زمان كانت »معدة المصريين تهضم الزلط«.. أما الآن فلم تعد قادرة علي ذلك.. لأنه خلال الفترة التي ظهرت فيها تلك المقولة كانت التجاوزات والمخالفات مجرد اكتشاف »زلطة« في الأرز.. أو رأس مسمار في رغيف العيش.. أو بيع السلعة علي أنها درجة أولي بينما هي درجة خامسة.. لكن الأمر اختلف كثيرا في الوقت الراهن.. مافيا إنتاج وبيع المواد الغذائية تضيف إلي الشوائب السابقة ملوثات تقتحم الغذاء وتلتحم مكوناته..وهي غياب الصلاحية التي تؤكد لنا ما اذا كان الغذاء سليما أم لا وبالتالي أصبحت المعدة مرهقة وموبوءة.. وباتت الصحة موجوعة! أما الرقابة فمن يتخيل ان 05 ألف مصنع للمواد الغذائية علي مستوي الجمهورية لا يراقبها إلا 021 مفتشا فقط؟! ومن يتصور ان نتائج عينات المنتجات المشكوك فيها لا تخرج من المعامل إلا بعد طرح »البضاعة« بالأسواق واستقرارها في بطون الناس؟! والأخطر من هذا وذاك ان العقوبة هزيلة ولا تردع المخالفين.. فهي من ألف إلي عشرة آلاف جنيه والحبس سنة أو إحدي هاتين العقوبتين.. ولأنها توقع علي المدير المسئول فإن حافز تكرار المخالفة يكون متاحا لصاحب المصنع المخالف! في البداية يوضح د. محمد فضيل خبير التغذية بالمعهد القومي للتغذية أن تاريخ الصلاحية هو المؤشر المهم لسلامة الغذاء وتعريف تاريخ الصلاحية للمنتجات الغذائية بأنها هي الفترة التي تظل فيها المواد الحافظة صالحة للاستخدام، مشيرا إلي أن أي سلعة غذائية مصنعة لابد وأن يتم إضافة بعض المواد الكيميائية إليها لتجعل السلعة قادرة علي الاحتفاظ بخواصها الأساسية وبانتهاء هذه الفترة تفسد السلعة وتصبح غير صالحة للاستخدام.. وقال ان هناك سلعا لا يتم اكتشاف فسادها أو انتهاء صلاحيتها بالرائحة أو الشكل أو اللون بل وتجدها أيضا تحتفظ بنفس الطعم إلا ان انتهاء فترة الصلاحية يهدد بتغير خواص المواد الحافظة نظرا لأنها مواد كيميائية حيث تتفاعل مع بعضها بما يسبب أضرارا علي المدي البعيد كما انها تعد سببا رئيسيا في الإصابة بالسرطان.. وهناك منتجات أخري إذا تم تناولها بعد انتهاء الصلاحية تفقد قيمتها الغذائية وتصبح بلا أي فائدة وتتسبب في أمراض الكبد الذي يمتص المواد الحافظة الموجودة بها والتي قد تتحول إلي سموم بعد انتهاء صلاحيتها. وتابع د. فضيل حديثه: تحديد فترة الصلاحية لكل منتج تتم وفقا لطبيعة المادة الحافظة كما انه مهما تطورإعداد المواد الحافظة فهناك منتجات لها فترات صلاحية لا يمكن تجاوزها وأهمها منتجات الألبان . وتحديد معايير تاريخ الصلاحية لكل منتج كما يقول الكيميائي سامي علي خبير تحاليلبأحد المعامل الخاصة ان صلاحية المنتجات الغذائية أو الأدوية أو المشروبات تحدده المواصفات القياسية العالمية.. إلا ان هناك مواصفات خاصة بكل دولة ولكن علي أن يتم مراعاة الاشتراطات الصحية فيها وهي مبنية علي قواعد علمية ودراسات دقيقة تقوم بها مراكز أبحاث متخصصة وتعتمد علي عدة عوامل أهمها دراسة الثبوتية لخواص المنتج وفاعليته، وهي دراسة تتم للكشف عن مدي صلاحية المنتج للاستخدام بعد انتهاء فترة الصلاحية المقررة.. فمثلا إذا كان هناك منتج معين ولنقل أنه حليب مبستر فإن فترة صلاحيته هي 6 أشهر إذا كان معبأ في عبوات كرتون، وذلك مقارنة بحفظه في عبوات من نوعية أخري لأن المادة التي يتم تعبئة السلعة فيها تؤثر بشكل كبير علي مدة صلاحية المنتج فقد يكون صالحا لمدة 6 أشهر في كرتون ولكن هناك بعض أنواع العبوات البلاستيكية التي تتفاعل بعد مرور ثلاثة أشهر فقط مع المنتج نفسه فتجعله غير صالح خلال فترة أقل من المقررة والمكتوبة علي العبوة .. وقال انه يتحكم أيضا في الصلاحية طرق التعقيم والمناخ ووسائل الشحن والنقل وأشار إلي أنه من الطبيعي ان تؤخذ كل هذه العوامل في الاعتبار . المهمة الصعبة المهندس معتصم عرابي مساعد رئيس مصلحة الرقابة الصناعية يقول انه يتم الرقابة علي التصنيع من المنبع بمعني أنه هناك حملات لمتابعة خطوط الإنتاج في المصانع للتأكد من مطابقة السلعة للمواصفات إلي جانب الالتزام بتاريخ الصلاحية المحدد لكل سلعة وفقا لم يحدده الخبراء.. وقال ان كل مرحلة تمر بها السلعة يجب ان يكون عليهارقابة.. فالأمر ليس مقصورا علي تاريخ الصلاحية فقط علما بأن المصلحة هي الجهة الرقابية الوحيدة المسئولة عن رقابة تصنيع المنتجات ولكن يوجد أكثر من 05 ألف مصنع علي مستوي الجمهورية لإنتاج السلع الغذائية وفي المقابل لا يتجاوز أعداد المفتشين 021 فردا وهو ما يجعل من الرقابة علي التصنيع مهمة صعبة للغاية لأن الامكانيات ضعيفة..وقال ان المصلحة ليست منوطة بالرقابة علي السلعة بعد طرحها في الأسواق فهذا دور مصلحة التموين بالأساس، وأشار إلي أن هذا الدور تفتت بعد دمج التموين مع التضامن ليتحمل بذلك قطاع التجارة الداخلية مسئولية التفتيش علي الأسواق. وتقول المهندسة أفكار محمد رئيس وحدة الرقابة الغذائية بالمصلحة ان الألبان واللحوم من أكثر المنتجات التي تشهد حالات تلاعب في تاريخ الصلاحية وتشهد أيضا حالات ضبط للغش في المواصفات وعن عمل المفتشين تشير إلي ان المفتش يذهب إلي المصنع وإذا وجد أن هناك مخالفة في مواصفات السلعة ومن ضمنها تاريخ الصلاحية فإنه يحرر محضرا ويأخذ عينة ويتم إرسالها إلي معامل وزارة الصحة.. ولكن نظرا للضغط الشديد علي المعامل فإننا نتسلم النتيجة بعد شهرين كحد أدني ويكون وقتها تم طرح السلعة في السوق والناس أكلتها! وتضيف المهندسة أفكار ان هناك اختلافات في المواصفات القياسية للمنتجات بين مصر وأوروبا.. ولكن الاختلاف في حد ذاته ليس ضارا، فعلي سبيل المثال إذا تم تصدير كميات من اللانشون للخارج فيجب ألا تقل نسبة اللحوم فيها عن 05٪ بينما تقل عن ذلك عند طرح اللانشون في مصر حيث تتراوح نسبة اللحوم بين 01 و03٪ والباقي توابل.. وتطالب المهندسة أفكار بضرورة ان يكون هناك عقوبات رادعة للمصانع المخالفة موضحة ان المصانع في الخارج تدفع تعويضات كبيرة في حالات مخالفة الصلاحية وأيضا تقوم بتعويض المستهلكين الذين تضرروا بمبالغ مالية كبيرة وهو السلاح الذي نفتقده في مصر نظرا لأن عقوبةالمصنع المخالف يتحملها مديرالإنتاج وتكون الحبس سنة أو دفع غرامة تتراوح ما بين ألف جنيه و01 آلاف جنيه. وحول التفتيش علي الأسواق يؤكد اللواء علي أبوشادي رئيس قطاع التجارة الداخلية ان الحملات لا تتوقف والتي تتم بالتنسيق مع مباحث التموين والمحافظات.. وذلك في جميع الأسواق علي مستوي الجمهورية وقال ان هناك خطة دورية للتفتيش الاستباقي علي الأسواق وتحليل عينات من المعروض إلي جانب الحملات الموسمية التي يتم فيها إجراء رقابة مكثفة.. وأكد أبوشادي علي أهمية تكثيف الحملات ولكنه قال في الوقت نفسه ان مصادر توريد السلع الغذائية تتسع بشكل كبير مما يجعل الناس تري أن الرقابة لازالت غير كافية. إنتاج عشوائي ومن النقطة السابقة يؤكد د. حسين منصور رئيس وحدة سلامة الغذاء بوزارة التجارة والصناعة ان السبيل الوحيد لإحكام الرقابة علي الصناعات الغذائية هو إنشاء جهاز مستقل لسلامة الغذاء لأنه سوف يكون هناك وقتها جهة واحدة لديها من الصلاحيات والآليات التي تساعد علي القضاء علي الصناعات العشوائية.. خاصة وأن التلاعب في صلاحية المنتجات يمثل خطرا أكبر في المصانع العشوائية التي تنتج بعيدا عن أعين الرقابة.. وقال ان هذه المصانع التي انتشرت بدرجة كبيرة يتطلب السيطرة عليها وجود جهاز له صلاحيات رقابية قوية وأيضا عقوبات رادعة لأن منتجاتها والتي نطلق عليها »بير السلم« لا يتم اكتشافها إلا إذا تم الإبلاغ عنها وبالطبع لا يمثل ذلك وسيلة لمكافحة هذه الظاهرة التي تهدد بتدمير صناعات عديدة علما بأنه تم اكتشاف عدد من تلك المصانع التي تقوم بتقليد علامات تجارية لمنتجات شهيرة وتقوم بطرحها في الأسواق وهي غير مطابقة لأي مواصفات مما يعني أن الضحية أصبح المستهلك وأيضا كبار المصنعين الملتزمين. الأمر الأن أصبح يقتضي الاسراع باستصدار قرار إنشاء جهاز مستقل لسلامة الغذاء علي أن تمثل فيه وزارات الزراعة والصحة والتجارة بمعاملهم ويتبع مجلس الوزراء منعا للاختلاف والتضارب بين الوزراء.