عندما يتحسس الكاتب كلماته وينتقيها بحذر خشية المساءلة أو خوفا من البطش, فقل علي الحرية السلام. عندما يصبح الكذب والاختلاق وتصوير الأمور علي غير حقيقتها هو الأصل, وعندما تتحول وسائل الإعلام إلي نشرات طبق الأصل تنحاز لمكون وطني أو طرف سياسي علي حساب طرف فقل علي الإعلام السلام. عندما تتوسع السلطة الحاكمة في الاعتقالات وتشيطن معارضيها وتتهمهم بما ليس فيهم, فقل علي مستقبل البلاد السلام. نعيش هذه الأيام معضلة حقيقية, أصلها مصادرة إرادة أغلبية الشعب وممارسة دور الوصاية عليه, ووأد أول تجربة ديمقراطية حقيقية في التاريخ المصري, وفروعها الإطاحة بالرئيس الشرعي المنتخب وتعطيل الدستور وإلغاء المجالس التشريعية المنتخبة, وإعطاء شخص واحد لم يختره الشعب صلاحيات مطلقة في التشريع والتنفيذ, بلا ضوابط قانونية. الأخطر من كل ذلك هو إراقة الدم المصري ودخول هذه المنطقة الحرام بحجج لم يقم عليها أي دليل صحيح, في محاولة لإخماد الصوت المعارض للسياسات الحالية إلي الأبد, فما حدث عند دار الحرس الجمهوري فجر الاثنين8 يوليو2013, والذي راح ضحيته قرابة مائة مصري, بينهم8 نساء و3 أطفال, ليس مبررا علي الإطلاق, مهما تكن الدوافع والأسباب. يتساءل البعض: وماذا بعد؟ إلي أين تسير مصر؟ وأقول: إن التعتيم الإعلامي علي مايحدث في الميادين والشوارع بكل المحافظات واحتشاد الملايين هنا وهناك دفاعا عن الشرعية, واستشعار كل هذه الملايين بالخطر المحدق بالبلاد والذي بدت مقدماته في الاعتقالات وإغلاق الفضائيات, وإلغاء كل ما أنجز من خطوات ديمقراطية, كل هذا يعني أن هناك متغيرات جديدة علي الأرض لم يعمل لها من اتخذوا قرارات3 يوليو حسابا ولم يضعوها في اعتبارهم. الشارع المصري تعمق انقسامه بعد3 يوليو, فمن نزلوا في30 يونيو يبارك معظمهم الاجراءات الاستثنائية الحاصلة الآن, ربما رغبة في استقرار يرون أنه سوف يتحقق, وربما تشفيا في الإسلاميين الذين أقصوا من الحكم وتعبيرا عن حالة غضب من ممارساتهم أثناء توليهم السلطة, ومن يملأون الشوارع والميادين الآن من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي, يرون أنهم يدافعون عن الشرعية الدستورية وعن حق الشعب في اختيار من يحكمه ويمثله, بغض النظر عن من يكون, فلم يخرجوا دفاعا عن شخص مرسي- كما يقولون- ولكن خرجوا دفاعا عن الحرية والديمقراطية. ولاشك أن الكل متفق علي أن المبادئ لاتتجزأ وأنه لايمكن تسمية الأشياء بغير مسمياتها, فالحرية والديمقراطية والشرعية كلها أمور لايختلف عليها اثنان, والاحتكام إلي الشعب في كل الأمور المتعلقة بالسياسة هو أمر بدهي لايمكن أن يقول أحد بغيره, وقد كنا قاب قوسين أو أدني من انتخابات برلمانية جديدة كانت ستعبر تعبيرا حقيقيا عن حجم القوي السياسية, وتفرز بوضوح خارطة بيانية بأوزان كل الفصائل في الشارع المصري, وكان الصندوق الانتخابي سيحسم الخلاف وينتهي الأمر, كما أن البرلمان الجديد أيا كان تشكيله, كان منوطا به إجراء تعديلات علي الدستور تحقق كل طموحات الأطياف السياسية. إن إجبار طرف ما علي قبول فعل ما من طرف آخر لايمكن أن يحل معضلة السياسة في البلاد, مع ما يستتبع هذا الإجبار من مشاكل أمنية واضطرابات مجتمعية وانهيار اقتصادي, ونتمني أن يزن الجميع الأمور بميزان الحق والعدل, وليس بميزان الهوي والرغبة المسعورة في إقصاء الآخر, والرهان الآن ليس علي إجراءات يتخذها من بيده القوة والسلطة, ولكن يجب قياس ردود الفعل الشعبية والمتغيرات الحاصلة علي الأرض والتي لم يكن لها وجود في السابق. لن يقبل الشعب أن يعود إلي عهود من الكبت ومصادرة الحريات مرة أخري ولن تفلح محاولات التخويف والتفزيع في إثناء الشعب, كل الشعب, عما يريده من حرية وديمقراطية, فهو صاحب الكلمة الأولي والأخيرة فيما يقرر ويريد.