استطاع العز بن عبدالسلام( ت660 ه) أن يضع اللبنة الأولي لفكرة المقاصد الشرعية ومراتبها, ثم جاء من بعده الإمام الشاطبي( ت790 ه) الذي تمكن من وضع نظرية المقاصد الشرعية إن صح التعبير عد دراسة كلية لمسائل الدين في العبادات والعادات والمعاملات والجنايات, ثم استخلص منها ما أسماه بالمقاصد الشرعية أو مصالحها, ثم ارتقي بدراستها حتي أبان أصالتها في جميع الشرائع السماوية ومراتبها التصاعدية في الشريعة الإسلامية بما يستوجب إيجازه لبيان الجانب الإنساني في الدين من وجه تربيته المقاصدية للإنسان حتي ينطلق في وضع الأحكام التي يمتثلها بما يوافق مقصود الشرع من منظوره البشري. يقول العز بن عبدالسلام: إن الله تعالي أرسل الرسل وأنزل الكتب لإقامة مصالح الدنيا والآخرة ودفع مفاسدهما. ثم قال: ويعبر عن المصالح والمفاسد بالمحبوب والمكروه, والحسنات والسيئات, والعرف والنكر, والخير والشر, والنفع والضر, والحسن والقبيح, ثم بين أن جلب المصالح ودرء المفاسد أقسام, أحدها: ضروري, والثاني: حاجي, والثالث: تكميلي. ثم أجري تلك الأقسام في الأحكام الأخروية والأحكام الدنيوية. ويقول الشاطبي: اتفقت الأمة بل سائر الملل علي أن الشريعة وضعت للمحافظة علي الضروريات الخمس, وهي: الدين والنفس والنسل والمال والعقل.وعلمها عند الأمة كالضروري, ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين, ولاشهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لاتنحصر في باب واحد. ويترتب علي ذلك أن حفظ تلك الضرورات الخمس يعد من المصالح الشرعية,وأن الإضرار بها يعد من المفاسد الشرعية. والجديد الذي أضافته الدراسة المقاصدية للأحكام هو تكوين نظرية المقاصد الشرعية من تلك الضرورات التي حفظتها الشريعة علي ثلاث درجات مقاصدية وليست تكليفية, وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات, أو ما يطلق عليها اسم المصالح الشرعية, لأن مقصود الشارع هو تحقيق المصالح ودرء المفاسد.. ويترتب علي هذا التقسيم للمصالح: أنه عند تعارض تلك المصالح الثلاث مع التساوي في مرتبة التكليف في الوجوب أو الندب تقدم الضروريات علي الحاجيات, وتقدم الحاجيات علي التحسينيات. فإن الضروريات هي أصل المصالح, والتحسيني يخدم الحاجي, والحاجي يخدم الضروري. { مصلحة الضروري يعرف الشاطبي الضروري بأنه مالا بد منه في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقد لم تجر مصالح الدنيا علي استقامة, بل علي فساد وتهارج وفوت حياة, وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين, وهي تتضمن أصول المفقاصد الخمسة, وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال, وتجري في مسائي العبادات والعادات والمعاملات والجنايات. ففي العبادات كالإيمان, والنطق بالشهادتين, والصلاة, والزكاة, والصيام, والحج, وما أشبه ذلك. وفي العبادات كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات التي لا يستغني عنها أحد, وما أشبه ذلك. وفي المعاملات كالزواج وتحصيل المعايش اللازمة للحياة, وانتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض بالعقد علي الرقاب أو المنافع وما أشبه ذلك. وفي الجنايات كالقصاص والديات وتضمين قيم الأموال, وما أشبه ذلك. وكان العز بن عبدالسلام قد أجري المصالح الضرورية في أمور الآخرة والدنيا. قال: فالضروري الأخروي هو فعل الواجبات وترك المحرمات. والضروري الدنيوي كالمآكل والمشارب والملابس والمناكح. ثم جاء الشاطبي وأجراها في العبادات والعادات والمعاملات والجنايات.