نبىل زكى خسروا الرئاسة والشارع.. وخسروا الحاضر والمستقبل وخسروا كل الرهانات.. والآن يرفضون الرحيل في صمت والاحتضار في هدوء.. الجمعة: يزداد اقتناعي، كل يوم، بأن هناك من يحترفون مهنة إجهاض الثورات وتحويلها عن مسارها بعد ان أصبحوا يدمنون إعادة عقارب الساعة إلي الوراء بحيث نرتد إلي نقطة الصفر أو المربع الأول. هؤلاء يحرضون علي تجاهل ذلك المشهد الاسطوري، الذي استمر في تألق ثوري وموقف حضاري وطوفان بشري لكي يعلن للعالم ان مصر تستعيد روحها وتؤكد هويتها. ولم يدرك هؤلاء الذين ينسبون انفسهم إلي جماعة »المثقفين« أو »النخبة« ان المصريين قاموا بثورة غير مسبوقة في الثلاثين من يونيو.. ثورة أصيلة عميقة الجذور وشاملة، وانهم يعرفون تماما ما يريدون، ولا يحتاجون إلي »شراح« و »مفسرين« نتعلم منهم كيف »نحتضن« من يشهرون السلاح في وجوهنا ويقتلون جنودنا وشبابنا كل يوم.. وكيف نتشبث بالتصالح مع من لا يتوقفون عن تكفيرنا وكيف نحرص كل الحرص علي »عدم إقصاء« من يحرضون علي أعمال العنف وارتكاب جرائم القتل والاعتداء علي مخالفيهم في الرأي والتمثيل بالجثث وقطع الأصابع بعد الآذان واستباحة دماء من يخالفونهم في الدين أو المذهب، ورعاية وحماية تنظيم »القاعدة« وحلفائه من الارهابيين الاخرين الذين اتاح لهم الجماعة الحاكمة السابقة كل الفرص للعربدة في سيناء. هؤلاء »الحكماء« من خبراء إجهاض الثورات، لا يهدأون بل يواصلون في نشاط محموم الالحاح علي ضرورة »إدماج« الجماعة الارهابية في الصف الوطني رغم ان قيادات تلك الجماعة لا تتنازل وتصغي إليهم، لانها تكرس كل جهودها لاستدعاء التدخل الاجنبي ضد شعبنا وجيشنا، ورغم ان تاريخها كله يشهد بارتكابها سلسلة من التفجيرات والاغتيالات وكل اعمال العنف. وباسم الليبرالية الزائفة، يطالب »الحكماء« باستحضار اشباح من الماضي استطاع هذا الشعب العظيم ان يكشف القناع عنها، ويطيح بها خلال فترة زمنية قياسية. وباسم هذه »الليبرالية« وهي ليست ليبرالية في حقيقة الامر يريدون إعادتنا إلي الوراء لكي نجد انفسنا في نفس الدوامة السابقة مع قيادات لا تعرف معني الوطن والوطنية، وكل ما تسعي إليه الآن هو إعاقة المسيرة الوطنية والشعبية وتعطيل العودة إلي الحياة الطبيعية عن طريق فرض الأمن وسيادة القانون تمهيدا لاحياء النشاط الاقتصادي وإعادة السياحة والاستثمارات وفتح المصانع المغلقة ومكافحة الفقر والبطالة، ورفع قيمة الجنية المصري، والنهوض بالصناعة والزراعة، وتطوير التعليم والبحث العلمي، واتخاذ اجراءات عاجلة لوقف تدهور مستوي معيشة المواطنين وضبط الاسعار وتصفية اوكار الفساد. ولكي يهدأ هؤلاء »الليبراليون« ويخفت حماسهم قليلا، علينا تذكيرهم بتصريح المتحدث الرسمي لحزب ديني الذي اكد فيه ان التجربة الليبرالية »تتصادم مع شرع الله«، واعلان الشيخ محمد الظواهري شقيق زعيم تنظيم »القاعدة« ان الديمقراطية ضد كل الاديان!! ويكفي ان يتذكر هؤلاء »الليبراليون« ما اعلنه مفتي جماعة الاخوان الدكتور عبد الرحمن البر عضو مكتب الارشاد بانه »لا يجوز تهنئة الاقباط باعيادهم، مثل عيد القيامة، لانه يخالف عقيدة المسلمين«. هؤلاء »الليبراليون« يريدون لنا ان نعود إلي أيام الجدل العقيم حول ما يعتبره الارهابيون والتكفيريون.. أولوياتهم، مثل : زواج القاصرات فتاوي تحريم دق الشماسي أو زيارة الشواطئ يوم شم النسيم، وفتاوي تحريم أكل الفسيخ والرنجة.. »!« وما اذا كان يمكن ممارسة »جماع الوداع« ورضاعة الكبير.. وما اذا كان يصح ان تجلس الفتاة أو السيدة علي كرسي مما يقود إلي الفاحشة »!!« وما اذا كانت التماثيل والموسيقي حلال أم حرام.. وهل يصح ان تتعلم الفتاة وان تعمل المرأة؟ ثم مشكلة الاختلاط بين الجنسين.. الخ وقضايا اخري حسمها المصريون منذ القرن التاسع عشر.. ولكن كل هذه الامور هدفها إبعاد انظارنا عن القضايا الكبري والحيوية التي تتصل بالتقدم، مثل تلك التي سلف ذكرها. والسؤال الذي حان وقت طرحه هو: هل يحق ان يتمتع بالديمقراطية من يريد الاجهاز عليها؟ في المجتمعات الديمقراطية الليبرالية لا يسمح لأي حزب ذي اتجاه فاشي أو نازي أو عنصري بالانخراط في الحياة السياسية. فهل يحق لنا ان نسمح لاحزاب تتاجر بالدين لكي تستغل المناخ الديمقراطي لتمزيق الوحدة الوطنية والنسيج الواحد والحريات والمجتمع المدني وتنتهك حقوق الانسان وتعتقل الثوار وتطلق سراح الارهابيين.. لكي ينتهي بها الامر إلي اقامة دولة بوليسية ارهابية تصادر كل الحريات وتقيم حمامات الدم لمنتقديها ومعارضيها؟ نهاية الخضوع للابتزاز السبت: لا تستحق ممارسات جماعة الاخوان والفترة التي تولوا خلالها الحكم أي نوع من البكائيات. كيف ينظر قادة الجماعة إلي الملايين التي ثارت علي طغيانهم؟ هل هذه الملايين لا تساوي شيئا في نظرهم؟ ألم يكن من المحتم منع إعادة بناء نظام الاستبداد والحيلولة دون الانهيار الكامل للدولة؟ لقد لفظتهم الغالبية الساحقة من الشعب، لانهم دخلاء علي ثورة 25 يناير، ولعبوا دور رأس الحربة للانشطة المعادية لتلك الثورة. انهم كيان ضد السياسة وضد العقل وضد الوطنية المصرية والتراث الحضاري المصري. وامام شهوة السلطة، فقد الاخوان القدرة علي القراءة الصحيحة واضاعوا البوصلة وعزلوا انفسهم. هكذا أقصت الجماعة نفسها بنفسها. خسرت الحاضر والمستقبل، وخسرت الرئاسة والشارع، وخسرت كل الرهانات. فشلت خطتهم من أجل التمكين والاخونة، وكانوا يريدون من ورائها امتلاك ادوات تزوير اي انتخابات أو استفتاءات قادمة وقطع الطريق علي أي تداول سلمي للسلطة في المستقبل. أتذكر الآن تصريحات المرشد العام السابق للجماعة مهدي عاكف الذي صرح لجريدة كويتية في ابريل الماضي، بان محمد مرسي باق في منصبه »رغم انف الجميع« ، وان مشروع »النهضة« الاخواني سيوضع موضع التنفيذ »بعد أخونة الدولة«! الآن.. سقط مشروع إخواني عمره 85 سنة لابتزاز المجتمع باسم الدين، واصبحت الجماعة ومعها مرسي جزءا من الماضي وفي ذمة التاريخ. فقد وضعت ثورة 30 يونيو خاتمة لمسار كارثي كان يدفع البلاد إلي الهاوية. خسر الاخوان كل شيء في نفس البلد الذي شهد مولدهم.. وتأكد للجميع ان الاخوان اختراع سياسي بعيد عن طبيعة مسلمي مصر والمنطقة، وانه يخدم اجندات غير مصرية. كانوا يتعجلون الامساك بكل تلابيب الدولة دون اكتراث لاي رد فعل وعبر عملية اغتصاب علنية ووقحة. وها هو الشيخ نبيل نعيم، مؤسس التنظيم الجهادي بمصر سابقا، يعلن ان التنظيم الدولي لجماعة الاخوان مخترق من اجهزة المخابرات الدولية. إلي متي يخضع المصريون للابتزاز؟ قال قادة الاخوان في السابق: اذا لم ينجح محمد مرسي في انتخابات الرئاسة.. سنحرق مصر!! والآن يقولون انه اذا لم يتقرر إعادة مرسي إلي كرسي الحكم سوف نواجهكم ب »جيش مصر الحر«.. و.. نحرق مصر!! هكذا.. لم يعد الاخوان قادرين علي فهم ما جري لهم. الآن.. اصبح الاخوان أشبه بديناصور عجوز متهالك يرفض الرحيل في صمت. وبدلا من ان يحتضر في هدوء.. يسوق ابناءه إلي ساحات المشاغبة والمواجهة حتي تكتمل حلقات الانتحار السياسي وسط الكراهية المتزايدة من جانب المصريين لاعمال العنف التي يرتكبونها.