بلغ من الكبر عتيَّا، واشتعل رأسه شيبا، وحاصرته الهموم والأمراض وكأنَّ الحياة لفظته وضاقت به فنبذته ودهمته بأمراضها.. هكذا هي حياة عم حسن السيد الذي جاوز الثالثة والستين من عمره، في حين جاوزت سن زوجته الثامنة والخمسين، حيث عاشا معاً متجاورين في هجير الحياة، يُحاصرهما الفقر والدَّين فلا يشكوان إلاَّ إلي الله حالهما، فلم يعرفا من الحياة سوي وجهها الخشن القبيح، وأنجبا ابنين لا يقلان عنهما بؤساً ومرارة، حيث حرصا علي تعليمهما بعد أن اقتطعا من قوتيهما المصروفات المدرسية.. وعم حسن يقول إنه لم يشتك يوماً من صعوبة العمل، بل كان يحمد الله ليل نهار إذ وهبه عملاً يُطعم منه أسرته ويكفيه ذُلَّ السؤال، ويُساعده في دفع الايجار الشهري لشقته الصغيرة، حتي كان اليوم المعلوم الذي خرج فيه علي المعاش، إذ تقلَّصت جنيهاته القليلة، في الوقت نفسه الذي تزداد فيه مطالب أسرته.. اجتهد عم حسن في البحث عن عمل بلا جدوي، وكيف يجد عملاً في هذه السن، في الوقت الذي يُعاني فيه ابنه البطالة ويُقاسمه جنيهات المعاش.. وعلي الرغم من بؤس الحياة إذ غشيها الفقر وحاصرها المرض فإن التفكير في مستقبل ابنيه كان هو شاغله الأكبر، خاصة أن ابنته قد اقتربت من سن الزواج، ولابد تحتاج إلي آلاف مؤلفة حين يطرق ابن الحلال بابها.. ولكن القدر أبي أن يترك عم حسن في متاهاته اليائسة التي التفت عليه خيوطها، دون أن يبلو جهده في الصبر حتي النهاية، إذ فوجيء عم حسن بآلام شديدة في المعدة، أذهله قرار الأطباء بأنه مُصاب بتليف كامل للكبد ولابد من زرع كبد جديدة أو الاعتماد علي الحقن والبرشام الذي يخفف الألم ولا ينهيه.. ضاقت الدنيا بعم حسن، أفيِ هذه السن تتكالب عليه الأمراض بهذه الصورة المرعبة، ثم أين له كل هذه الالاف التي تحتاجها الجراحة وهو الذي لا يكفيه معاشه حتي اليوم العاشر من الشهر، وإذا جاء أجل الله كيف ستحصل أسرته علي أسباب الحياة.. أسئلة كثيرة دارت برأسه ولا مجيب، فقط تغلبت عليه نفسه المؤمنة وأحال كل همومه علي ملك الملوك الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وهداه الله وأهل الخير إلي باب لست وحدك الذي يخفف بعض أوجاع أمثاله ممن لا نصير لهم.. حيث قدَّم إليه باب لست وحدك ثلاثة آلاف جنيه، مساهمة في تخفيف آلامه، ويدعو أهل الخير لمساعدة هذه الأسرة البائسة.