سعر الذهب اليوم الخميس23-10-2025.. عيار 21 يسجل 5600 جنيه للجرام    محافظ الجيزة يتفقد مشروعات جهاز تشغيل الشباب ويؤكد مراعاة النسق الحضارى    لماذا عاقبت أوروبا أستاذ الاقتصاد الروسى نيكيتا أنيسيموف ؟ اعرف الحكاية    بول سكولز يصعّد هجومه ضد محمد صلاح بعد أزمة ليفربول    الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 68280    انطلاق معسكر الحكام ببورسعيد استعدادا لكأس الرابطة    محافظ بني سويف يتفقد أعمال المرحلة الثانية بنادي سيتي كلوب ويشيد بالمنشآت.. صور    لاعبو الاهلي يتضامنون مع طفل يستعد لعملية زرع نخاع.. صور    غلق كلي لمحور 26 يوليو أمام جامعة مصر الجمعة بسبب أعمال المونوريل    100 عام من معارك التنوير    مدير مركز بروكسل للبحوث للحياة اليوم: إسرائيل الخاسر الأكبر من نجاح القمة المصرية الأوروبية    القاهرة الإخبارية: واشنطن مصمّمة على ضمان تنفيذ وقف إطلاق النار فى غزة    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    انطلاق حملة توعوية لدعم الصحة النفسية بين طلاب المعاهد الأزهرية فى سوهاج    إضافة المواليد إلى بطاقات التموين ل 5 فئات.. تعرف عليها    الرقابة المالية تلزم الشركات والجهات العاملة في الأنشطة المالية غير المصرفية بتعزيز بنيتها التكنولوجية والأمن السيبراني لديها    الزمالك يتقدم بشكوى ضد أسامة حسني للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    25 فرقة مصرية وأجنبية تشارك في اليوبيل الفضي لمهرجان الإسماعيلية    محافظ الإسكندرية يتفقد اصطفاف معدات مجابهة الأزمات استعدادًا لموسم الشتاء    وكيل تعليم بالغربية: تعزيز التفاعل الإيجابي داخل الفصول مع الطلاب    انفجار داخل مصنع وسط روسيا يسقط 10 قتلى    افتتاح «كنوز الفراعنة» في روما أبرز المعارض الأثرية المصرية في أوروبا    حنان مطاوع تكشف شعورها بعد ترشح فيلمها «هابي بيرث داي» ل الأوسكار    «إكسترا نيوز»: ما يدخل غزة لا يزال نقطة في محيط الاحتياج الإنساني| فيديو    حكم نهائي.. استبعاد هيثم الحريري من انتخابات مجلس النواب بسبب موقفه التجنيدي    تمارين مثبتة علميا تساعد على زيادة طول الأطفال وتحفيز نموهم    معجنات الجبن والخضار.. وصفة مثالية لوجبة خفيفة تجمع بين الطعم وسهولة التحضير    وزارة التضامن تحدد آخر موعد للتقديم في حج الجمعيات الأهلية 2026    الأنبا إبرهام: الوحدة المسيحية تحتاج إلى تواضع وحوار ومحبة حقيقية    أندية وادي دجلة تحصل على التصنيف الفضي في تقييم الاتحاد المصري للتنس    التشكيل الرسمي لمنتخب مصر للسيدات أمام غانا في تصفيات أمم إفريقيا    محافظ كفر الشيخ: تسهيلات غير مسبوقة للجادين وإزالة معوقات التقنين لتسهيل الإجراءات    رسمياً.. الاتحاد يشكو حكم مباراته ضد الأهلي    باعتراف صحيفة صهيونية..جيش الاحتلال فشل فى تحرير الأسرى بالقوة العسكرية    النفط يقفز 3% بعد العقوبات الأمريكية على شركات نفط روسيا    نادي الصحفيين يستضيف مائدة مستديرة إعلامية حول بطولة كأس العرب 2025    حكم الشرع في خص الوالد أحد أولاده بالهبة دون إخوته    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    الداعية مصطفى حسنى لطلاب جامعة القاهرة: التعرف على الدين رحلة لا تنتهى    رفع 3209 حالة اشغال متنوعة وغلق وتشميع 8 مقاهي مخالفة بالمريوطية    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    نقابة السجون الفرنسية تندد بوجود ضباط مسلحين لحراسة ساركوزي داخل السجن    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    الجيش الثالث الميداني يفتتح مزار النقطة الحصينة بعيون موسى بعد انتهاء أعمال تطويره    مستشار رئيس الجمهورية ومحافظ أسوان يشيدان بمستوى التجهيزات التعليمية والخدمات المقدمة للطلاب    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    تموين قنا يضبط محطة وقود تصرفت فى 11 ألف لتر بنزين للبيع فى السوق السوداء    كنت بقلد فيلم أجنبي.. طفل المنشار بالإسماعيلية: أبويا لما شاف المنظر تحت السرير بلغ الشرطة    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
مقاومة العدم


»امبارح راح فين؟«
انه أول تساؤل طرحته علي نفسي، أول استفسار تردد في أفق وعيي البكر، الحركة في المكان تعني البدء من جهة والانتهاء في جهة، قيام ثم وصول، هل يمكن ذلك في الزمن؟. لا أقصد المدة التي تستغرقها الحركة، ولكنني أعني الوصول إلي لحظة منقضية، مولية. إذا يممت وجهي شطر جهة معينة، نقطة ما، وقطعت مسافة ما. بسرعة ما، هل يمكنني الوصول إلي لحظة منقضية جمعتني بمن أحب، أو عرفت فيها ما يسرني. شغلني الزمن الذي لا يمكن تفسيره أو إدراكه، كنا أسرة متضامة، متقاربة، يكدح والدي الذي قدم من الجنوب في رحلة عاتية فصلت بعضا منها في »كتاب التجليات« ليوفر لنا التعليم الذي حرمته الظروف منه، والأمن والحياة الكريمة، وكنت إذ أصغي إلي آيات كريمة.
أفكر في يوم القيامة عندما نحشر أجمعين، لا يؤلمني عذاب الحشر بقدر ما يوجعني تخيل لحظة نفترق فيها، ينشغل كل منا بنفسه فلا يستدل علي أبيه، ولا أمه ولا بنيه.
»امبارح راح فين؟«
الأحد، الإثنين..
اليوم الثلاثاء، أين ذهبت الايام المولية؟ أين اختفت ليلة الأمس، بل أين اللحظة التي كانت حاضرا منذ لحظة وأين لحظة اللحظة، لا شيء يثبت، لا شيء يبقي، ديمومة لا قبل لنا بها. لاراد ولا مانع، لا نبطئها ولا نسرعها الا بقدر المتوهم فينا من خلال أحوالنا النفسية، مع التقدم في العمر، مع ادراك ما لم أدركه، مع الاطلاع علي فلسفات وعلوم حديثة، مع انشغالي بعلوم الفلك والكون، مع نفاد الرصيد من تلك الساعات والثواني، تعقد التساؤل، اتخذ وجهات شتي، لكن الجوهر مازال.
اللحظة
ما يحيرني، يقضني، تلك اللحظة.
من أين، وإلي أين؟ لماذا لا تثبت؟ لماذا تأتي وتولي بمجرد ادراكها؟ هل تمر بنا أم نحن نمر بها؟ هل توجد بمعزل عنا؟ أم انها جزء منا ونحن جزء منها، أهي لحظة كونية شاملة في عمومها، أم لكل مدار لحظته، أم لكل انسان لحظته، زمن الانسان الفرد، هل يبدأ عند ولادته وينتهي عند تمامه؟ أم العكس، ينتهي عند مجيئه إلي الديار ويبدأ عند اندماجه في المطلق، اللانهائي؟
تساؤلات شتي، بلا حد، أعرف الآن استحالة الاجابة، لكن أحيانا يكون السؤال نوعا من طرح المعرفة أو الاشارة إلي مواضعها وجوهرها، ألا تبدو الاسئلة التي طرحها أبو حيان التوحيدي أكثر إحاطة من اجابات الفيلسوف مسكويه، والتي وصلت إلينا في كتاب »الهوامل والشوامل«.
انشغالي باللحظة التي تبيد باستمرار، دفعني إلي الاطلاع علي ما دون في لحظات منقضية، سواء كان نصا شفهيا صاغه عابر مجهول يوما، أو كتابة علي الجدران، تحاول ايجاد البديل الرمزي الموضوعي لسائر الموجودات، لكم أمضيت ساعات طوال امام جدران هرم اوناس الداخلية، وهرم تي، الحروف المصرية القديمة ما تزال غائرة، أقدم نصوص خطها بشر، الكتابة هنا ليس مجرد نقش أو ترميز، انما فعل له قوة الحياة، ماذا كان يعني بالنسبة لمن خطه يوما، وماذا يعني بالنسبة لمن فك ألغازه بعد ان توارت المعاني دهورا متتالية، وماذا يعني بالنسبة للسائحين العابرين بسرعة؟، ربما يكون النص الذي وصل إلينا بقايا بناء أو عمارة متكاملة فآخر ما يتبقي من الانسان البناء، ألم يصرخ الشاعر العربي يوما: ليت الفتي حجر، لكن الحجر سواء كان مفردا أو منظومة بناء يفني أيضا، الكوكب الذي يدور بنا وندور به سيتلاشي يوما، الشمس، المجرة، لا شيء يبقي، لكن الرغبة في البحث مصدرها محاولة الاتساق مع الكون، توقفت عند النصوص المكتوبة شعرا أو نثرا، الحوليات التي تسجل وقائع ما جري في مكان معين وزمان معين والتي دونها المؤرخون، اولئك يصوغون الظاهر، والمبدعون يلتقطون الجوهر، ليس النص المكتوب فقط، انما المصدر أيضا، اتواصل احيانا مع اقنعة الفيوم الجنائزية، ربما اكثر مما أواصل مع أحياء أعرفهم وألتقي بهم يوميا، يفصلني عن الحيذ العيون أكثر من ألفي سنة،لكن حزنها الشفيف المنحدر إلينا من الفن المصري القديم، حيث النظرات تتجه إلي نقطة غير محددة، إلي ما لا يمكن ادراكه أو تعيينه أو رصده، انه نظرة الموجود إلي اللاموجود، إلي الخفي. تلك اللحظة المولية مما يحفظ إلي حين، بعض مضمونها الابداع الانساني، انه الجهد الوحيد المقاوم للعدم، لما يطوينا باستمرار، وقديما قال شاعر عربي، لا أقدر علي الايام فأحكيها.
الكتابة
عندما بدأت الكتابة، بالتحديد عام تسعة وخمسين من القرن الماضي، شغلني أمر، أن أضيف جديدا يختلف عما اقرأه، ثمة انماط عن السرد مستقرة، متعارف عليها، بل ان النقد النظري أو التطبيقي المتاح يكرس اشكالا مسبقة، سواء في القصة القصيرة أو الرواية، وحتي هذه الفترة كانت الانظار تتجه غربا، فالقصة القصيرة اما تشيخوفية أو موباسنية أو همنماوية، أما الرواية فمنذ ان كتب علي باشا مبارك رواية علم الدين، ومنذ ان كتب محمد حسين هيكل »زينب«، أصبح أساس الرواية الحديثة مكرسا علي نمط الرواية كما عرفت في القرن التاسع عشر في الآداب الانجليزية والفرنسية ومن خلالهما الروسية، لأسباب تاريخية وثقافية وقع انفصال بين طرائق السرد القديمة والكتابة الحديثة في مستهل القرن الماضي، لم يتعامل الادباء مع ألف ليلة وليلة بجدية، اعتبرت عملا خارجا عن الأدب، ليس لانها كانت تقرأ في البيوت سرا باعتبارها عملا محرما، وانما لنظرة الادباء إليها، وحتي الآن اكاد أوقن أن كثيرين لا يتعاملون مع هذا النص، أو غيره من نصوص كانت شفاهية ثم دونت في القرن التاسع عشر مع ظهور المطبعة تعاملا جديا، الاسباب عديدة، منها فكرة محورها ان هذا أدب شعبي، أقل من حيث المستوي من الأدب النثري الفصيح، المستقر، ومنها عدم وجود نسب لتلك النصوص، وللانسان في التراث العربي شأن عظيم، ولان ألف ليلة وليلة، وملحمة الظاهر بيبرس، وملمحة عنترة، والهلالية. وسيف بن ذي يزن، وغير ذلك من نصوص صاغتها الرؤية الابداعية الجماعية، لا تستند إلي اسم محدد، لكاتب معين مثل الجاحظ أو التوحيدي علي سبيل المثال، ورغم الدراسات العلمية حول ألف ليلة وليلة خلال النصف قرن الاخير الا أن هذه الرؤية التي استشعرها عند كثيرين لم تتغير كثيرا.
انقطعت الصلة بأشكال السرد القديمة والاساليب، وأصبح الكثيرون ينظرون إلي المقامة بسخرية، ورغم ايماني بلا جدوي منطق »لو« في التاريخ الا أنني لا استطيع أن أمنع نفسي من التساؤل، ماذا لو أن تطور القصة القصيرة علي سبيل المثال انطلق من المقامة، الامر كان سيؤدي؟، لا أدري طبعا، ولكن ثمة عملا جميلا أعتبره بمثابة جسر بين المقامة والشكل السردي الحديث المتأثر بالرواية الاوروبية، اعني »حديث عيسي بن هشام« للمويلحي، ولكن لم يتم أحد ما بدأه، لقد كرست أعمال هيكل، والحكيم ونجيب محفوظ الانقطاع التام عن اشكال السرد القديمة، واتخذت من اشكال الرواية الغربية منطلقا لرواية عربية حديثة. واستقر الامر علي ذلك ه.ذا ما وجدت الحال عليه عندما بدأت الكتابة وعمري اربعة عشر عاما، وبعد قراءة بدأت في الخامسة من عمري، قراءة تلقائية، لعب فيها المكان الذي نشأت فيه، أعني القاهرة القديمة، ومركزها الروحي جامع الازهر، دورا هاما، اذ كنت اقرأ ما تعرضه المكتبات المحيطة بالازهر، الأدب العربي القديم والأدب الاجنبي المترجم في نفس الوقت.
أساليب مهجورة
خلال ترحالي عبر النصوص القديمة، تمهلت أمام اساليب سرد غير مطروقة، مهجورة، لم يعد احد يستخدمها كمرجعية، وأخص منها بالذكر.
أساليب السرد في حوليات التاريخ، خاصة حوليات المؤرخين المصريين بدءا من العصر الفاطمي، وصولا إلي العصر العثماني، مرورا بالعصر المملوكي الذي اكتملت فيه البلاغة المصرية الخاصة. يمكن القول ان مصر في هذا العصر استوعبت اللغة العربية التي جاءت مع العرب عام 640 ميلادية ومنحتها شخصيتها القوية الخاصة، نجد هذا بوضوح في سرد المقريزي، وابن تغري بردي، والسخاوي، وابن اياس الذي توقفت عنده طويلا، وفي السرد الصوفي للنفري، وابن الصباغ، والشعراني، يمكن القول أن ثمة بلاغة مصرية خاصة اكتملت في العصر المملوكي، واكبها اكتمال الشخصية المصرية في العمارة والفنون المختلفة. بالنسبة للسرد، توقفت طويلا عند ايقاعه وشكله، فمن ناحية الايقاع عند ابن اياس مثلا نجده أقرب إلي لغة الشارع، العامية المصرية والمحملة بتأثيرات مصرية لغوية قديمة، أما الاطار فمستمد من العربية الفصحي، هذه البلاغة الخاصة لم تحظ بدراسة متعمقة بعد، وكثيرا ما سمعت عبارة »عصر الانحطاط اللغوي« والمقصود به هذه الاساليب السردية، أو البلاغة المصرية، عامية الايقاع، فصحي الاطار، وباحساسي وجدت ان هذه الاساليب السردية تتيح لي قدرا من الحرية، يمكنني من التعبير، أفضل بكثير من أساليب السرد المستقرة في الانتاج الأدبي المتاح وقتئذ، في الخمسينات والستينات، لقد أعدت اكتشاف نص هام تعلقت به، أقصد بدائع الزهور في وقائع الدهور، للمؤرخ المصري محمد أحمد بن اياس الحنفي المصري، بدأت علاقتي به اوائل الستينات، ثم اعدت اكتشافه عقب هزيمة يونيو سبعة وستين، اذ عاش حقبة مماثلة، وهزيمة كان لها أثر بعيد المدي في تاريخنا، مثل هزيمة سبعة وستين، عندما انكسر الجيش المملوكي المصري في مرج دابق، شمال حلب، امام الجيش العثماني وتحولت مصر من دولة مستقلة يتبعها الشام والحجاز إلي ولاية تابعة للامبراطورية العثمانية. من هذا النص الفريد ومن خلال نصوص اخري مواتية، جاءت أول محاولة شعرت أنني أحقق فيها صوتي الخاص، أعني قصة »هواية أهل الوري لبعض ما جري في المقشرة«، لم تكن مماهاة اسلوب السرد العتيق مجرد اعادة صلة باساليب مهجورة فقط، انما كانت طريقة لمراوغة الرقابة الرسمية المفروضة وقتئذ، لقد نشرت القصة في جريدة »المساء« لأول مرة في اغسطس عام سبعة وستين واجازها الرقيب باعتبارها مخطوطة عتيقة.
اذا كانت صلتي بطرائق السرد القديمةالخاصة بالحوليات تعد الخطوة الاولي في اكتشاف الامكانيات اللغوية التي يمكن ان تحقق لي قدرا أكبر من حرية التعبير، فان اكتشافي لخصائص السرد الناتج عن التجربة الصوفية يعد الخطوة التالية.
في أساليب السرد العربية وجهان، أو طريقان، ما يمكن اعتباره ظاهرا وباطنا، فالظاهر تمثله البلاغة الرسمية، المستقرة، ذات القواعد المحددة والاطر الصارمة، أما الباطن فهو اساليب السرد غير التقليدية التي لجأ إليها الصوفية ليعبروا عن تجاربهم الروحية التي لم تكن اطر البلاغة التقليدية تتسع لها، وقد لخص النفري الامر كله في عبارته البليغة »كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة«، لقد بذل كل صوفي جهدا هائلا للتعبير عن مغامرته الروحية، وأوجد كل منهم اساليبه، وقاموسه الخاص، بدءا من الحلاج والجنيد وحتي الشعراني مرورا بابن عربي، والجيلي يمكنني القول أن المغامرة السردية في النصوص الصوفية اكثر تنوعا وثراء، لكن هذه التجربة الروحية لم تدرس حتي الآن باعتبارها جزءا أساسيا من الأدب العربي، ولن تكتمل دراسة الأدب العربي إلا بدراسة أساليب السرد الصوفية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الأدب العربي.
إن اهتمامي بالمغامرة اللغوية، وإثراء طرائق السرد الحديثة لا يتوقف عند حد معين، وقد انتبهت مؤخرا إلي العناصر الكامنة في العامية المصرية والمنحدرة من المصرية القديمة، ولذلك أحاول التعرف علي النصوص القديمة الآن مباشرة من الخط الهيلوغريفي القديم، وليس من خلال اللغات الأجنبية التي ترجمت إليها هذه النصوص ونقلت إلي العربية منها.
فيما بعد، اكتشفت أن قلقي المستمر من أجل الوصول إلي شكل يحقق خصوصية خاصة بما أكتبه ليس أمراً مقصوراً عليَّ فقط. لقد كانت هناك جهود أخري تتم في أماكن أخري، هكذا تعرفت في نهاية السبعينات علي تجربة إميل حبيب عندما وصلت إلينا روايته »الوقائع الغريبة في حكاية سعيد ابي النحس المتشائل«. وكذلك »حدث أبوهريرة قال« لمحمود المسعدي التي نشرت لأول مرة عام أربعة وسبعين، وأتيح لي أن أقرأها في منتصف الثمانينات«. ما أود التأكيد عليه أن محاولتي تحقيق الخصوصية، جاءت نتيجة رغبتي في التفرد، في تقديم ما لم أعرف مثله، من خلال استيعاب ما سبقني وتجاوزه، ومن أجل تحقيق مساحة أكبر من حرية التعبير من خلال أساليب سردية تتصل مباشرة بوجداني وميراثي.
ما أود التأكيد عليه، انني أقدم إلي مغامرة إبداعية من خلال ظروف خاصة لا تسعي إلي تقديم نمط أو تأسيس نموذج يمكن للآخرين أن يحتذوا به، فهذا ضد ما أتصوره من ضرورة لتجاوز ما سبق بعد استيعابه، واستيعاب جميع ثمار التجارب الإنسانية أيضا. استيعابها وليس تقليدها، فالتقليد منبوذ عني، مضاد لجوهر الإبداع، وقد اجتهدت قدر استطاعتي، وطبقا لظروفي، لعلي أكون قد حققت بعضا مما رغبت.
من ديوان الشعر العربي
قال صالح بن عبدالقدوس:
المرءُ يجمع والزمان يفرقُ
ويظل يرفع والخطوبُ تمزّقُ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.