ربما لا يعرف الكثيرون أن العلوم السياسية بها مدارس مختلفة ليبرالية وقومية ويسارية وكلها مدارس غربية في حين نشأت في مصر منذ 40 عاما مدرسة تخصصت في العلوم السياسية من مرجعية اسلامية لأن الاسلام ليس عبادات فقط وإنما اهتم بالسياسة والاقتصاد والاجتماع، ورغم ان كلية الاقتصاد والعلوم السياسية كلية مدنية حديثة لكنها تضم مركز ابحاث لجميع الاتجاهات، من أبرز أعمدة مجال السياسة من مرجعية اسلامية الدكتورة نادية مصطفي استاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة التي حصلت علي جائزة جمعية علماء الاجتماع المسلمين ورأست قسم العلوم السياسية بالكلية حتي بلغت سن التقاعد ، وأسست مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بالكلية من 2002 الي 2007 باسم برنامج حوار الحضارات وأدارته حتي عام 2011 كما أدارت مركز البحوث والدراسات السياسية بالكلية . أما المجال الذي تخصصت فيه فهو: كيف ننظر للعلاقات الدولية من منظور حضاري اسلامي ؟ ولهذا بدأت حواري معها بنفس السؤال؟ لدينا في العلوم السياسية مدارس ليبرالية ويسارية وقومية في مجال التعامل مع الظاهرة السياسية أو تدريسها من حيث النظريات والمناهج ودائما البعد الاسلامي يؤخذ علي انه خاص بالفكر الاسلامي فقط وكنا ندرسه لمدة 40 عاما بالكلية وإن كنت شرفت بحصولي علي جائزة علماء الاجتماع المسلمين من انجلترا وتقدير المعهد العالمي للفكر الاسلامي فأنا لست الوحيدة في هذه المدرسة ولكني فرع فيها. ولكن الفكرة الشائعة لدينا أن الاسلام يهتم بالفقه والعبادات اكثر من اهتمامه بالسياسة والاقتصاد والاجتماع ؟ دائما كان الاسلام يرتبط بالدراسات الشرعية التي تدرس بالأزهر أو بكلية دار العلوم ولكن في كلية مدنية حديثة فكان دائما الاعتقاد بأن الموضوعات المتصلة بالاسلام بعيدة عنها من الناحية البحثية والعلمية ولكن الدكتور حامد ربيع أسس مدرسة مفادها أن الاسلام يمكن أن من خلال هذه المرجعية في فهم الظاهرة السياسية وعلي نحو ربما يفيدنا اكثر علي اعتبار ان هذا تراثنا وهذه بيئتنا الحضارية . الحلقة المفقودة إذن انتم تستفيدون من النظريات الغربية ثم تعودون للتراث بحثا عما يتناسب مع ثقافتنا العربية؟ دائما نشعر ان هناك حلقة مفقودة وعدم وجود بصمتنا عليه.. السياسة إذا اقترنت بالاسلام فهي ليست مجال حركي أو تنظيمي فقط مع احترامنا لجميع التيارات إلا أننا نؤكد حقيقة ان الاسلام والمرجعية المرتبطة بمصادره أصولا وتراثا فكريا وفقهيا وفلسفيا وممارسات تاريخية ومؤسسات وخبرات هو أساس مهم يمكن من خلاله تقديم نظريات جديد للعلوم السياسية . موسوعة العلاقات الدولية وما قصة موسوعة العلاقات الدولية في الاسلام ؟ مركز الحضارة الذي تأسس منذ 15 عاما برعاية المعهد العالي للفكر الاسلامي ومقره واشنطن وهو الذي رعي مشروع العلاقات الدولية في الاسلام وهو موسوعة من 12 جزءا من هذه واستغرقنا 10 سنوات لانجازها وارتبط معهد الفكر الاسلامي بمدرسة اسلامية المعرفة وتعرفنا علي فكرهم فوجدناه متطابقا معنا فقدموا لنا الدعم المعنوي والمادي الذي مكننا من فتح مقر وتشكيل فريق علمي وعقد ندوات وبدأنا العمل في هذا المجال عام 1986 وانشأنا المركز عام 1995. الاسلام الشامل وما مفهوم الاسلام الشامل من وجهة نظرك؟ لا يتصور البعض مفهوم الاسلام الشامل.. فهناك امور متصلة بالاقتصاد وبالمجتمع وبالسياسة وبالقانون وبالأسرة أما الاحكام والاسس والخبرات فإما اننا لا نعرفها أو نقول أنها تنتمي لفترة تاريخية فخرجت أجيال منقطعة الصلة عن تراثها وتاريخها الحضاري وانجازاته وسلبياته وتصور البعض أن حديثنا عن علاقة الاسلام بالسياسة هو حديث تاريخي أو كأنه مثاليات غير صالحة للتطبيق في حين أن القرآن في نظرهم مصدر للعقيدة وللعبادات لابد أن نقدسه ونحترمه ولكن المهم كيف تقرأ مصادرك؟ وهل نجحتم في اقناع الطلبة بمفهومكم ونظرياتكم الحديثة؟ خلاصة المسيرة هي عمل علمي يحاول أن يؤكد حقيقة مفادها أن المدارس العلمية متنوعة المرجعيات وانه بالامكان تقديم اسهام علمي من مرجعية اسلامية وباجتهاد معاصر وأن هذا تم في مجال العلوم السياسية والاقتصاد والتربية والاجتماع وفي الفلسفة وعلم النفس وهي علوم لها علاقة بالواقع لاننا نبدأ من مشاكل المسلمين وعلاقتها بمشاكل العالم مشاكلنا في الفساد والاستبداد والتجزئة والفقر.. هذه مشاكل أوطاننا وعلاقاتها ببعضها وهنا نتساءل لماذا لم تنجح الحلول المقدمة لنا من الخارج أن تنقذنا لمدة قرنين من الزمان؟ ما الجديد الذي اضافته مدرسة السياسة من منظور اسلامي ؟ العلم النافع هو هدفنا الثاني وجدنا بعد الثورة من يستمع الينا خاصة من ينتمون لمرجعية اسلامية عرف أن لدينا منتجا وحصيلة وخبرة في السياسة من مرجعية اسلامية لم يكن أحد ينظر اليها بجدية . وما تبريرك لفوز الاسلاميين بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية السابقة؟ لعدم وجود بديل قوي آخر ورغبة المصريين المتدينين بطبعهم فأرادوا أن يردوا الاعتبار للاسلاميين بعدما حوصروا وقيدوا ولكن هناك مجموعة عوامل أخري فطوال العامين السابقين ايقنوا أن هناك صعودا اسلاميا الي الحكم سواء في البرلمان أو نحو الرئاسة وأن هذا يجب ألا يستمر فبدأ نوع من المشروع التقليدي الناعم لهذا الصعود للاسلام بتشويهه أوبالهجوم عليه والناس لا تشعر ولكن الآن يحاصر ويتهم ويشوه في إطار من الحرية في نفس الوقت هذه التيارات لم تكن مستعدة بصورة كاملة لتقوم باداء وظائف الدولة كما يتطلع اليها الناس بعد الثورة لأمرين :ضخامة المشاكل وضخامة التوقعات، وفي نفس الوقت الرافد الاسلامي مثل الروافد الأخري التي تتهمه بأنه لا يعرف كيف يدير لأنهم كانوا دائما معارضة مستبعدة. ادارة الدولة وهل نجح الاسلاميون في ادارة الدولة خلال الشهور الماضية؟ عدم الخبرة في إدارة الدولة حسب معايير العصر ليست تهمة تقتصر علي الاسلاميين فقط ولكن علي كل القوي الأخري لأن الناس تصوروا ان مشكلاتهم ستحل فورا بعد الثورة وهذا حقهم ولهذا اقول ان الاسلاميين اتيحت لهم الفرصة ان يشاركوا في الحكم لأول مرة دون قيود، ولكن هناك تيارا آخر يرفض ذلك اما لأسباب معرفية لعدم استخدام الدين في السياسة في حين أن السياسة يمكن ان تدار بمرجعية اسلامية أو يسألون الجانب السلفي كيف كنتم ترفضون السياسة وتقولون إن الديموقراطية حرام ثم تلعبون سياسة وتكونوا أحزابا؟ لأن الاخوان يعملون بالسياسة منذ نشأة جماعتهم ولكن السلفيين لم يعملوا بالسياسة والروافد الجهادية منهم كانوا يستخدمون الطرق العسكرية وهناك فريق يهاجم الاسلاميين من باب المنافسة والكل ينتمي لفريق المعارضة من خلال جبهة الانقاذ هم المرشحون السابقون للرئاسة هل يتوقع احد ان يكونوا هم قادة التغيير؟ وكأن مصر لا يوجد بها سواهم ما يتهمون به التيار الاسلامي ينفذونه من عدم ديموقراطية ومن استئثار القيادات الكبري ذات الشعر الابيض وعدم اعطاء الفرصة للشباب وهو خطأ مشترك بين الجانبين. وماذا لو قبلت قوي المعارضة أن تشارك في لعبة الديموقراطية كما تسمينها؟ لهذه الاسباب السابقة لا أقول إن الاسلاميين يحكمون ولكن اعطيت لهم فرصة أن يحكموا وانا اعتقد اننا كنا سنكون افضل حالا لو أن القوي التي رفضت هذه المشاركة من الاسلاميين لو كانوا قبلوها واديرت معارضة حقيقية قائمة علي التنافس وليس الرفض كان يمكن ان يختلف الامر وندخل في لعبة ديموقراطية بها معارضة وبها فريق يحكم وبالتالي في العامين الماضيين كان لدينا برلمان ذو أغلبية اسلامية لمدة ستة اشهر ولدينا منذ شهور رئيس يحكم بمفرده. ولكن الرئيس حوله طاقم من المستشارين اختارهم من أهل الثقة لا من أهل الخبرة ؟ لا اري ان جميع المستشاريين من الاخوان فبعضهم من غير الاسلاميين ولكن بعضهم ترك منصبه للخلاف علي اداء مؤسسة الرئاسة- دعينا نتكلم بصراحة- من يقولون إن الرئيس مرسي لم يستعن بأحد، من يريدون ان يستعان بهم؟ انهم لا يقبلون أن يكونوا مجرد مستشارين هم كانوا منافسين وهم لا يثقون في الرئيس لانه اخواني ويشككون في قدرته علي الادارة وفي مشروعه الاسلامي.. هناك فرق بين الحركة في إطار لا يستشعر الثقة ويرفضك بصفة عامة وبين العمل كرئيس في اطار طبيعي فيمكنك الاستعانة بمستشارين من كل الاتجاهات انا لا ادافع عن الدكتور مرسي او مؤسسة الرئاسة ولكن احاول الفهم ما كان اسهل عليه ان يأتي بمستشارين متنوعين وهو يعلم انهم يرفضونه جملة وتفصيلا. مناخ الحرية في المناخ الجديد كيف يمكنكم المساعدة في الساحة السياسية؟ نستطيع ان نساعد في تقديرات الموقف وفي تدريب قيادات شبابية في اجراء حوارات ما بين النخب الحزبية المتنوعة وكتابة الدراسات في موضوعات معينة وتقديمها للاحزاب جميعا لأن الرئاسة ذات المرجعية الاسلامية يمكن ان تتفهم ذلك وتحب الاستفادة منه ونحاول خلق مساحة للحوار بين الأحزاب الاسلامية وغير الاسلامية . المشهد السياسي كيف ترين المشهد السياسي الحالي؟ هناك أكثر من محاولة لتحسين الوضع الاقتصادي في هذه المرحلة نحتاج لتحسين العجز في ميزان المدفوعات وتخفيف عبء الدعم عن الحكومة وهذا مطلب ان لم يستطع أي نظام بعد الثورة أن يحققه فلن يستطيع ان يفعل شيئا لان الانظمة السابقة دائما كانوا يخشون من اتخاذ القرارات الخطيرة خوفا من غضبة الشعب عليهم واسقاط نظمهم فارادوا الحفاظ علي الأوضاع الاقتصادية تجنبا للغضب الشعبي ويجب ان نجد سياسة لترشيد ورفع الدعم بأي طريقة ولكن في نفس الوقت لا اعتبر ان الاقتراض من الخارج أوالمساعدات او التسول كما يسمونها كافية وهي ليست الوسيلة الوحيدة لان لدينا مصادر دخل ولكنها في حاجة لابداع الاقتصاديين فنحن بحاجة اكثر لخطاب اكثر انفتاحا من الرئيس علي الناس وعلي المعارضة التي لاتريد ان تتحاور معه الا بشروط لأنه هو الكبير الذي يستطيع أن يلم الشمل -اذا أراد- بالرغم من كل ما يعاني انا لو في مكانه لم أر او اسمع في حياتي عن رئيس أهين مثل الرئيس مرسي ممن يقولون إنهم ديموقراطيون ومدنيون ويدافعون عن حريات التعبير والرأي بالاسفاف لأننا تربينا علي احترام الصغير للكبير لا اريد الثقافة الابوية لا انما اريده ان يقول رأيه ويعترض فهذه من قيمنا الاسلامية الا نسكت علي ظلم حاكم ولكن كيف اما باعلام به برامج سفيهة من ناحية الالفاظ ومن ناحية منظومة القيم التي تبثها او اعلام كاذب ومنافق ومروج للشائعات او اعلام مغرض ومتربص. حكاية الجائزة سؤالنا الأخير عن الجائزة التي حصلت عليها ؟ هي جائزة معنوية وليست مادية وهي جائزة مزدوجة فالمعهد العالمي للفكر الاسلامي يعمل في مصر منذ عام 1984 أي منذ اربعين عاما ومنذ 3 سنوات بدأ في تكريم الرموز التي اجتهدت في هذا المجال مثل خدمة الفكر الاسلامي والتأصيل الاسلامي للعلوم وكان تقدير كبير منهم ان يكرموني مثل الاساتذة الذين تعلمت عليهم كما اخترت في اكتوبر من العام الماضي لتكريمي من جمعية العلماء المسلمين في لندن واعطوني جائزة انجاز الحياة وهي جمعية تضم علماء من اوربا تهتم بالعمل الاجتماعي وافخر اني اول امرأة احصل علي هذه الجائزة التي حصل عليها اسماء علماء عظام. يجب ان نبذل مجهودا كبيرا في ان نفهم الناس ان هناك فارقا بين اللعب بالدين في السياسة وبين ان اللعب بالسياسة في الدين لان النظم المستبدة السابقة كانت توظف الدين كما تريد دون ان يعترض احد وبين مرجعيتي الاسلامية للسياسة فيها دور ووضع.. قد تكون في ممارستهم تصرفات خاطئة ومنها الدعوة للأحزاب من فوق المنابر هذا هو سوء توظيف الدين في السياسة .