ذكرت وكالة رويترز في تقرير لها عن الأزمة الاقتصادية في تونس أن تراجع احتياطيات النقد الأجنبي في هذه الدولة قد يؤدي إلي هبوط قيمة عملتها ويسبب أزمة في ميزان المدفوعات علي غرار مصر. ومنذ اندلعت ثورات العالم العربي عام2011 اتخذت تونس اجراءات اكثر مما اتخذته معظم البلدان الاخري لإصلاح سياستها الاقتصادية بهدف ضبط المالية العامة وجذب المستثمر الاجنبي.. وعلي خلاف مصر استطاعت تونس حشد الإرادة السياسية للاتفاق علي برنامج قرض طارئ من صندوق النقد الدولي جعلها تجري تعديلات صعبة من الناحية الاجتماعية طلبها الصندوق كخفض دعم الوقود, وتخطط تونس لمزيد من الإصلاحات منها تعديل الضرائب وتعديل القواعد المنظمة لعمل البنوك. لكن هذه الخطوات قد تفشل ايضا في حماية تونس من ازمة عملة علي غرار ما حدث في مصر مع تفاقم عجز الميزان التجاري وتراجع احتياطي النقد الأجنبي إلي ادني من المستوي الآمن حسب تعريف البنك المركزي التونسي, حيث قال معز الجودي المحلل المالي وأستاذ الاقتصاد في تونس الحالة الضعيفة جدا لاحتياطيات العملة الاجنبية تكشف خطورة وضع الاقتصاد التونسي, وأضاف ان المشكلة قد تشبه الأزمة الاقتصادية في مصر. وتجدر الإشارة إلي أن المصادر الرئيسية للعملة الصعبة لم تتعاف بشكل كامل منذ الثورة, فقد بلغت إيرادات السياحة988 مليون دينار(595 مليون دولار) في الأشهر الخمسة الأولي من هذا العام بانخفاض ثمانية في المائة عن نفس الفترة من عام2010 حسب بيانات وزارة السياحة وبلغ اجمالي تدفقات الاستثمار الاجنبي394 مليون دينار في الربع الأول من2013 بتراجع17 في المائة عن الربع الأول من2010 وفقا لبيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التونسية. في تلك الاثناء زاد عجز الميزان التجاري التونسي بشكل كبير لأسباب منها التباطؤ الاقتصادي في اوروبا الذي نال من نمو الصادرات التونسية, وبلغ العجز4.74 مليار دينار في الأشهر الخمسة الأولي من عام2013 بارتفاع خمسة في المائة عن العام السابق و32 في المائة عن نفس الفترة من2010 حسب بيانات رسمي تونسية. وأدي ذلك إلي تراجع كبير في احتياطيات العملة الأجنبية لدي البنك المركزي التي بلغت10.473 مليار دينار نهاية يونيو الماضي, أي ما يغطي واردات البلاد لمدة94 يوما, وكان احتياطي العملة الأجنبية في تونس يغطي واردات100 يوم قبل عام ونحو140 يوما في أواخر.2010 وذكر الشاذلي العياري محافظ المركزي التونسي إن السلامة المالية تقتضي الاحتفاظ باحتياطي عملة أجنية يغطي ما لايقل عن واردات100 يوم, ويقترب الاحتياطي التونسي الآن من المستويات الخطيرة في مصر التي تقل قليلا عن واردات ثلاثة أشهر, ولم يحدث في تونس حتي الآن نقص في يالعملات الأجنبية كالذي تعاني منه مصر حيث حدثت اضطرابات بحركة استيراد الغذاء والوقود بسبب صعوبات تمويلية. لكن هناك اشارات علي تزايد الضغوط فحين وافقت تونس في يونيو الماضي علي استيراد450 ألف برميل من النفط شهريا من ليبيا, قال وزير الاقتصاد ان الحكومة ستؤجل السداد ولم يحدد موعدا. وتتجلي هذه المخاوف في الأسواق المالية, حيث ارتفعت تكلفة التأمين علي الديون من خطر التخلف عن السداد لأجل خمس سنوات من جانب المركزي التونسي إلي386 نقطة أساس مقابل345 نهاية العام الماضي و176 عام.2011 وتضر الاضطرابات السياسية بقدرة تونس علي تمويل نفسها, وتخطط الحكومة لتغطية جزء من عجز الموازنة المتوقع أن يبلغ3.2 مليار دولار هذا العام بإصدار أول سندات إسلامية( صكوك) لجمع700 مليون دولار. وربما تستطيع الصحكوك جذب مبالغ كبيرة من الأموال الإسلامية من منطقة الخليج الثرية, لكن البرلمان المنغمس في الخلافات علي الدستور الجديد لم يبدأ بعد مناقشة قانون يسمح بإصدار الصكوك. وفي ظل توقعات باجراء الانتخابات نهاية2013 يقول مسئولون في تصريحات غير رسمية ان تونس قد ترجئ اصدار الصحكوك حتي2014 وربما تستطيع تونستدبيرها امرها الان فبموجب صفقة صندوق النقد الموقعة الشهر الماضي بقيمة1.74 مليار دولار ستحصل البلاد علي150 مليون دولار فورا وعلي بقية المبلغ علي مدي عامين. وتتلقي تونس ايضا مئات الملايين من الدولارات كدعم مالي من الولاياتالمتحدة ودول أخري, لكن معظم هذه المساعدات قروض يتعين سدادها في نهاية الأمر ولا تعالج مباشرة جذور مشكلة عجز ميزان المدفوعات المتفاقم وحاول المركزي التونسي معالجة احد اسباب المشكلة برفع تكلفة تقديم القروض الاستهلاكية علي البنوك التجارية, لكن الحكومة قالت في رسالة إلي صندوق النقد نشرت الشهر الماضي, ان هذه السياسة فشلت في خفض حركة الاستيراد كما كانت تأمل وقالت الحكومة إن قواعد منظمة التجارة العالمية تحد من قدرتها علي التحكم في الواردات عبر فرض تعريفات جمركية. ولذا قد يتطلب الأمر في المدي الطويل خفضا كبيرا في قيمة الدينار لتحقيق التوازن بميزان المدفوعات عبر تضييق حركة الاستيراد واقناع المستثمرين بأن العملة مقومة بسعر عادل. وتراجع الدينار عشرة في المائة امام الدولار الأمريكي منذ نهاية2011 وكان يمكن ان يتراجع بنسبة أكبر لولا تدخل البنك المركزي ببيع الدولارات لمساندته, وفي تقرير البنك المركزي لصندوق النقد قال البنك المركزي انه يستعد لجعل سعر الصرف اكثر مرونة, وجاء في التقرير ايضا انه سيتم اطلاق موقع إلكتروني واختيار بنوك معينة قبل انطلاق مزادات اسبوعية للعملية الاجنبية مطلع2014 وتجدر الإشارة إلي أن البنك المركزي المصري استخدم هذه المزادات لادارة تخفيض قيمة العملة هذا العام. وقال المركزي التونسي ان نظام سعر صرف اكثر مرونة سيساعد في الحفاظ علي احتياطي العملة الاجنبية وييسر ضبط ميزان المدفوعات ويدعم الطلب علي النقد عبر خفض معدل امتصاص السيولة نتيجة التدخل في سوق العملات الأجنبية.