تابعت مثل كثيرين غيري ماقاله الأستاذ هيكل وما قيل أيضاً عن لقاءه مع بعض قيادات الإخوان، وكالعادة ثارت حول اللقاء تساؤلات وتعليقات فرضت نفسها بحكم قيمة الرجل ومفاجأة الحدث وتوقيته. وماعساه يكون وراءه من مرام وأهداف. دار هذا بخلدي بينما ألتقي مع بداية عام دراسي بالزملاء من الأساتذة وأعضاء هيئة التدريس والمعيدين والطلاب، ولأنه لقاء إجتماعي غير أكاديمي، فقد توالت الأسئلة والتعليقات لتلقي صدي مع بعض مما كنت أديره صامتاً مع نفسي. كان واضحاً من الحوارات أن مانشر في الجرائد وما أثير في الفضائيات عن لقاء الأستاذ مع د. محمد علي بشر ود. عمرو دراج قد ألقي ظلالاً ورتب تصورات لدي البعض أخذت الموضوع إلي دوائر أبسط مايقال عنها أنها مغرقة في إفتراضات وتخريجات تبعد بالأمر عن تلقائيته وبساطته وتدخل بها إلي تصورات وصل الشطط بها أن الأستاذ هيكل ربما أراد أن يقدم "قبلة الحياة" للتنظيم الدولي للإخوان، بإشراك "إخوان الداخل" معه في حوار مباشر بعدما أعلنت الإدارة المصرية أن الحوار مع الإخوان قد وصل إلي طريق مسدود، وهاهو هيكل، وهو من هو، يستقبل بعضهم في مكتبه ليستمع ويحاور ويقولوا ويصحح كما أعلن بنفسه مع لميس الحديدي، ورغم تصريحه"أن الحوار الآن مع الإخوان بلافائدة"، إلا أنه حقق لهم هدفاً غالياً طالما سعوا للحصول عليه، ومعهمالإدارة الأمريكية التي لاتزال تصر علي إدماج الإخوان في العملية السياسية، والمطلب نفسه علي لائحة الإتحاد الأوروبي ودوله الناشطة للضغط علي الإدارة المصرية في هذا الإتجاه، وأن قصاري ماصرح به الأستاذ هو إرجاء الحوار من الوقت الراهن إلي قادم الأيام، وبما يعني أنه لم يغلق الباب كلية وإنما تركه "موارباً" يمكن للإخوان الولوج منه في وقت آخر، مما يقلق كثير من القوي الوطنية والجماهير التي تري نجاح خارطة المستقبل لايتحقق إلا بتجاوز الإخوان بكل تنظيماتهم وتشكيلاتهم التي تمارس الإرهاب وتستنزف طاقة الأمة وتجهد الجيش والشرطة في مدن وقري مصر وحواضرها، كما في تخومها وحدودها. وصحيح أيضاً ان الأستاذ صرح بأن " الدلائل أثبتت أن الإخوان لايعرفون شيئاً عن العالم ولا عن إدارة الأوطان ورهانهم الرئيسي بلبلة الدستور" وأنه رفض توصيف د. محمد علي بشر لما حدث بالإنقلاب، وقال له "إن الشرعية حاجة مختلفة عن وضع اليد"، ورغم وضوح منطق الأستاذ، إلا أن كثيرين ممن حاوروني كانت قناعتهم أن هيكل أعطي للإخوان أو صورة أفضل من واقعهم ومظلوميتهم المتوهمة التي طالما سعي لفرضها التنظيم الدولي للإخوان من خلال قنوات إتصالهم الأوروبية والأمريكية وحتي الإقليمية ذ قطر وتركيا مثالاً- وما كان أغنانا وأغني الأستاذ عن هذه المقابلة التي عمد الإخوان للنشر عنها والغمز بأن هيكل هو من سعي للقاء ربما لأغراض لايعلمونها، وأضافوا إلي ذلك في تعليقات بعضهم - غير بشر ودراج- للميديا ترهات سابقة اعتقدوها وروجوها عن الأستاذ هيكل، كان هو ومحبوه وعارفوه قدره في غني عنها. بعض المتربصين، والأمر لايخلوا لديهم من غرض، أضافوا أن كثيرين من الكتاب والصحفيين ناشدوا الأستاذ هيكل بعقد مؤتمر صحفي يتكلم فيه عن جريمة حرق مقره في "برقاش" وسرقة وثائق وتدمير موقع تاريخي شهد أحداثاً مصرية وعالمية شكلت جزءاً من ذاكرة الوطن، وارتبطت بجمال عبدالناصر والسادات وسياسيين وكتاب ومفكرين عالميين من زمن القضايا الكبري والشخصيات التاريخية، أضحت معه فيلا وضيعة برقاش ضميراً وطنياً لايخص هيكل كفرد وإنما يخص وطن بأبطاله وأيامه وقضاياه، كما يخص هيكل نفسه الذي تحول من فرد إلي فكرة ومن شخص إلي مؤسسة، ومن كاتب إلي شاهد علي تحولات العصر والتاريخ والسياسة. لكن هيكل رفض في رقة وتواضع أن يدول برقاش أو يعريها في لحظة ضعفها وإنكسارها وانحسار الألق عنها، لكنه عاد ليعلن في بساطة أن د. بشر أكد له أن الأخوان ليسوا مسئولين عن حريق الفيلا، وتناسي ماكتبه قبل ذلك لواحد من مستميتي الدفاع عن الإخوان وتوابعهم - فهمي هويدي- الذي حاول إلصاق التهمة ببعض آحاد الناس باعتبارهم فاعلين للجريمة وتناسي هويدي عمداً كعادته، أن هناك محرضين وضعوا إسم هيكل في صدر المطلوبين من الكتاب والصحفيين والإعلاميين ممن صنفوهم في خانة أعداء الإخوان والمحرضين علي 30 يونيو، ورد عليه هيكل ضمن رسالة نشرتها جريدة الشروق: " يبدو أن شيطاناً قد عبث ببرقاش وحرض علي تدميرها".إذن هيكل يعلم في قرارة نفسه أن المحرضين غير الفاعلين، وأن للأمر ارتباط شرطي بقائمة "الأعداء" المعلنة، ورغمها أعلن براءة الإخوان ومنتسبيهم من فعلة برقاش وجريمتها، وإن كان ألمح دون أن يصرح!! قال قائل لقد صرح الأستاذ أنه ليس وسيطاً بين أحد وسلطة أوآخرين، ولا هذا دوره الذي يقبله لنفسه والذي نرتضيه له، فلماذا دعي ممثلا الإخوان لزيارته والحوار معه، وإذا كان سيادته طرفاً في حوار مع الجميع داخل وخارج مصر ذالأمر الذي يشرفنا جميعاً- فلماذا قبل طلبهما للنشر عن هذا اللقاء الذي لولاه لكان واحداً من اللقاءات المعتادة بين الأستاذ وزائريه ممن يشرفون بالجلوس إليه ويتعلمون من أفكاره وخبراته ؟! علي المستوي الشخصي، فانا أصدق كل ماصرح به الأستاذ، ولكن هذا لايمنع تحفظات الآخرين وتساؤلاتهم مما يستوجب رد الأستاذ نفسه، حتي لايسمح لأحد برفع سبابته معلناً أن ماقام به هيكل يندرج في خانة أخري تغادرها البراءة وتأتي في لزوم مالا يلزم.