يتشكل التاريخ بعمقه واتساعه وعلاقاته الفاعلة والمتناقضة في الحاضر بمجموعة من المؤثرات المتراكمة التي تتفاعل مع حركة الواقع بما تخلق وتشكل لحظتنا الحاضرة. وهذه الحركة الدينامية الآتية عبر التاريخ والمتراكمة لا تتوقف في الحاضر ولكنها تتشكل معه, وتسير نحو المستقبل لتساهم في تشكيل الواقع الجديد, هذا الواقع الذي سيحمل معه الحاضر بكل تناقضاته وعلائقه الاحتمالية التي استطاعت البقاء والتشبث والصمود والتحدي لعوامل التغير وموازين القوي داخل الحاضر الذي أصبح حضورا سابقا وحضورا محتملا يحمل معه ماهية ما سبق في كلية تفاعله عبر تطوره الزمني الذي يستتر خلفه السلوك الإنساني والنشاط الإنساني, سواء كان هذا النشاط قمعيا متعاليا أو مقاوما ومفارقا لقوي القمع, وتحتي الاتصال. الحضور ليس حضورا أحادي الجانب وإنما حضور كلي يحمل معه كل السمات المؤسسة لفاعليات المجتمع ليس في الجوانب الميتافيزيقية وإنما يشتمل علي فاعليات الاقتصاد والسياسية والاجتماع والعلم. إنه حضور للإنسان بكل ما أصابه من تطور ولحقه من خير أو شر في بنيته الذهنية والفسيولوجية والبيولوجية وبني المجتمع السياسية والاقتصادية والدينية والعلمية والاجتماعية والنفسية التي أصبحت في مجموعها تشكل ماهية القوة التي تفرض سيطرتها علي الإنسان كروح وعقل وكجسد ونفس أ وكحياة ضد الموت وكبقاء ضد الفناء. وتبقي الدعوة إلي التفكير وطلب العلم والمعرفة والدعوة إلي الثورة وإلي تغيير النفس كحركة ضد التقوقع والانغلاق, من أجل التجدد وضد التجمد, ومن أجل الاجتهاد الذي هو القانون الحقيقي للإنسان, ضد التحجر وضد الانحسار والتضييق والكهنوت, فلا أحد يمتلك المطلق و لا أحد يمتلك الكلي مهما ادعت ذلك مؤسسات مذهبية وغير مذهبية, رسمية وغير رسمية, ومهما كان الأمراء والآيات والملالي, والأجناد والسادة والشيوخ والرعية ومهما كانت قوي التشبث وقوي الرجعية فلا وساطة بين العبد وربه ولا كهانة بين السماء والأرض, كما أنه لا وساطة بين النص وملح الأرض فلا احتكار لإبداع الإنسان ولا نصوص قائمة مقام المعابد السرية وإنما النص ملك الجميع والناس أمامه سواسية كأسنان المشط متجدد بديمومة الحياة وباجتهاد الداخلين فيه, لتبقي هذه الدعوة وهذه السواسية أمل الشعب طوال هذا الحضور الكلي. وإذا كان الواقع العربي يأبي كما يري المفكر الأستاذ الدكتور حسن حنفي إلا أن يجعل منطقه الحقيقي في التطور وأداته في التغيير هي الثقافة وظيفة المثقفين وبما تحمله هذه النخبة المثقفة من أبعاد تاريخية وموروثات سلوكية وحياتية فإن هذه النخبة المثقفة في أغلبها تصدرت مشهد منصات الأنظمة الحاكمة و انفصلت في أغلبها عن حاضر شعبها وتشرذمت إلي مجموعات معزولة مغلقة علي ذواتها وارتبطت فقط بمصالحها المادية مع مصالح الأنظمة القائمة والحفاظ عليها وبطرق مباشرة وغير مباشرة سعيا وراء التوازن في حالة شبه الاستقرار سواء عن طريق التعمية وتعمد الغموض والتجهيل والتقوقع داخل جسد الذات والمصالح الآنية وفكرة أن الصفوة هي الوحيدة القادرة علي حمل المسئولية التغييرية, واللجوء إلي التنظير الفكري الذي هو في الواقع شكل تبريري لمواجهة الضعف والنقص في مواجهت تغيير الواقع وكما غني الشيخ إمام لأحمد فؤاد نجم واصفا المثقف: يتمركس بعض الأيام/ يتمسلم بعض الأيام/ ويصاحب كل الحكام( ويمكن الرجوع لكتاب: الثورة الآن للروائي المبدع سعد القرش إصدار سلسلة إبداعات الثورة هيئة قصور الثقافة, مصر والذي بفضج بقوة جلية وواسعة رياء وخداع ونفاق هذه النخبة المثقفةوالوثب السريع من أروقة الحكم المكيفة إلي حرارة الشوارع الثائرة وركوب ثورة الشعب الخالصة) ولاشك أن الذات المصرية الآن هي نتاج التطور التاريخي لهذا الحضور الكلي بما يحمله هذا التطور من العناصر التي تكون البناء النفسي والسلوكي للشخصية المصرية بحيث تعتبر الذات المصرية ببعدها التاريخ العميق إحدي المقومات الجوهرية التي تشكل السلوك الفردي والجماعي في المجتمع المصري, وللشعب المصري بكل فئاته وعناصره وقد تعرض الشعب المصري خلال تاريخه الطويل إلي البطش والقهر الأبديين وصولا إلي التعصير( أن يعصر الإنسان داخل معصرة), لكنه بقي حيا علي امتداد عصوره التاريخية مهما يدعي البعض أنه قد تم صياغته ذاته مع موجات الغزو والاحتلال وتغيرت لغته وديانته ومع سنوات القهر, لقد بقي حيا وقائما علي الرغم من تآمر القوي المتسلطة وتآمر كل الصاعدين من أسفل السلم الاجتماعي والسياسي وتخلوا عن تاريخهم النضالي وغرهم بريق السلطة فوقعوا في إسار النخبة ومارسوا دورهم بوفاء شديد وخنوع في خدمة مصالح السلطة واتباعها بل وزجروا الجماهير والشعب الذي خرجوا منه ومارسوا التعالي عليه واتهامه بالجهل والتخلف وبالتحجر ويتهكمون عليهم بالنكات ثم يزيفون إرادة الشعب ويجلسون علي المنصات كممثلين له ويأخذهم التصفيق والهتاف ثم يخرجون منتشيين وكأن الأمر لا يعنيهم. وهذا الحضور الكلي بهذ المعني الموضوعي وخبرة التاريخ المتمثلة في بقي حيا لم تدركه عناصر الإسلام السياسي في العالم العربي وأصبحت للجماعة الإسلامية السيادة المطلقة كما تدعي وبالتالي أصبحت من وجهة نظرها أعظم من الفرد ومن الوطن وحقها يفوق حقوق الأفراد ويسمو عليها وأصبح علي الفرد ان ينخضع تماما لإرادتها طبقا لنسق ديني حددته الجماعة بطريقة فوقية وحدها وبفاعليتها وبمظاهرها المنفصلة عن تطورالجضور الكلي للمجتمع وبالتالي تتشكل السلطة العليا للحكم والمؤسسات كافة من الأشخاص والعناصر الذين ينطبق عليهم هذا الانخضاع والذي يحتم عليهم معاونتها في أداء أهدافها طبقا لهذا النسق الديني والذي تختفي وراءه المصالح الرأسمالية البحتة للطبقة العليا للجماعة دون أن يكون هناك فرصة حقيقة للمراجعة التي يفترضها تطور الكون والحضور, وعلي اعتباران هذا التطور والحضور مؤثما شرعا كما تدعي, وبالتالي تنشيء ارستقراطية من أهل الثقة وأهل الانخضاع وهم الرعية بغض النظرعن الكفاءة والخبرة والتي تشارك القائم علي أمور الجماعة أيا كان مايطلق عليه إماما أو مرشدا أو أية أو شيخا أو مرجعا في تدبير أمور الجماعة أو الدولة إن وصلوا لكرسي الحكم نافية في ذلك الآخرين وانطلاقا من ان الله ليزغ بالسلطان مالا يزغ بالقرآن ليصير السلطان أيا كان مسماه الآني وازع حاكم يرجعون إليه حتي يستقيم الرعية فإذا كان هذا الحاكم/ المرجع يشكل ويمثل سلطة الإله/ النص المقدس فإنه يصير المالك للحركة والحضور الآني والمستقبل وللرعية والمفسر الوحيد للنص ولا رؤية غير رؤيته ولا سياسية غير سياسته عضو اتحاد كتاب مصر وعضو آتيليه القاعرة للفنانين والكتاب رابط دائم :