انقلب السحر علي الساحر, وامن سحرة فرعون, عذبهم وصلبهم علي جذوع النخل, قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف حتي يعودوا الي عبادة فرعون فما رضخوا, واختاروا الفوز والنجاة في الاخرة علي مكاسب زائلة في الدنيا, وبدل أن يؤمن فرعون بعد أن رأي الآيات المبهرات, اجتمع مع أمرائه وكبراء قومه فحرضوه علي أذية نبي الله موسي عليه السلام وقومه, فزمر فرعون بتشديد العذاب علي بني اسرائيل, حتي قالوا لموسي: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا, وهو يأمرهم بالصبر والاستعانة بالله, ويذكرهم وعد الله باستخلافهم في الأرض, إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. استخف فرعون قومه فأطاعوه, ولم يؤمن بموسي إلا آسيه امرأة فرعون, ورجل واحد منهم, وهو الذي قال الله فيه: وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم.., وكانوا أرادوا قتل موسي فنهاهم عن ذلك, أما فرعون ووزيره هامان وجنودهما وقوم فرعون من أهل مصر فقد أصروا علي كفرهم رغم ما رأوا من الآيات, وشادت ارادة الله أن يمهلهم, فلا يعجل لهم العذاب, حتي يقيم عليهم الحجج, بالترهيب تارة وبالترغيب أخري, فابتلاهم بالسنين, وهي اعوام الجدب, حيث قل الماء, فهلك الزرع والضرع, وقلت ثمار الأرض, فضربهم الجوع, لعلهم يذكرون, فلم ينتفعوا ولم يرتدعوا, بل تمردوا واستمروا علي كفرهم وعنادهم, فاذا جاءتهم الحسنة والخصب ونحوه قالوا لنا هذهأي هذا الذي نستحقه, وهذا الذي يليق بنا وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسي ومن معه, أي يقولون: أصابما هذا بشؤمهم, ولكن قلوبهم منكرة مستكبرة نافرة عن الحق, اذ جاء الشر اسندوه اليه, وإن رأوا خيرا ادعوه لأنفسهم. أصروا علي كفرهم, ووقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بما فما نحن لك بمؤمنين, أي مهما جئتنا به من الآيات وهي الخوارق للعادات فلسنا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نطيعك, ولو جئتنا بكل آية, قال الله تعالي: فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمينوأما الطوفان فهو كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار, وأما الجراد فلم يترك لهم زرعا ولا ثمارا, وأما القمل فعن ابن عباس: هو السوس الذي يخرج من القمح, وأما الضفادع فلازمتهم حتي كانت تسقط في أطعمتهم وأوانيهم, وأما الدم فامتزج بمائهم كله, فلا يستقون من النيل شيئا إلا وجدوه دما, ولا من نهر ولا بئر ولا شيء إلا كان دما في الساعة الراهنة. أصابهم هذا كله, ولم ينل بني اسرائيل من ذلك شيء بالكلية, وذا من تمام المعجزة الباهرة, والحجة القاطعة, أن هذا كله يحصل لهم عن فعل موسي عليه السلام, فكانوا كلما أصابتهم أية يقولون لموسي: ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني اسرائيل, فيدعو ربه فينكشف عنهم ما هم فيه البلاء, ثم ينكصون عن وعودهم, ولا يفون بشيء منها, فيرسل الله الآية التالية, فاذا جهدتهم وأتعبتهم رجوا موسي أن يدعو ربه ويعدونه بالايمان به, وباطلاق سراح بني اسرائيل, فاذا انكشف عنهم العذاب عادوا لما كانوا عليه, وهكذا ربط الله علي قلوبهم, حتي استحقوا العذاب الأليم في الدنيا بالاغراق في البحر, وفي الآخرة عذاب الخزي والهون بما كانوا يكفرون.