كتب كل من الاستاذ الكبير الدكتور يحيي الجمل والاستاذ محمد وجدي قنديل مقالا بعنوان موحد تقريبا هو »الخريف العربي«. واعتقد انهما قد كتبا هذا باستقلال عن بعضهما البعض.. وفي المقالين ينعيان الربيع العربي، ويبشران باطلال »الخريف« علينا بما يحمل من انواء وزعابيب علي دول تونس ومصر وليبيا وسوريا. وما ادخل اليأس الي قلبيهما هي الظروف العامة المتردية التي تمر بها هذه البلاد. وأهم الاحداث المؤسفة والمؤلمة: الاغتيالات وتقتل العديد من المواطنين بغير حق، وتردي الحالة الامنية التي تجعل المواطن غير آمن علي نفسه أو ماله، وتدهور الاحوال الاقتصادية ومعاناة المواطنين من ارتفاع الاسعار والتضخم، وانتشار الفقر والبطالة وانخفاض معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتراكم المشكلات اليومية من مواصلات وتوافر الطاقة، ناهيك عن المشكلات المزمنة في التعليم والصحة والسكن والرعاية الاجتماعية. ونحن جميعا نرفض هذه الاوضاع السيئة، ونشجب بشدة الاغتيالات واراقة الدماء عامة والبريئة علي وجه الخصوص، ولا نقبل التطرف والارهاب. غير اننا يجب ان نضع سؤالين قبل التسرع باصدار حكم بأفول الربيع العربي، هما ما هي اسباب هذه الاوضاع المتردية؟ وهل تعني ظهور الخريف العربي؟ أن الأوضاع المتردية الحالية لها أسباب عدة اهمها: عدم ادارة البلاد سياسيا وامنيا، واقتصاديا بطريقة سليمة منذ تفجر ثورات الربيع العربي في الدول الاربع جميعا. وأدي ذلك الي الانفلات الامني، والصراع السياسي بطريقة غير ديمقراطية، وتدهور الاوضاع المالية والاقتصادية بسبب الاسراف في تلبية المطالب بدون التزام مكافئ في القيام بالواجبات. أدي الكبت والحرمان اللذان عاني منهما جموع الشعب في ظل الانظمة المستبدة الفاسدة التي قامت الثورات للقضاء عليها، أدي الي تطلع الجماهير لسرعة الحصول علي حقوقها الاقتصادية والسياسية بدون النظر الي الامكانات المتاحة. وهذه المطالب الشعبية مشروعة لكن بعد تحين الاوضاع العامة وآن الاوان ان ننظر إلي الصالح العام، وان نزيد من امكاناتنا ونحسن من قدراتنا، قبل التمتع بمزيد من المزايا الاقتصادية والمعيشية. فشل أنظمة الحكم التي تولت السلطة بالانتخاب - الاخوان المسلمون في مصر، والتيارات الاسلامية في كل من تونس وليبيا - في ادارة البلاد بطريقة تجمع كل الاتجاهات ولا تفرقها، ونتيجة لعدم الخبرة، والتسرع في السيطرة، وخلل الاولويات، أدي إلي زيادة حدة الخلاف والصراعات بل وإلي الكراهية والعداء. غياب ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر بطريقة سلمية نتيجة لهيمنة النظم الدكتاتورية، والحزب الواحد، في هذه البلاد لسنوات طويلة ويحتاج بناء ثقافة الحوار وقبول الهزيمة السياسية بطريقة سلمية إلي وقت غير قصير كي نعتاد علي الحوار السلمي. الثورات المضادة التي قام بها اصحاب المصالح من النظام السابق زادت من حدة العنف والاقتتال وتمويل المتعطلين والبلطجية من اجل القيام بالاعمال التخريبية، ولا يستبعد استخدام هذه الثورات لملايين الجنيهات لتمويل حملات اعلامية ضخمة ضد ثورات الربيع العربي، مما روع العديد من المواطنين، وخلق الظروف المعادية لظهور الثمار الطيبة لهذه الثورات. واذا كان من الطبيعي ان يواجه »الربيع العربي« ثورات مضادة من الداخل فمن غيره ان يواجه ايضا ثورات مضادة خارجية الا انه حدث وذلك خوفا من »اثر العدوي» وانتشار الدعوة الي العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية اليها،مما يهدد مصلحة الانظمة الحاكمة حاليا في هذه البلاد. ومهما كان السبب الاهم قبل الاسباب السابقة، هو عدم ميلاد قيادة قدوة لها رؤية حسنة وقبول شعبي عام تقوم برأب صدع المجتمع، ولم شمل افراده وجماعاته من أجل بناء المجتمع وتحقيق غاياته وآماله. ذلك أن الحكام السابقين لدول الربيع العربي كرهوا ان تقوم قامات عالية الي جوارهم، أو ان توجد قيادات رشيدة تحل محلهم او تهدد عروشهم ولا يعني هذا عدم وجود مثل هذه القيادات ولكن تحتاج إلي وقت كي تبرز وتصقل، وتنجح في توجيه المجتمع نحو البناء والاستقرار والعدالة والتقدم. هل أفل الربيع العربي؟ وهل تعني هذه الظروف افول الربيع العربي، ليحل محله »الخريف« العربي؟ ابادر بالرد لا وألف لا، وذلك دون ان يساورني ذرة شك، في ان الظروف السابقة جميعها طبيعية في ظل الظروف السائدة، ولا تعني اطلاقا تحول الربيع الي خريف.. ويرجع ذلك إلي سببين قويين هما: الاول: ان ما يحدث هو من طبيعة الامور، فالغاية نبيلة ولابد ان يكون العطاء كبيرا، والتضحية ثمينة، فلا يوجد اخذ بلا عطاء ولا بناء بغير ثمن، وما سوف يترتب علي اكتمال الثورات العربية عظيما سواء من اعلاء شأن الانسان العربي، او تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، والتطور السياسي البناء، وما نمر به من معاناة وخسائر خادمة هو ثمن للحصول علي هذه الثمرة. وآن الاوان ان تقلل من هذه الخسائر بحسن التصرف ومراعاة الصالح العام. الثاني: ان الهدف الرئسي للثورة هو العدالة الاجتماعية بجميع اركانها: تكافؤ الفرص، وعدالة توزيع الدخل والثورة، وتقارب المستوي المعيشي لاقاليم الدولة جميعا، وعدالة تمتع الاجيال المتعاقبة بموارد البلاد وخيراتها؟ هو هدف غال ونفيس، لا يمكن التخلي عنه، او الاعتراض عليه ومقاومته وكل الجهود الداخلية والخارجية المبذولة من أجل الحيلولة دون تحققه سوف تبوء بالفشل حتي وان نجحت مؤقتا وجزئيا. ان تحقيق مجد الامم والشعوب يستلزم بذل العمل والعرق، وألاّ يتطرق اليأس الي قلوب الناس، وخاصة اهل الفكر والرأي وصدق الشاعر حين يقول: لا تحسن المجد تمرا أنت آكله لن تبل المجد حتي تلعق الصبرا