قد يري المرء محاسن امرأة بمجرد النظرة العابرة, أو يتذكر محاسن من كانت زوجة له ثم بانت عنه بعد, أو نحو ذلك, فيعرض له ما يذكره بما رآه منها, ويثور التساؤل عن حكم مجرد التفكر في محاسن هذه أو تلك, وهذه المسألة قل من تعرض لها من فقهاء السلف, وانعدم أو كاد أن ينعدم من تعرض لها من فقهاء الخلف, وقد بين بعض فقهاء الشافعية حكمها, فقال: إنه لا يحل تفكر الرجل في محاسن المرأة التي لا تحل له, لقول الحق سبحانه: ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علي بعض, حيث نهي الحق سبحانه في الآية أن يتمني المرء ما فضل الله به غيره عليه, من الأمور الدنيوية كالمرأة أو المال أو نحوهما, لأن ذلك نوع من عدم الرضا بالقسمة التي قسمها الله بين عباده, علي مقتضي إرادته وحكمته البالغة, وتفكر الرجل في محاسن المرأة الأجنبية عنه نوع من تمني ما ليس له, وإذا حرم الشارع نظر الرجل إلي المرأة الأجنبية عنه, فكذلك يحرم عليه تفكره في محاسنها, وقد اختلف الفقهاء في حكم وطء الزوج حليلته متفكرا في محاسن تلك المرأة الأجنبية, حتي خيل إليه وقت مواقعته زوجته أنه يواقع تلك, فقال ابن عابدين من الحنفية: لم أر من تعرض للمسألة عندنا, إلا أن الأقرب لقواعد مذهبنا عدم الحل, لأن تصور تلك الأجنبية بين يديه يطؤها, فيه تصوير مباشرة المعصية علي هيئتها, فهو نظير من شرب الماء وغيره من المباحات بلهو وطرب علي هيئة الفسقة, الذين يعاقرون المسكرات علي هذا النحو, وشرب الماء علي هذا الوجه يري بعض علمائنا حرمته, وقد أقر الزيلعي القول بحرمة وطء الرجل زوجته متفكرا في محاسن المرأة الأجنبية عنه, وقال ابن الحاج المالكي: إن هذا نوع من الزنا, ونقل عن بعض الفقهاء: منهم جلال الدين السيوطي وتقي الدين السبكي وابن حجر الهيتمي أن ذلك يحل, ويري ابن حزم أن مجرد ميل النفس لا إثم فيه, فإن أحب المرء شيئا محظورا عليه, فلا حرج عليه فيه إذا لم يقدر علي صرف قلبه عنه, وإنما المعول عليه في ذلك هو الفعل, ووجه ما ذهب إليه القائلون بالحرمة: أن من يطأ حليلته متفكرا في محاسن امرأة أجنبية عنه حتي خيل له أن يطؤها, فإنه يحرم عليه التفكر فيها, لأنه نوع من الزنا, إذ يلزم من تخيله هذا عزمه علي الفحش بهذه الأجنبية لو ظفر بها, ويصير بمنزلة من أخذ كأسا يشرب منها الماء فتصور أن ما بين عينيه خمر, فشرب الماء علي نحو ما يشرب الخمر, فإن هذا الماء يصير حراما عليه بتخيله هذا, وقال بعض الشافعية: لا يلزم من تخيل المتفكر في محاسن امرأة أجنبية وهو يطأ زوجته عزمه علي الزنا بهذه الأجنبية, حتي يأثم إذا صمم علي ذلك لو ظفر بها, وإنما اللازم فرض موطوءته تلك الحسناء, وهي ليست كذلك, ووجه ما ذهب إليه القائلون بعدم حرمة التفكر في محاسن هذه الأجنبية: قول الله تعالي: وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنت لا تعلمون, حيث أفادت الآية الكريمة أن المرء قد يكره ما فيه الخير له, ويقدم علي حب ما فيه الشر والهلاك له, وإذا كان الحق سبحانه قد أخبر بذلك من غير نكير عليه, فهذا يدل علي أنه لا إثم علي من أحب شيئا محظورا عليه, كالمرأة الأجنبية عنه, إذا لم يتجاوز تفكيره فيها إلي مواقعتها أو عقد العزم علي ذلك, ولأن ما وقع من المتفكر لا يعدو أن يكون حديث نفس, وقد روي عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها, ما لم تعمل أو تكلم به, فقد أفاد الحديث أن الله سبحانه لا يؤاخذ علي حديث النفس إن لم يظهر أثره في صورة قول أو عمل, ومن ثم فإن من تفكر في محاسن امرأة أجنبية عنه, وهو يطأ حليلته حتي خيل إليه أنه يطأ هذه الأجنبية, لم يتجاوز تخيله هذا حديث النفس فلا يؤاخذ علي ذلك, والذي أري رجحانه من هذين المذهبين هو ما ذهب إليه القائلون بحرمة تفكر الرجل في محاسن امرأة أجنبية عنه وهو يطأ زوجته, حتي خيل إليه عند مواقعتها أنه يواقع هذه الأجنبية, لما وجهوا به مذهبهم, ولأن هذا نوع زنا, فقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الله كتب علي ابن آدم حظه من الزنا, أدرك ذلك لا محالة, فزنا العين النظر, وزنا اللسان النطق, والنفس تتمني وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه, فهذا الذي يطأ حليلته متخيلا أنها تلك التي يحرم عليه وطؤها, تتوق نفسه أن لو كانت حليلته تلك المرأة التي تحرم عليه, كما أنه يشتهيها, وذلك داعية إلي الزنا, فينبغي أن يحرم مثل ذلك سدا للذريعة إلي الزنا.