تعددت الإضرابات والمطالب الفئوية والوقفات الاحتجاجية في الآونة الأخيرة، في عودة غير حميدة لظاهرة كانت قد طفحت علي السطح وانتشرت بعد الخامس والعشرين من يناير، وصاحبها توقف نسبي أو كلي عن العمل، وتعطيل شبه كامل أو شامل للإنتاج في مواقع كثيرة بطول البلاد وعرضها. وكانت هذه الظاهرة قد خبت نسبيا منذ عام تقريبا، حتي تصورنا أنها في طريقها للانتهاء أو التلاشي، ولكنها عادت لتطل برأسها علينا من جديد، وتفرض وجودها الثقيل علي ساحة العمل والإنتاج، وتلقي بظلالها السلبية علي مجمل الحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد. وإذا ما دققنا في الأسباب وراء هذه الإضرابات علي تنوعها، ابتداء من إضراب العاملين بالنقل العام وانتهاء بإضراب العاملين في الشهر العقاري، مروراً علي إضراب الأطباء والصيادلة والعاملين بالغزل والنسيج وغيرهم، لوجدنا ان العامل المشترك فيها هو المطالبة برفع الأجور وزيادة الحوافز، بالإضافة إلي تحسين ظروف العمل التي تختلف في بعض تفاصيلها من مكان إلي آخر. ومع احترامي الكامل لأصحاب هذه الإضرابات، ومع تقديري لجميع المطالب الفئوية التي يطالبون بها، وتفهمي لكونها في المجمل والأعم حقوقا غائبة عن أصحابها طوال السنوات الماضية، مما تسبب في واقع سييء يعاني منه أغلب العاملين في الشركات والمؤسسات والوزارات ومواقع العمل الإنتاجية والخدمية علي السواء،..، إلا انني لا أتفق معهم في موقفهم الضاغط بالإضراب عن العمل وتعطيل الإنتاج الآن، في ظل الظروف بالغة الدقة التي تتعرض لها البلاد علي كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أيضا. وأزيد علي ذلك بالقول بكل الصراحة والوضوح، ان ما نشاهده ونتابعه الآن من تفشي ظاهرة الاضرابات وتعطيل العمل والإنتاج، هو تقديم غير حكيم للمصلحة الخاصة والفئوية علي المصلحة العامة للوطن، والمصالح القومية للبلاد. وأقول أيضا، إنني بالرغم من تفهمي العام للمطالب التي يرفعها المضربون والمحتجون، وأراها استحقاقات يجب الوفاء بها، إلا أنني أري في ذات الوقت، أن ذلك يمكن أن يتم في إطار خطة شاملة من الدولة يبدأ تنفيذها فور الانتهاء من تنفيذ خارطة المستقبل، والشروع في عملية الإصلاح الشامل للاقتصاد وخروجنا من المأزق الذي نحن فيه الآن. »وللحديث بقية«