كسب الفريق أول عبد الفتاح السيسي النائب الأول لرئيس الوزراء, القائد العام للقوات المسلحة, وزير الدفاع والانتاج الحربي, رهانه علي الشعب المصري الذي مل من عنف جماعة الإخوان, وقطع عناصرها للطرق واحتلال الميادين بزعم إعادة مرسيهم إلي قصر الاتحادية, وهو الأمر الذي بات في حكم المستحيلات لدي من يعرف ألف باء سياسة وليس لدي دعاة خلط الدين بالسياسة لتحقيق مآرب خاصة, وهو ما يتطلب تكريس التفكير الغيبي والخرافي وبيع الوهم للأهل والعشيرة ومن يعتبرون دفاعهم عن الشرعية التي يمثلها مرسي دفاعا عن الإسلام, مما جعل أحدهم يقول إنهم مستعدون لتقديم مليون شهيد من أجل مرسي دفاعا عن الإسلام,وآخر يقول إنهم مستعدون لتقديم مليون شهيد من أجل عودة الشرعية والأولي به أن يقول من أجل الكرسي, فيما رأي كبيرهم ومرشد الإجرام أن ما قام به الفريق أول السيسي أخطر من هدم الكعبة عند الله حجرا حجرا في اجتراء واضح علي دين الله وتحريف للكلام عن مواضعه لأهداف محض دنيوية. لقد استجاب الشعب عن بكرة أبيه لنداء السيسي, ذلك الرجل الذي قادته المقادير لتتعلق به قلوب ملايين المصريين الراغبين في الخلاص من جحيم الإخوان الذين فشلوا علي مدار عام كامل في تحقيق كل أو بعض أحلام وطموحات المصريين الذين أطاحوا بنظام حسني مبارك وكانوا يتطلعون إلي العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, فإذا بأحلامهم تتبدد علي أيدي الرئيس الإخواني الذي تفرغ للتمكين للأهل والعشيرة ولم يثبت لا قولا أوعملا أنه رئيس لكل المصريين, مما دفعهم للإطاحة به بأسرع مما تصور وخرجوا عليه بالملايين في30 يونيو مرددين عبارة واحدة ارحل وهتفوا بالفم المليان انزل يا سيسي مرسي مش رئيسي وواقع الأمر أن الشعب هو الذي استدعي السيسي قبل أن يستدعيه الأخير يوم الجمعة الماضي, فقد تسبب الأداء البائس لجماعة الإخوان وسعيها لابتلاع مؤسسات الدولة, في خروج المصريين بطريقة عفوية لتحرير توكيلات للفريق السيسي تفوضه في إدارة البلاد وهو الأمر الذي لم يحدث منذ ثورة1919 ويؤكد ذكاء الشعب المصري الفطري وتطلعه إلي زعيم ملهم ينقله من حالة التخبط والفراغ الأمني الذي غرقت فيه البلاد بعد تنحي مبارك في11 فبراير2011, وهو الأمر و لم يسع إليه الرجل ولم يتطلع إليه حتي فوجئ مثله مثل الكثيرين بثورة30 يونيو التي خرجت للمطالبة بعزل مرسي, وفرضت واقعا جديدا وهو ما اضطره إلي الانحياز لإرادة الشعب واتخاذ القرار الصعب بتحقيق آمال وتطلعات الغالبية العظمي من المصريين, وبدلا من أن تسلم الجماعة بالأمر الواقع وتجري محاسبة ذاتية لمعرفة أخطائها راحت تواصل حالة الإنكار وتحتل الميادين وتبث الشائعات والأكاذيب ليل نهار وتمارس لعبة تكفير المخالفين لها في الرأي, وتقع في غواية ممارسة الإرهاب ضد أبناء الشعب في سيناء والعريش وتستبيح قطع الطرق واحتلال الكباري وحتي تحريض الجنود علي التمرد وكلها جرائم يحاسب عليها القانون. ولم يكن من المقبول ولا المعقول أن تصمت الحكومة الجديدة علي هذه الجرائم التي ترتكبها الإخوان ومن شايعها, حيث رفضت التجاوب مع دعوات المصالحة وطي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة لبناء الوطن واستمرأت اللجوء إلي بعض الألعاب الخطرة مثل محاولة اقتحام دار الحرس الجمهوري, والترويج كذبا عن حدوث انقلاب ضد منووبها في قصر الاتحادية واستعداء الخارج علي مصر بل واستدعائه للتدخل في شئونها الداخلية في مسلك ينم عن افتقاد الوطنية ويتعامي عن رؤية الحقائق علي الأرض وتداعيات الاستقواء بالأجنبي مثلما حدث في العراق ومن بعده في ليبيا وسوريا. ومن المؤكد أن الفريق السيسي الذي تراهن عليه جموع الشعب المصري وتتوسم فيه ملامح زعيم وطني يجمع بين وطنية جمال عبد الناصر ودهاء السادات, عندما دعا الشعب المصري للخروج يوم الجمعة الماضي لتفويض الجيش والشرطة في التصدي لإرهاب الإخوان وعنف أفرادهم الموجه إلي المجتمع كان يرمي من هذه الدعوة تحقيق أكثر من هدف أولها: سحب البساط من الجماعة التي تتمسح في شرعية لم تعد موجودة اللهم من الأهل والعشيرة والمغرر بهم من القري والنجوع ممن حولهم قادة الإرهاب في الجماعة إلي دروع بشرية للهروب مؤقتا من المثول أمام العدالة. ثانيهما: بعث رسالة إلي الخارج تؤكد أن الشعب المصري وليس الجيش هو صاحب قرار عزل مرسي الذي فشل في تحقيق ما وعد به وفشل في أن يوحد المصريين ويكون رئيسا لهم جميعا, وبالتالي يفضح مخطط واشنطن ومن لف لفها التي يصعب عليها أن تسمي الأشياء بمسمياتها ربما لسبب بسيط أنها تلقت ضربتين من الشعب المصري عبر الإطاحة بحلفيها خلال فترة وجيزة. ثالثهما: نقل رسالة واضحة إلي المعتصمين وقيادات اعتصامي رابعة ونهضة مصر أن صبر الحكومة قد نفد وأن سياسة المربعات الأمنية المعروفة في لبنان لا ولن يكون لها وجود في مصر وأنه علي الجماعة أن تختار بين الانخراط في المصالحة والعودة إلي أحضان الشعب أو تختار أن تضع نفسها في مواجهة الجميع وتقامر بخسارة كل شيء. رابعهما: أن خروج الجمعة الماضية انطوي علي لفتة غير مسبوقة تمثلت في قرع أجراس الكنائس لأول مرة مع آذان المغرب مما يعني توحد عنصري الأمة خلف قيادة السياسي. والحق أن الشعب المصري لم يتوان عن تلبية دعوة الرجل الذي يحمل جينات القادة المصريين العظام, والذي أثبت قدرته علي قراءة المشهد ولمست كلماته قلوب المصريين أو علي نحو أدق الغالبية العظمي منهم حيث امتلأت ميادين الحرية في مصر عن آخرها بالصائمين وهتفت الحناجر بتفويض السيسي والشرطة بالتعامل مع إرهاب الإخوان, مما يوفر الغطاء للجيش والأمن للتعامل بالحزم المطلوب مع كل خروج علي القانون, إعمالا لهيبة الدولة وتأكيدا لاحتكارها استخدام وسائل العنف, وبالتالي لم يعد أمام الحكومة أي عذر للتعامل مع مظاهر الخروج علي القانون من قطع طرق واحتلال الميادين وتعطيل الحركة علي الكباري. والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا بعد تفويض الجمعة التاريخي وماذا تفعل جماعة الإخوان؟ هل تبادر بالتقاط الفرصة الأخيرة الممثلة في مبادرة حزب النور للتواصل إلي تسوية سياسية تكفل لها الحفاظ علي مستقبل الجماعة وحزبها السياسي أم تواصل سياسة العناد إلي نهايتها, وهو ما قد يقودها إلي الحل والإطاحة بها خارج ملعب السياسة, إن السياسة لها قواعدها وأصولها وثمة فارق بين ما يصلح لإدارة جماعة مكونة من عشرات الآلاف وبين إدارة دولة في حجم مصر, وتقتضي الأمانة والنقد الذاتي أن تسلم الجماعة بفشلها وتملك الشجاعة لإجراء مراجعات جريئة, أما إذا راهنت علي العنف أو التنظيم الدولي لها ودخلت في معركة صفرية مع الجيش المصري فهذا معناه نهايتها واستدعاء لتجربتها مع جمال عبد الناصر, كما يدل علي غبائها وعدم استيعاب تجربة الجزائر التي انتهت بالمصالحة الوطنية التي تبناها الرئيس بوتفليقة, لكن بعد مقتل مئات الألوف وإصابة ملايين الجزائريين في معركة لم ينتصر فيها أحد. وبوسعي أن أقول إن الخيارات تضيق أمام قادة الإخوان, ويتعين عليهم أن ينزلوا إلي أرض الواقع ويهبطوا بسقف طموحاتهم ويقبلون بتفاوض غير مشروط وأن ينسوا تماما عودة مرسي المحبوس حاليا أمام القضاء المصري بتهم بينها التخابر لصالح حركة حماس وكذلك الضلوع في مؤامرة اقتحام السجون إبان ثورة25 يناير وهي قضايا تعني أن مرسي صار من الماضي ولم يعد له دور في مصر المستقبل, وبدون ذلك يتعين أن تهيئ الجماعة نفسها ومعها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية للمراجعة وربما الحل بعدما كفر المصريون بخلط الدين بالسياسة. وتبقي كلمة: لقد فوض المصريون الفريق أول السيسي في مواجهة العنف والإرهاب ولن يطول صبرهم علي غياب الأمن وشيوع البلطجة وكل ما يمس بهيبة الدولة, وكلهم أمل وثقة في قدرة جيشهم الوطني والشرطة في العمل بمنتهي الحكمة والتعقل والحزم والحسم لإعادة الأمن إلي ربوع الوطن حتي ينعم أبناؤه بالاستقرار والاطمئنان وهذا عهدنا دائما بخير أجناد الأرض.