المستشار محمود الوزىر إن السلطة لا تقوم في الجماعة البشرية إلا لأن الناس في حاجة للحرية والحرية لا تكون إلا في ظل النظام والنظام لا يستقر إلا في ظل السلطة. فإذا كان الناس قد قبلوا السلطة فلأنهم في حاجة ماسة إلي الحرية ومن ثم فإن من أهم ما يقيد سلطة الحكام المحافظة علي الحقوق والحريات العامة وهذا هو الدستور. الذي هو أسمي قوانين الدولة وهذا السمو يتجلي في أن الدستور هو الذي يحكم سائر السلطات في الدولة. فهو ينظمها ويحدد لها نطاق عملها ومدي العلاقة المتبادلة فيمابينها وبالتالي فإن أي سلطة من السلطات التي أقامها لا تستطيع أن تتجاهل قواعده لسبب بسيط هو أن هذه القواعد هي سندها الأول في البقاء. كما أنه يحدد كذلك علاقة هذه السلطات بالأفراد وما يتمتع به هؤلاء من حريات عامة وحقوق فردية قائمة علي مبادئ العدل والمساواة والحرية. وهناك أربعة أساليب يمكن أن تتبع في وضع الدساتير المدونة وهي أسلوب المنحة، أسلوب العقد، أسلوب الجمعية التأسيسية، أسلوب الاستفتاء الشعبي. وفي مصر الآن يطبق أسلوب الاستفتاء الشعبي وهو يستند إلي الديمقراطية المباشرة فتتولي لجنة حكومية وضع مشروع الدستور ولا يصدر الدستور إلا إذا وافق عليه الشعب عن طريق الاستفتاء. ويقصد بالاستفتاء عرض موضوع عام علي الشعب للموافقة عليه أو رفضه بعد إلقاء الضوء علي الجوانب المختلفة لموضوع الاستفتاء وقبل إجرائه بوقت كافٍ. والذي لا شك فيه أن القيمة الحقيقية للاستفتاء لا تبدو إلا حين يفهم كل من يدلي بصوته الموضوع الذي يعطي الرأي فيه ويفاضل بين اتجاهي القبول والرفض ويختار إحداهما بعد الاقتناع بمبرراته إما أن يوافق المواطن علي موضوع ما دون معرفة جوهره كأن يصوت بالموافقة علي الدستور دون أن يعرف حتي خطوطه العريضة. فإن الدستور في هذه الحالة لا يكون إلا مظهراً بلا جوهر لا فائدة فيه ولا جدوي من ورائه ويكون المقصود منه مجرد إضفاء صفة الشرعية علي مسألة من المسائل بطريقة غير جادة أو موضوعية ولا سيما إذا تعود الناس علي الموافقة دون اقتناع كدرب من دروب السلبية كنوع من أنواع الخوف أو النفاق كما نري أن الاستفتاء الذي يوافق الشعب عليه دون أن يفهم موضوعاته فهما كافياً بعد مناقشة علانية لمختلف وجهات النظر المتعلقة بها مع إبراز المزايا والعيوب علي وجه الخصوص يكون عديم القيمة من الناحية القانونية وذلك لأن رضا الناس في هذه الحالة يكون معيباً ينطوي علي جهالة مفسدة لجوهر الرضا والموافقة هنا غير قائمة علي أساس. فلا يمكن منطقياً أن تتم موافقة جدية علي شئ غير معلوم والشرعية المدعي بها استناداً لمثل هذه الاستفتاءات كاذبة خاطئة أو هي شرعية صورية لا تمت للحقيقة بصلة فإجراء استفتاء صحيح جدير بأن يرتب آثاره يتطلب جهداً كبيراً مخلصاً من جانب أولي الأمر وعارضي الاستفتاء كما يستلزم مجتمعاً علي درجة رفيعة من الوعي وممارسة الحرية الحقيقية ولذلك نأمل أن يكون الاستفتاء جاديا ونافعا ويكون الرأي فيه حقيقياً قائما علي أسس ومبررات كما يٌحسن ألا يستقي الشعب في شأن المسائل المعقدة التي لا يفهم غالبية المواطنين بالقدر الكافي والتي يحتاج فيها إلي رأي أهل الذكر وأولي العلم في مجالها. اللهم الا إذا طرحت مسائل الدستور موضوع الاستفتاء علي بساط البحث ونوقشت علناً بالقدر الكافي لإظهار حقيقتها وما تنطوي عليه من محاسن ومآخذ وذلك حتي يلم الشعب بجوهر الشئ قبل الحكم عليه. وأخيرا فإنه يجب أن يتم الاستفتاء في جميع الأحوال بصدق ونزاهة حتي يعٌم الاستقرار والرخاء ربوع البلاد وتعود سيادة الدولة في وجهيها الداخلي والخارجي وتكون مصر الغالية مثل السماء التي يسودها الصمود بعد العاصفة العاتية حتي تجلب الدفء لهؤلاء الذين يذوقون قسوة البرد.