الخلاف بيننا وبين اثيوبيا ليس وليد اليوم.. فعمر "الشد والجذب" بيننا يقترب من الستين عاما . اثناء العدوان الثلاثي علي مصر كان أول اعلان لاثيوبيا باحتفاظها بحقها في استغلال موارد نهر النيل لمصلحة شعبها!.. كما ابدت اثيوبيا اعتراضا شديدا علي بناء السد العالي وابلغت الحكومة المصرية ان لها حقوقا مكتسبة في المياه التي يحتجزها.. وفي نهاية الخمسينيات اعلنت اعتزامها اقامة 29 مشروعا للري وتوليد الكهرباء وحالت الحرب الاهلية تنفيذ ذلك.. وفي بداية الستينيات اتفقت اثيوبيا مع الامريكان علي اجراء دراسات لموارد النيل الازرق بدعوي انها لاتستفيد الا ب 600مليون متر مكعب من ال 72 مليار متر التي تسهم بها بحيرة "تانا".. وانتهت دراسات الامريكان الي امكانية اقامة 4 سدود لتخزين 51 مليار متر مكعب من المياه.. وفي نهاية السبعينات وبعد اعلان الرئيس السادات مد مياه النيل الي سيناء اشاع الاثيوبيون اننا سوف نمد اسرائيل بمياه النيل.. فما كان من "السادات" الا ان قال للنظام العسكري الحاكم لاثيوبيا: "ان الماء هو السبب الوحيد الذي يمكن ان يدفع مصر للحرب مرة اخري".. ولان ريمه دائما تعود لعادتها القديمة ففي الثمانينيات قامت اثيوبيا بتسريب الاخبار الكاذبة والحديث عن اقامة السدود. رغم ان اثيوبيا وقعت معنا اتفاقا في بداية التسعينات بعدم قيام اي من الدولتين بعمل اي نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضررا بمصالح الدولة الاخري.. وضرورة التعاون لاقامة مشروعات تزيد من حجم تدفق المياه الا انها استمرت في اثارة الازمات والمشاكل.. وكان آخرها بتفجير قنبلة "سد النهضة" بمواصفات لا يمكن الموافقة عليها لانها تفقدنا نسبة لا يستهان بها من ايراد النهر.. خاصة ان مواردنا المائية محدودة. فكل ما نملكه من المياه سنويا هو حصتنا الثابتة من النيل و قدرها 55.5 مليار متر مكعب.. وحوالي مليار من الامطار.. و4.8 مليار مياها جوفية.. و11.7 مليار من اعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصناعي والصحي.. وهو يكفينا بالكاد.. فنحن نستخدم حوالي 61 ملياراً في الزراعة و8 مليارات في الصناعة و4.5 مليار للشرب والاستخدام المنزلي ولا نجد مياه لزيادة المساحة المزروعة. رغم تخوفي واعتراضي الشديد علي سد النهضة.. ففي رأيي اننا اذا فشلنا في وقف الازمة فعلينا تحقيق اكبر استفادة منها بالدخول في مشروعات مشتركة فنهر النيل كما قال "ونستون تشرشل " رئيس وزراء بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية اشبه بشجرة نخيل طويلة.. جذورها في هضبة البحيرات.. وساقها في السودان.. وفروعها وثمارها في مصر.. واذا انفصلت الساق عن الجذور ماتت الساق والفروع عطشا.. واذا فصلت الجذور عن الساق والفروع لما وجدت الجذور فرصتها في التعبير عن نفسها!