ماذا يريد الأثيوبيون ولماذا المراوغة والمماطلة؟ وماذا يستهدفون من وراء بناء سد النهضة بهذه الطريقة المتعجلة والغامضة وبدون الدراسات الجيولوجية والهندسية الكافية كما حدث مع بناء السد العالي والتي استغرقت وقتا طويلا من الخبراء السوفيت والمصريين حول طريقة البناء والمواد المستخدمة واهمها صخور الجرانيت من جبال أسوان؟ ولماذا لا يطلعون الخبراء من مصر والسودان علي تفاصيل السد وعوامل الأمان في بنائه وما دوافع السرية والتكتم؟ وبينما رفض صندوق النقد تمويل انشاء هذا السد وامتنعت الصين ودول الخليج عن التمويل والاقراض ولذلك تواجه اثيوبيا صعوبات في تكاليف المشروع ولكنها قامت بتحويل مجري النيل الأزرق »المرحلة الأولي«.. وتارة تدعي اثيوبيا حاجتها الي الطاقة الكهربائية اللازمة لمشروعات التنمية هناك وتارة أخري تدعي أنها في حاجة الي المياه المخزونة منه لزراعة مساحات من الاراضي في المنطقة وراء السد لتوفير احتياجات الاثيوبيين من الغذاء والذين يعانون الفقر والجوع.. أم انهم يريدون استخدامه للضغط سياسيا علي مصر والسودان دولتي المصب مقابل شروط.. واختيار موقع سد النهضة الأثيوبي مازال غامضا وليس معروفا علي أي أساس هندسي أو جيولوجي تم الاختيار ولكن الواضح أن هذا السد يقع بالقرب من حدود السودان في منطقة تهدأ فيها سرعة تدفق المياه نسبيا.. وترتفع الهضبة الاثيوبية في القمة عن سطح البحر بحوالي 0002 متر حيث تسقط الأمطار بكثافة وتندفع بسرعة هائلة صوب حدود السودان وتشكل الفرع الرئيسي للنيل الازرق حيث تم اختيار موقع السد علي ارتفاع 005 متر عن سطح البحر ويبدو ان هذا الاختيار تم لتخفيف مشكلة الانحدار، وليس معروفا اذا كان الاثيوبيون قد اخذوا في حسابهم العوامل الهندسية والجيولوجية.. ولذا هناك الاخطاء والمخاطر التي قد تنتج عن بناء سد النهضة بهذه السرعة بالمقارنة مع المعروف عن بناء السدود- وهي عملية صعبة للغاية وقد اعلنت اثيوبيا أن سعة الخزان وراء السد ستكون 47 مليار متر مكعب وذلك يتعارض مع ما أعلن عن ارتفاع السد الذي يبلغ 051 مترا وان سعة الخزان ستصل الي 071 مليار متر مكعب- أي اكثر من ضعف ما أعلنه الاثيوبيون- ولعلنا ندرك الخطورة في ذلك لو علمنا أن موقع السد العالي يرتفع عن سطح البحر بحوالي 08 مترا أي ان الفارق بين ارتفاع السدين حوالي 024 مترا والمسافة بينهما حوالي 0021 كيلو متر، فاذا حدث انهيار في سد النهضة فإن القوة التدميرية لهذه الكمية الهائلةمن المياه عندما تنحدر وتفيض عن المجري الطبيعي يمكن أن تدمر كل شيء في انحاء السودان قبل أن تصل الي اسوان وتغرق كل الاراضي والمباني. ولو افترضنا أن سد النهضة سليم من النواحي الهندسية والجيولوجية وأن اثيوبيا صادقة في أن سعة التخزين للسد 47 مليار متر مكعب.. وهو ما يعني أن خزان سد النهضة يمكن امتلاؤه في موسم واحد فقط.. وذلك يعني بالتالي أن مصر ستضطرلاستنزاف هذا الكم من المياه من مخزونها امام السد العالي- والذي تصل سعته الي 031 مليار متر مكعب اي انها ستفقد المخزون الاستراتيجي في سنة واحدة ولابد أن يكون متوقعا في السنوات التالية ان تتحكم اثيوبيا في كمية المياه المنصرفة من السد تبعا لاحتياجاتها من الماء والكهرباء، وربما كوسيلة ضغط سياسي علي السودان ومصر وهو ما يهدد الأمن المائي لمصر ويصبح تحت ضغط اثيوبيا- خصوصا مع اعلان مؤخرا أن مصر قد دخلت خط الفقر المائي- وبفرض أن ملء الخزان الاثيوبي سيتم علي اربع سنوات- كما اعلن الاثيوبيون- فإن ذلك يعني حرمان مصر كل عام من 05 مليار متر مكعب..والمعروف أن حصة مصر من المياه هي 55 مليار متر مكعب وسعة خزان السد العالي بعد الفاقد تقدربحوالي 011 مليارات متر مكعب وبذلك فإن السد يكفي مصر سنتين فقط وذلك يعني تهديد امن مصر المائي لخطر لأنه يلزمها مائة مليار متر مكعب سنويا.. وحسب ما يري الخبراء انه لابد من التفاوض مع اثيوبيا علي هذا الاساس الذي لا يلحق اضرارا بحقوقنا المائية من النيل ويجب ان يعرف المفاوض الاثيوبي انه اذا لم تأخذ مصر والسودان حصتهما من المياه فإن اثيوبيا سوف تغرق تماما وتكون مثل منطقة السدود وحتي الآن لم يعلن الاثيوبيون عن نواياهم الحقيقية في جولات المفاوضات الثلاثية ومازالوا ماضين في المراوغة ويحاولون كسب الوقت لبناء السد رغم المخاطر التي يسببها.. ولذايري الخبراء المصريون في السدود والموارد المائية انه من الضروري التعاون مع جنوب السودان ومع اوغندة في مشروعات منطقة البحيرات والسدود بما يزيد من حصة مصر من المياه مستقبلا وبذلك يمكن التوازن بين الاعتماد علي النيل الابيض والنيل الارزق.. ولاشك أن الموارد المائية المتاحة لمصر تعتبر محدودة للغاية بالمقارنة مع تعداد السكان الذي يقارب 09 مليون نسمة وهذه الموارد تنبع من خارج الحدود وبالذات من النيل الازرق في اثيوبيا وبخلاف سد النهضة فإن هناك مشروعات سدود صغيرة اخري وبما يؤثر علي احتياجاتنا الضرورية ولابد من وقفة تفاوض جادة مع اثيوبيا لارتباط الأمن المائي من النيل بالأمن القومي ولابد ان يكون واضحا ان مصر لايمكن ان تفرط في حقوقها التاريخية وحصتها من مياه النيل! ما العمل اذن اذا لم ينجح اسلوب التفاوض مع اثيوبيا واتبعت اسلوب العناد وعدم التفاهم؟ السبيل الأمثل هو تدويل القضية والحصول علي تأييد دولي لموقف مصر من الجهات التي ترفض المشروع.. ولايخفي ان تركيا العدائية لمصر تعمل علي تشجيع اثيوبيا في المضي في بناء السد بمواصفاته الحالية وهو ما يكشف ابعاد المؤامرة.