منذ مطلع العام 2011 لم تتوقف حالة الحراك الثورى فى العالم العربى، بداية من تونس مرورا بمصر ثم ليبيا ثم اليمن وأخيرا سوريا التى باتت قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى منطقة الحسم لصالح ثورة الشعب وفق الحتمية التاريخية التى تؤكد انتصار الشعوب فى مواجهة دموية الحكام.. وخلال الستة عشر شهرا المنصرمة تتفاعل هذا الحالة التى أطلق عليها ثورات الربيع العربى – برغم تحفظ البعض على هذا المسمى - باتجاه ينزع إلى تكريس سياقات مغايرة عما شهدته الأقطار التى انبثقت فيها سعيا إلى الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية ولبناء أنساق من نظم سياسية تنحاز - أو هكذا يؤمل منها - إلى احترام المواطن أولا وتجسيد المواطنة. ووفق منظومة المساواة فى الحقوق والواجبات بدون تمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب أو التوجه السياسى لقد كابدت ثورات الربيع العربى خلال الفترة الماضية من معضلات شتى جعلتها فى مواجهة حقيقية مع مفردات الواقع الذى كان يئن من الاستبداد والتوحش السياسى والأمنى والاقتصادى والاجتماعى مما أفرز ظواهر تتقاطع سلبا مع جوهر هذه الثورات من قبيل الانفلات الأمنى وظهور ما يسمى بالبلطجة وسطوة الخارجين عن القانون وبروز التشطى، ومتوالية الانقسام التى تكاد تطال كل القوى التى سعت كل واحدة منها إلى التمحور حول ذاتها على نحو أنساها مصلحة الوطن فضلا عن بروز التناقضات بين النخب السياسية الجديدة، الأمر الذى يكاد يمهد الطريق لعودة النخب التى كانت حاكمة مرتدية هذه المرة أثواباً ثورية فضفاضة قادرة فى الآن ذاته على خداع البسطاء، والأخطر أنها لم تقم بمقاربة حقيقية لبلورة ما نادى ولايزال ينادى به الثوار من شعارات تعبر عن متطلباتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أرض الواقع. وتثير كل هذه المعطيات الكثير من الأسئلة المشروعة عن مستقبل ثورات الربيع العربى ومدى نجاحها فى تحقيق أهدافها المعلنة فى ضوء ما تواجهه هذه الثورات من ضغوط داخلية وعدم توافق القوى السياسية، فضلا عن صعود القوى الإسلامية، وما إذا كان ذلك أمرا مفيدا لها أم سيخصم من رصيدها، بالإضافة إلى مدى قدرتها على تحقيق الخيار الديمقراطى الصحيح وبناء نظم سياسية رشيدة بوسعها استيعاب حركة الجماهير..“الأهرام العربى" طرحت هذه التساؤلات وغيرها على عدد من الخبراء والباحثين فجاءت إجاباتهم على النحو التالى: فى البداية يبدى عبد الله السناوى، الكاتب الكبير، ملاحظتين رئيسيتين، أولاهما تتمثل فى تحفظه على تعبير ثورات الربيع العربى، مبررا ذلك بأن حجم ما أهدر من دماء وما وقع من مصاعب وتقلبات وانتكاسات يجعل من الصعب وصف هذه الثورات بالربيع والذى يعود فى الأٍساس إلى الثورات التى وقعت فى شرق أوروبا والتى أطلقت عليها تعبيرات من قبيل الثورات المخملية والثورات البرتقالية ومن ثم فإنه يمكن القول إن نتائج الثوارت العربية حتى الآن تعد محدودة وضئيلة وذلك على الرغم مما دفع من أثمان باهظة وكلفة عالية، سواء من من دماء البشر أم إمكانات الأوطان..وثانى الملاحظات التى يشير إليها السناوى هى أن هذه الثورات تعكس حالة الشيخوخة التى أصابت النظام السياسى العربى بشلل عام مما جعله موشكا على استنفاد علاقة مع العصر ومع المستقبل أيضا، إن لم يكن قد استنفدها بالفعل، وهنا يلفت النظر إلى أن الدول التى شهدت هذه الثورات يجمعها قاسم مشترك يتجسد فى وجود مشروع لتوريث السلطة على الرغم من أن نظامها السياسي جمهوري، وبالتالى تحول هذه النظم من جمهورية إلى ملكية غير دستورية وبقاء النظم الحاكمة فيها فترات زمنية طويلة على نحو طال أكثر مما يجب فى ظل عجزها عن استيعاب القوى والتيارات الجديدة وانسداد الأفق السياسى وتحكم عائلة واحدة فى منظومة ومؤسسات الحكم مستندة إلى قبضة أمنية وبوليسية أخذت أشكالا مختلفة ولكنها جميعا صبت باتجاه قهر المواطن لمصلحة السلطة الحاكمة والجماعات والعناصر المتحالفة معها فى معادلة الثروة والسلطة. وجاءت هذه الثورات – الكلام للسناوى – محاولة للخروج من عباءة الحكم العائلى القائم على السطوة الأمنية إلى بناء الدولة الحديثة التنى تنهض على محددات وقواعد الديمقراطية والكرامة الإنسانية، وهو ما يلمسه المرء فى الثورة المصرية بالذات التى ركزت على فكرة الكرامة الإنسانية بعد طول مكابدة ومعاناة خلال السنوات الأربعين الماضية.. وعندما يطل السناوى على الزمن الآتى بالنسبة للدول التى شهدت الثورات أو الاحتجاجات أو الانتفاضات يؤكد بعض الحقائق المهمة حسب توصيفه فى مقدمتها، أنه من المستبعد إن لم يكن من المستحيل العودة للوراء حتى لو تعرضت لانتكاسة كبيرة فى هذه الدولة أو تلك معربا عن قناعته بإمكانية تصحيح وتجاوز أى انتكاسة - والتى ستكون بالضرورة عابرة - من خلال التركيز على رفض الاستبداد وتكريس حقوق المواطنة وبناء منظومة العدالة الاجتماعية، وكلها أمور تتعلق بالأبعاد الإنسانية للمواطن. أما الحقيقة الثانية التى يطرحها السناوى فهى أن النظم التى مازالت ترفض التغيير فقدت شرعيتها وذلك يعنى على نحو أو آخر أن الموجة الثورية العربية مرشحة للتمدد، وحسب يقينه فإنه عندما يتحقق فى مصر نموذج ديمقراطى راشد يتكئ على العدالة سيكون ملهما للأقطار العربية الأخرى، ويتوقع أن تستغرق هذه العملية فترة زمنية تتراوح بين أربع وسبع سنوات، وإن كان ما يحدث فى دولة عربية لن يكون مشابها لما يجرى فى غيرها فلكل دولة من دول الثورات لها وضعيتها الخاصة..وسألت السناوى عن صعود تيار الإسلام السياسى فى المرحلة المقبلة من جراء هذه الثورات فينبه إلى أن هذا التيار هو أكثر المستفيدين منها بحكم كونه الأكثر تنظيما وقدرة واستعدادا على التفاعل مع ما أفرزته هذه الثورات من تغييرات وتداعيات لكنه يحذر من موجة كراهية باتت ملحوظة تجاه هذا التيار، وهو مايستوجب منه العمل على تعديل خطابه السياسى على نحو يتجاوز منطق الاستحواذ والإقصاء والهيمنة وصولا إلى إتاحة الفرصة للشراكة لا المغالبة فضلا عن تقديم تطمينات لشرائح اجتماعية مسكونة بالهواجس من وصول هذا التيار إلى الحكم، ويقترح فى هذا السياق الاقتداء بالنموذج التركى أو الماليزى وليس النموذج السودانى..وفى رأى الدكتور أحمد طاهر، رئيس مركز الحوار للدراسات السياسية بالقاهرة، فإنه ليست مصادفة أن تشهد الثورات العربية حزمة من التحديات الداخلية والخارجية فى ضوء الأوضاع التى عاشتها تلك المجتمعات والتى أودت إلى اندلاع تلك الثورات. فإذا كان صحيحا أن الشعوب العربية عاشت مرحلة من أسوأ المراحل فى تاريخها الحديث والمعاصر وإن تفاوتت المستويات من دولة إلى أخرى، لكن من الصحيح أيضا أن تشابه تلك الظروف وتقاربها خلقت، ربما تقاربا فى مآلات ومسارات تلك الثورات برغم اختلاف المعالجات التى تمت فى كل حالة على حدة، ففى الحالة التونسية والمصرية سقطت الأنظمة الحاكمة بثورات شعبية سلمية، لتنتهى الأزمة الليبية بالتدخل الدولى، فى حين حسمت الثورة اليمنية بالحل الخليجى، فى الوقت الذى ظلت فيه الثورة السورية تتراوح بين مواقف إقليمية وأخرى دولية منقسمة على ذاتها، وهو ما يطرح التساؤل حول مستقبل تلك الثورات ومآلاتها وموقف القوى الإسلامية الصاعدة أو ما يطلق عليه الإسلام السياسى ما بعد الوصول إلى سدة الحكم فى الحالتين المصرية والتونسية، وما زال يمثل البديل المنتظر لنظم الحكم السورى والليبيى؟.وفى معرض الإجابة عن هذا التساؤل، يشير الدكتور طاهر إلى عدد من الملاحظات المهمة: أولا: ليس مصادفة وصول القوى الإسلامية إلى الحكم فى تلك البلدان، خصوصاً أن حالة الاستقطاب كانت واضحة بين نظم الحكم السابقة وقوى الإسلام السياسى، وهى الحالة التى مازالت قائمة حتى الآن فى الحالة المصرية بصورة واضحة والحالة التونسية بصورة أقل. ثانيا: لم تطرح القوى المنافسة فى البلدان التى شهدت ثورات رؤى واضحة بصورة تفصيلية لما تقدمه من برامج وخطط وإستراتيجيات، فمازال خطاب هذه القوى خطابا شاملا فضفاضا يخاطب الشعور والقلوب بعيدا عن مخاطبة العقول والواقع بمشكلاته وقضاياه. بمعنى أكثر تحديدا تغلب على الخطاب الأساليب الدعائية وليست الرؤى السياسية محددة الخطوات وواضحة الأهداف. ثالثا: برغم عدم إيمانى بنظرية المؤامرة فى تفسير الأحداث فإن التاريخ لم يخل من المؤامرات، بما يؤكد أن ما شهدته بعض الدول العربية من ثورات وتحركات شعبية، ربما لم يكن للخارج دور فيها، إلا أنه لا يعنى عدم تدخل الخارج فى استغلال تلك الظروف ومحاولة توظيفها لما يتفق ومصالحها فى تلك المنطقة الإستراتيجية فى العالم. رابعا: يجب أن تدرك جميع القوى السياسية فى البلدان العربية أن الوصول إلى الطموحات والآمال المعقودة على تلك الثورات لن تتحقق إلا بتوافق جميع القوى بصورة تحقق الإجماع الوطنى بعيدا عن الاستقطابات والانقسامات من خلال إرساء ثقافة المشاركة وليست المبالغة، وبدون ذلك فمن المنتظر أن تدخل الدولة فى أتون حلقة من الفراغ. خامسا: يظل من الأهمية بمكان القول إن من يصل إلى المواقع القيادية فى تلك البلدان فإن عليه أن يحسم أموره ويحدد موقفا حيال العديد من القضايا الدولية والإقليمية التى تترك بصماتها على شئونها الداخلية. فلا شك أن سياسة مصر الخارجية خصوصاً فى علاقاتها مع القوى الدولية والإقليمية ذات تأثير بعيد المدى على أوضاعها الداخلية وشئونها الوطنية. صفوة القول - يختتم الدكتور طاهر حديثه - إن ما تعيشه الشعوب العربية اليوم بسبب ما واجهت ثوراتها من تحديات وصعوبات داخلية عديدة وخارجية متعددة تفرض علي صانعى القرار أن يحقق التوازن المطلوب بين مصالحها الوطنية وقضاياها القومية. ويتساءل الدكتور سامح راشد، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الإستراتجية والسياسية ونائب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، هل هو ربيع حقاً؟ ثم يجيب قائلا “بداية وصف الربيع العربي سنطوى على مبالغة لأن الثورات العربية لم تنجح بعد، أي أن الربيع لم يزدهر أو يؤت ثماره بعد. وتونس فقط هي الأقرب إلى إنجاز خطوات حقيقية نحو تغيير نظام الحكم. أما عن أهداف الثورات العربية بشكل عام، فإن ما تحقق فيها جميعا هو فقط إزاحة رأس النظام أي شخص القائد (سوريا لم تصل حتى إلى هذه الخطوة) أما بقية مكونات الدول والنظام فلم تتغير سواء المؤسسات وتركيبتها أم التشريعات والقوانين الحاكمة، أم الآليات وطريقة العمل في كل القطاعات. وفي كثير من الأحيان الشخصيات ذاتها هي لاتزال موجودة في مواقعها، وهذا حاصل في كل دول الثورات العربية. لذا يصعب القول إن شيئاً من أهداف تلك الثورات قد تحقق، وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل الثورات العربية تقريباً اشتركت في أهداف عامة واحدة، وهي تداول السلطة، حرية التعبير والمشاركة السياسية، تحسين أحوال المواطنين المعيشية، والحفاظ على كرامتهم. وفي كل حالات الثورات وموجات الاحتجاجات الشعبية، تحقق بشكل كبير توسيع هامش الحرية والتعبير بمختلف الأشكال والوسائل. وبدرجة أقل نسبة المشاركة الشعبية في الحياة السياسية..بينما لا تزال فكرة تداول السلطة غير مطبقة على نطاق واسع، وكذلك الحفاظ على كرامة المواطن وتحسين أوضاعه الحياتية. فسواء في تونس أم مصر أو اليمن أم ليبيا، فضلاً عن سوريا. لا تزال كرامة المواطن تهان ومازالت القوى التقليدية والشخصيات القديمة تحتل المناصب الكبرى والمواقع الحيوية في دولاب العمل العام وأجهزة الدولة ولا تزال الأوضاع الاقتصادية تعاني بشدة..وبرغم الضغوط الشديدة التي تواجهها الثورات من جانب القوى المضادة لها في الداخل، فإن الخلل الحقيقي - يتابع الدكتور سامح راشد قوله - يكمن في عجز القوى السياسية -التي تعتبر نفسها ثورية وتنسب نفسها إلى الثورات - عن استيعاب مطالب الشعوب وتجسيدها في مواقف واضحة أو حتى مطالب محددة قابلة للتطبيق والالتفاف حولها. إذ يلاحظ أن كل القوى والتيارات صبت كل اهتمامها على المجال السياسي الذي يعني المناصب والحصص السياسية في السلطة، على حساب المجالين الأمني والاقتصادي الأكثر أهمية وتأثيراً في حياة المواطن. وتستوي في ذلك القوى السياسية بشكل عام، أو الإسلامية منها بصفة خاصة. وتلك الأخيرة ربما هي الأكثر مسئولية عن ذلك الوضع المعكوس الذي تسعى فيه القوى والتيارات بل والأشخاص إلى الصراع على ما لا يهم المواطن، وتجاهل ما يمسه مباشرة. وخصوصية مسئولية الإسلاميين تنبع من افتراض أنهم الأكثر زهدا في الدنيا والأكثر حرصاً على إرضاء الرب عبر إرضاء الشعب، وليس إرضاء الرب عبر الفوز بالرئاسة أو بمجلس الشعب. لذلك لوحظ تراجع مكان ومكانة الإسلاميين في دول الربيع العربي بعد شهور فقط من صعودهم الكبير، وذلك على اختلاف وخصوصيات كل حالة، فسواء في تونس أو مصر أو ليبيا، لم يعد الإسلاميون يحظون بذات القدسية والهالة التي كان الشعب يحيطهم بها قبل الثورات. فمن ناحية أجبرتهم السياسة الفعلية على تبني مواقف وإعلان آراء لا تتطابق بدقة مع خطابهم الديني المستمر منذ عقود. ومن ناحية أخرى أدت مشاركتهم في التكالب السياسي على السلطة إلى اهتزاز صورتهم الذهنية المثالية لدى رجل الشارع..ويضيف: رغم تلك المثالب فإن مستقبل الإسلاميين قد يكون أكثر ازدهاراً من القوى الأخرى التي تتكالب على السلطة وهي لا تملك أي رصيد لدى الشارع.. كما أن الإسلاميين عندما يضطرون إلى التقريب بين الخطاب الديني المثالي أو المتشدد والتطبيق العملي الأكثر مرونة واعتدالاً، فهم بذلك يقتربون أكثر من القطاعات الأوسع والغالبية العظمى من الشعوب العربية المتدينة، لكنها ترفض أيضاً التشدد والتطرف بطبيعتها. شريطة أن يكون ذلك الاقتراب مدفوعاً بالرغبة في تلبية مطالب وطموحات الثورة التي قام بها الشعب، وليس بنزعة الحصول على مناصب وتقاسم السلطة، فلتلك النوازع حسابات أخرى تبتعد بمن ينساق وراءها عن تأييد ورضا الشارع في كل دول الربيع العربي. إجمالا، يصعب القول بأن الربيع العربي سيكتمل أو يزدهر في المدى القريب، بل أصبح يواجه صعوبات في الامتداد إلى دول أخرى غير الخمس التي طالها حتى الآن (تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا) وهي لا تمثل سوى ربع الدول العربية فقط..والرهان الحقيقي في ازدهار أو أفول الربيع العربي- حسب تأكيد سامح - يكمن في مدى مثابرة الشعوب والجماعات الشبابية الثورية التي تصدرت المشهد في تلك الثورات، فاستمرار تلك الطليعة على مواقفها واستعادتها تأييد غالبية الشعب لها، هما فقط الكفيلان بتحقيق أهداف الثورات العربية، وهو ما قد يتحقق لكن ليس في المدى القريب..ويتوقف الدكتور يسرى العزباوى، الباحث بمركز الاهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، عند ما يصفه بعملية المخاض الصعبة للغاية التى تشهدها دول ثورات الربيع العربى فى مرحلة التحول الديمقراطي فى ظل حالة من حالات التخبط والارتباك بين القائمين على عملية صنع القرار والنخبة العربية الجديدة التى أضافت مزيداً من الارتباك بسوء توقعاتها للمشهد السياسى وباقتراحاها حلولاَ دائما ما تعود للخلف كلما تقدمت بعض الخطوات إلى الأمام وهو يرى أنه ستكون أمام هذه الدول أربعة سيناريوهات لا خامس لها فى حالة تبنى وإقامة الدولة الدينية..السيناريو الأول، وهو إقامة تحالف ديني- دينى جديد فى المنطقة، وسيشمل هذا التحالف مصر الإخوانية وإيران ولاًية الفقيه والسعودية السلفية. والميزة الوحيدة فى هذا السيناريو أن التكلفة المادية والبشرية ستتوزع على الدول الثلاث المتحالفة، وسيضم عدداً كبيراً من الدول الأخرى خاصة وأن السعودية لها القول الفصل فى منطقة الخليج وإيران ستؤثر بلا شك فى الدول الإسلامية الآسيوية المتجاورة معها، أما مصر فستؤثر فى كل من ليبيا والسودان وفلسطين المقاومة. وسينضم لهذا التحالف فى حالة تحقيق نجاح سياسى واقتصادى حقيقى بعض دول الأطراف ربما تونس والمغرب وماليزيا وإندونيسيا فى المستقبل..السيناريو الثانى: تحالف مصرى – إيرانى، وكل المؤشرات تقول أن هذا هو الأقرب للواقع مع محاولة ضم تركيا لهذا التحالف، وإن كان ذلك مستبعداً، لأن بنية صانع القرار التركى مختلفة تماماً عن صانعى القرار فى مصر وإيران، ومن ثم ستتوزع تكلفة هذا السيناريو المادية والبشرية مناصفة بين مصر وإيران..أما السيناريو الثالث: وهو أكثرها تكلفة، وينصب هذا السيناريو على إقامة دولة دينية مصرية تكون نواة لدولة الخلافة، وتحاول التوسع عن طريق محاولة لعب دور سياسى أكبر فى المنطقة، ثم تتوسع عالميا وتصول وتجول فى كل صوب وحدب لتحقيق عالمية الأمة ومن ثم سيتحمل المصريون وحدهم التكلفة، وهذا سيحدث بيئة أكثر انغلاقاً وسيطرة فى الداخل من قبل قوى الإسلام السياسى. السيناريو الرابع، إقامة دول إسلامية عصرية على غرار تركيا بأيدى وبصمات عربية معتدلة، تحتكم فيها قوى الإسلام السياسى إلى المهنية والكفاءة فى بناء مؤسسات الدولة بمعناها الحديث. وهذا السيناريو هو الأقل تكلفة والأكثر طموحاً لدى الشعوب. أما فى حالة إقامة دول مدنية عصرية يرى الدكتور العزباوى أنها ستمثل طوق النجاه الأخير فى ضرورة اللحاق بسفينة التقدم العالمية، خصوصاً وأن مشاكل وصعوبات الدولة الدينية ستختفى تماماً إذا ما تم بناء دول عربية على أسس حديثة، يكون لعنصر الكفاءة والخبرة والعدل أساس تولى أى منصب فيها...والدول المدنية الجديدة ستحافظ على منظومة حقوق الإنسان وتحقيق تداول سلمى للسلطة وحرية تكوين الأحزاب السياسية، والحفاظ على الهوية الوسطية وتحقيق دولة المواطنة، والتى يكون الحكم فيها للقانون. واسأله عن تقييمه لمدى نجاح الثورات العربية فى تحقيق أهدافها فيجيب قائلا: أعتقد بأن دول ثورات الربيع العربى ستكون قادرة على تحقيق العديد من أهدافها، خصوصاً تلك المتعلقة بالحريات العامة والحقوق والمشاركة فى الحكم وإيجاد مجتمع مدنى قوى فاعل فى المستقبل، والقضاء على الاستبداد، وتحقيق تداول سلمى للسلطة. على الرغم من العديد من المشاكل التى تواجهها الثورات العربية حاليا وفى المستقبل، وستكون هناك محاولات لإجهاض الثورات ولكن قوة الفعل السياسى الشعبى هى القادرة على إنجاح هذه الثورات..ويؤكد د. العزباوى أنه لا يوجد بديل فى دول ثورات الربيع العربى أى خيارات أخرى سوى الديمقراطية لتحقيق أولا طموح الشعوب العربية فى مستقبل أفضل، وثانيا لاسيتعاب هذه الجماهير فى المشاركة السياسية فى الحكم من خلال الانضمام للأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدنى..وفى الأخير يقول الباحث والكاتب اللبنانى قاسم قصير: إن الثورات العربية لم تكن مؤامرة أمريكية أو صناعة خارجية بل هي رد فعل طبيعي على الظلم والقهر الذي كان يواجهه الإنسان العربي طيلة الخمسين سنة الماضية لكن الظروف والتطورات الداخلية والخارجية لم تساعد في انطلاقة هذه الثورات رغم أنه خلال السنوات الماضية حصل العديد من التحركات الشعبية ضد الحكام الظالمين لكنها لم تحقق نتائج عملية..وأما حاليا فبفضل التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال الحديثة ووصول الأمور إلى مستوى من القهر والظلم لم يعد بالإمكان تحمله وكل ذلك ساهم في انطلاقة الثورات الشعبية والتي حققت نتائج مهمة حتى الآن ولكنها لم تنجز كل المهمات المطلوبة منها بإقامة أنظمة ديمقراطية ومدنية إضافة لمهمة التنمية ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ووضع أسس جديدة للعلاقات الخارجية وكيفية مواجهة الصراع العربي- الإسرائيلي، إذن نحن مازلنا في بداية الطريق وأمام الثورات العربية الكثير من المهام والتحديات لكن المارد العربي الشعبي وخصوصا جيل الشباب انطلق ولن يعود إلى الوراء وأمامه مهمات كبيرة ثقافيا وسياسيا ومدنيا واجتماعيا واقتصاديا، فالحكام العرب، دمروا الإنسان والمجتمع العربي ووضعوا العالم العربي في مرتبة متأخرة من النظام العالمي وكل ذلك يقتضي استمرار النضال السلمي والشبابي وهذا ما نلاحظه في العديد من الدول التي شهدت ثورات شعبية...كما أن بعض هذه الثورات لم تنجح في تحقيق أهدافها المباشرة من خلال إسقاط الأنظمة أو الحكام أو تغييرها كما هو الأمر في سوريا والبحرين ولذا المطلوب متابعة النضال والابتعاد عن العمل العسكري لأنه لن يحقق أي هدف كما أن المطلوب العمل لإقامة الأحزاب السياسية وطرح مشاريع التغيير الواضحة وخصوصا على الأصعدة التنموية والاقتصادية والاستفادة من التجارب العربية والإسلامية والعالمية في وضع نظام اقتصادي جديد ومواجهة الفساد المستشري والبحث عن إقامة نظام تعليمي جديد يستوعب الطاقات ويعزز روح الإبداع والابتكار، هذه بعض مهام الثورات العربية التي ينبغي أن تستمر وتتحول إلى ممارسة سياسية حضارية وإنسانية لرفض الظلم والطغيان من أية جهة كانت.