تحول يوم "الجمعة الذي كنا نعتبره يوم عيد الي " رعب وسجن إجباري" .. فلم نعد نستمتع بالسير والتنزه في نهاره .. واصبحنا نبيت ليله من السابعة مساء كالفراخ. منذ طفولتي ويوم "الجمعة" يوم مميز في حياتي ..فهو يوم الالتقاء الاسري .. والتطهير من الذنوب في الصلاة التي تجمع كل الجيران والاقارب ..وكان والدي "رحمة الله عليه" يصطحبني وشقيقي وشقيقتي في رحلات اسبوعية نزور فيها الحدائق والمتاحف والاهرامات .. واحيانا نذهب الي الاقارب ..او ندعوهم علي مائدة "الغداء".. وفي السنوات الماضية كانت فرصتنا الوحيدة لجمع شمل "العائلة" ..وتنظم "نزهة " او الذهاب للنادي او شراء احتياجات الاسرة اوعلي الاقل دخول سينما او مسرح او الجلوس علي احدي "الكافيهات ".. لم تكن "القاهرة" في طفولتي وشبابي بهذا الصخب والتكدس والفوضي ..و مسيرات "الرعب الاخواني "شبه اليومية .. وكان يحكمنا دائما ان الجار اولي "بالشفعة" ..وان النبي وصانا بسابع جار حتي لو لم يكن مسلما .. لقد كانت "قاهرة المعز " مدينة "الخضرة" والجمال .. فالاشجار تظلل شوارعها حتي الضيقة .. والسير علي ضفاف نهر النيل والجلوس علي كراسيه الرخام مع كيس من "الترمس ووجبة من السميط و"الدقة "نزهة الطبقة المتوسطة . لقد ارتبط يوم "الجمعة" في حياتنا بالكثير من الاحداث .. حتي عندما بدأت طريقي في عالم الصحافة كان يوم الجمعة .. في هذا اليوم منذ ما يزيد علي 30 عاما التقيت مع الكاتب الكبير وصاحب دار اخبار اليوم "مصطفي بك امين" رحمة الله عليه .. انتابتني حالة من "الرهبة" وانا اصعد السلالم الرخامية التي تم استيرادها من ايطاليا عند بناء مبني اخبار اليوم "البيضوي "في شارع الصحافة . في العاشرة والنصف صباحا كانت مقابلتي مع "مصطفي بيه" الذي وقف ليصافح كل واحد فينا بيده ..كان الاجتماع يضم زملاءنا الذين سبقوني في "لست وحدك " غادة زين العابدين وصفاء نوار وكريمة مدبولي وعصام السباعي وعلاء عبد الهادي ..والدكتورة انجي "طالبة الطب" التي تركتنا بعد اشهر قليلة بالاضافة لي والزميل شريف خفاجي .. تذكرت انني شاهدت هذا المكتب بخشبه البني الاثري في فيلم " يوم من عمري " لعبد الحليم حافظ وعبد السلام النابلسي و زبيدة ثروت وابتسمت وانا اتذكر محمود المليجي وهو يقول للنابلسي : "يا انت تبطل تصوير يا انا ابطل صحافة" ويرد النابلسي : انا مش هبطل صحافة ..وقد حزنت حزنا شديدا عليه عندما باعه احد رؤساء مجالس الادارات منذ 7 او 8 سنوات لباعة "الروبابكيا" بدعوي التجديد والتطوير! قضينا حوالي الساعة والنصف يعرض الزملاء رحلتهم في قاع المدينة والقري والنجوع ناقلين مآسي ومعاناة الفقراء ..وما يقترحونه لمساعدتهم .. وتعلمت اول درس في الصحافة وهو ان تكون جملي "تلغرافية" وقصيرة وبدون تكرار للكلمات عندما قال لنا الاستاذ مصطفي امين انه كان يقول لطلاب الصحافة بكلية الاداب انهم يكتبون تلغرافا ..وكل كلمة يتم حذفها ولا تخل بالمعني توفر قرشا فكم سيوفرون اذا حذفوا كل الكلمات التي لاحاجة له .. كما علمني درسا في "الحياة" عندما قال الحكمة المشهورة انه يجب علينا اعطاء الانسان "سنارة" ليصطاد وليس "سمكة" ليأكلها .. وبعد الساعة والنصف تقريبا استأذن الشباب لصلاة "الجمعة" ..وعدنا لننهل حتي الواحدة والنصف من الافكار والخبرات الحياتية والصحفية للعملاق مصطفي امين. يوم "الجمعة "من الايام المهمة في حياتنا كمصريين ولا اعلم لماذا حتي الان تصر "الجماعة" وانصارها علي افساده علينا بالاستمرار في المسيرات والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية ؟ .. كما لا افهم لماذا هذا الصمت المريب من حكومة الببلاوي والرئيس المؤقت علي تطبيق قانون الطوارئ بمنع المسيرات والمظاهرات الاستفزازية او الاسراع بقانون تنظيم التظاهر .. فحظر التجوال خنقنا .. والتعنت في تطبيقه يعطل مهنتنا ويضرب توزيع الصحف في مقتل.