة ودموية من أبطال افلام البلطجة الامريكية عم محمود هو حصاد مازرعنا بالأمس حين تجاهلت حكوماتنا خلال سنوات طويلة قضية التنمية الشاملة لصعيد مصر فتركت أهله يكابدون البطاله والفقر وسوء الخدمات والمرافق مما دفع محمود طه سويلم كالملايين غيره الي هجرة قراهم قهرا ترافقهم مرارة الظلم للبحث عن لقمة عيش في العاصمة التي استضافتهم بالعشوائيات ليعيشوا واقعا اشد ظلما وايلاما وهم يعانون في حياتهم اليومية عدم القدرة علي التكيف والانصهار في ثقافة مخالفة لمواطنهم الاصلية وهو ما عبر عنه كما نشرت وسائل الاعلام عم محمود بتلقائية فطرية وهو يطلق الرصاص علي زملائه »انا صعيدي دمي حامي« بالرغم من سنوات الاستقرار الطويلة بالعاصمة وهو مبرر لا يجب ان نستخف به لكونه تعبيرا صادقا للمشاكل الاجتماعية الهائلة التي نشأت عن الهجرة العشوائية من القرية للمدينة بسبب سوء التخطيط والسياسات. لا حاجة للعجب من مذبحة عم محمود بعد ان فقدنا مع سبق الاصرار والترصد مصريتنا الزراعية الاصل والمنشأ بكل سماتها وخصائصها الثرية بالقيم الاخلاقية النبيلة فارتدينا فوق الجلابية جاكت وبنطلونا وكرافتة حتي نبدو في الصوره العصرية لثقافه العولمة التي لم نستوعب منها سوي مساوئها وفي مقدمتها الاجرام والانحلال والفساد فأصابتنا »شيزوفرينيا« تصنع تناقضات حياتنا اليومية كالأب القاتل لأسرته والام الخانقة لرضيعها والحبيب المغتال لمحبوبته الي اخره من نتائج فقد الهوية والتداوي بروشتة العولمة التي مازلنا نعاني عسر هضم مكوناتها!! حاكموا السياسات قبل ان تحاكموا احد ضحاياها المجرم بالإكراه عم محمود الصعيدي!