المناورات الدائرة بين أهل السياسة والحكم في العراق حول تشكيل الحكومة الجديدة تبدو بلا نهاية. أبناء العراق عجزوا بعد شهرين من الانتخابات عن تشكيل تحالف قادر علي حكم البلاد ناهيك عن عجزهم عن الاتفاق علي شخص رئيس الوزش مع كتل منافسة لكنه غير مستعد لقبول رءوس هذه الكتل في موقع رئيس الوزراء. الضغائن الشخصية تبدو أحيانا أكثر خطورة في العراق من خلافات السياسة والسياسات. إذا أضفت صراعات الطوائف لضغائن الأشخاص يمكنك أن تفهم بلا صعوبة الفشل الحادث الآن في العراق. إخفاق ساسة العراق في حل مشكلاتهم فتح بابا واسعا لتدخل الأغراب. إيران حاضرة طوال الوقت في المشهد العراقي, لكن منافسات الإخوة وصراعاتهم استدعت حضورا ظاهرا لقوي إقليمية أخري أيضا. الغريب أن الولاياتالمتحدة لا تبدو حاضرة في المشهد السياسي العراقي رغم عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين علي الأرض العراقية. الغياب الأمريكي أثار التساؤل حول ما إذا كانت واشنطن فقدت التأثير هناك, أو أن انسحابها هو جزء من اتفاق سري عقدته مع طهران. البعض في العراق يتهم واشنطن بالمسئولية عن الجمود السياسي في العراق ظنا أن أمريكا بإمكانها إذا تدخلت أن تضع حد لصراعات قادة الكتل والطوائف العراقية. من المقرر أن تنسحب القوات الأمريكية من العراق خلال عام, وتريد واشنطن التأكد من أن قادة العراق يستطيعون تولي الأمور بأنفسهم دون حاجة للراعي الأمريكي. أمريكا تراقب التجربة الجارية في العراق لتقرر ما إذا كان من الآمن لها أن تنسحب بعد عام دون مخافة انهيار جديد لأوضاع العراق. السنوات الأولي التي تلت الاحتلال الأمريكي للعراق علمت الأمريكيين درسا. تعلم الأمريكيون أن المبالغة في التدخل في الشأن العراقي رفعت الحرج والإحساس بالمسئولية عن القادة العراقيين. لم يتصرف قادة العراق بانعدام مسئولية بقدر ما تصرفوا في المرحلة التي كانت فيها واشنطن تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في العراق. في تلك المرحلة كان قادة العراق يرتكبون كل أنواع الأخطاء, بينما يضعون المسئولية كلها علي قوات الاحتلال. لم يتحسب القادة العراقيون لنتائج صراعاتهم ومؤامراتهم لأنهم كانوا متأكدين من أن الولاياتالمتحدة لن تسمح بتدهور الأوضاع لنقطة اللاعودة. إنه الزمن الذي اشتعلت فيه كل أنواع صراعات الطوائف في العراق, وهو الوضع الذي لم يتحسن إلا عندما بدأ قادة العراق في تحمل المسئولية بأنفسهم, وهذا هو ما تحاول واشنطن تكراره مرة ثانية الآن في العراق.