من الواضح أن حديث أنصار الدولة الدينية والدولة المدنية لا يخرج عن كونه لغوا يتناقله الناس بعد أن بدا أن الذي يحدث علي أرض الواقع لا علاقة له بالصالح العام فتم الحجر علي الطرفين. واصطفاف كل واحد منهم في ناحية يتحدي بها الطرف الآخر وظهر أن الكلام شيء والتطبيق شيء آخر فكلاهما يريد الاستفراد بالسلطة وإقصاء الآخر فيخرج الفائز بكل شيء ويخرج الخاسر صفر اليدين بعد ثورة كانت تحتم علي الجميع مشاركة الجميع الفائز والخاسر علي حد سواء ولكنه الطمع في السلطة والجشع والأنانية أوجدت كل هذا الانقسام وكأن هؤلاء ليس لهم علاقة بإنسانية الانسان عوضا عن قيم وأخلاق الإسلام وبالرغم من سريان هذا المبدأ في الكثير من دول العالم لم نر في بلادهم مثل ما يحدث في بلادنا فأصبح مرض السلطة داء مزمنا مقتصرا علي بلادنا والذي تحول بعد الثورة إلي عقيدة يتقرب البعض بها إلي الله مع أنه أول درجة من سلم التخلص من العقائد والأديان وبالرغم من أن النموذجين مطبقان في العديد من دول العالم إلا أنه أتي بنتائج طيبة في بعض الدول ونتائج سلبية للغالبية في دول أخري لأن الفيصل في كل هذا يعتمد علي مدي تطبيق القانون علي الجميع واحترامهم له بلا استثناء. لقد تمكن أنصار الدولة الوطنية من تدمير مصر علي مدار ستين عاما ولم يأخذوا في الاعتبار مصلحة الشعب المصري كما فعل الزعيم الهندي غاندي، وبعد طول معاناة من أجل السلطة والمال قلبت الصفحة لتبدأ صفحة معاناة جديدة هدفها تقسيم البلاد مثل ما فعلوا في السودان ومازال رئيسها جاثماً علي صدرها بالرغم من تمثيلية الملاحقة الدولية بعد أن حقق لهم المراد، ولذلك يبدو أن هذا الانقسام بين المصريين مقصود وممنهج فبعد تخريب مصر علي مدي ستين عاما بواسطة أصحاب الدولة المدنية أصبحت مصر جاهزة للتقسيم علي يد أصحاب الدولة الدينية الذين لا يؤمنون بفكرة الدولة بعيدا عن الإطار الذي رسمه الإسلام لأتباعه ولكن ليعلم الجميع أن مصير من يسعي إلي ذلك "مزبلة التاريخ" وسيمحي اسمه ورسمه من الوجود لأن مصر قطعة واحدة مقدسة في كل الأديان وعلي رأسها الإسلام ولا يجوز قسمتها علي اثنين أو ثلاثة أو أربعة وسيكتوي بنارها كل من يقدم علي ذلك في الدنيا والآخرة لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد ولن يتكرر سيناريو تقسيم مصر كما قسمت السودان علي يد أصحاب الدولة الدينية. إن وجود خلل عميق في فكر دعاة الدولة الدينية وعدم فهمهم للإسلام بشكل صحيح بالرغم من إنكارهم ذلك من خلال الإطار الذي بني عليه الإسلام بإعلاء منهج القرآن ومنهج النبوة والجري وراء مناهج البشر حتي ولو كانوا دعاة ومصلحين هو الذي دفع الأمة إلي هذا الانقسام لأن أفكارهم المغلوطة عن الإسلام التي تظهر في وصاياهم بعيدة كل البعد عن معيار الإسلام الذي يجب أن يعاير المسلم به نفسه وعلي رأسه هذا الانقسام بالاضافة إلي وجود مسافة شاسعة بين الأقوال والأفعال التي تخرج كل من يتبناها خارج إطار الإسلام، لأن المسلم الحقيقي يجب أن يعاير نفسه علي هذا الإطار، فإذا اعتقد أنه يملك الحقيقة لوحده أو أنه فوق البشر وفوق الحساب أو أنه علي صواب دائما أو أنه متبوع وليس تابعاً ويستخدم كل أساليب الكذب والغش والتزوير وإنكار الآخر من أجل تحقيق أهدافه حتي ولو تاجر في الإسلام من أجل الشهرة والمال وهو ما ينطبق علي الكثير من دعاة الفتنة وعلماء السلطة الجدد فقد خان الله ورسوله ووقع في المحظور وخرج عن الإطار الذي رسمه الإسلام وعليه تجديد إيمانه والعودة سريعا من جديد إلي صحيح الإسلام حتي يعود مرة أخري إلي هذا الإطار وإلا أصبح في خبر كان. ومن هنا نجد أن تصحيح المسار يعتمد بالدرجة الأولي علي الايمان الحقيقي بتلازم المسارين معا مسار الدولة الوطنية والتي تعتبر الأساس عند المسلم صحيح الإسلام عند معايرة نفسه بمعيار الإسلام فقد قال صلي الله عليه وسلم عند خروجه من مكة "والله إنك لأحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت" في وجود مرجعية الإسلام من خلال قيمه وأخلاقه ومبادئه المنبثقة من القرآن الكريم ومنهج النبوة وليس منهج الأشخاص مع العلم أن كل القوانين التي تحكم مسار الناس في هذه الحياة يقننها بشر من خلال الانضباط بهذه السلوكيات التي لا تحابي أحدا علي حساب الصالح العام. فإذا دخلت بلدا ووجدت مصالح الناس محفوظة ومصانة فقل هنا إسلام حتي ولم يوجد مسلمون وإذا وجدت العكس فقل العكس. فصاحب الانتماء من اليمين إلي اليسار يجب أن يلتزم بالقانون الذي يجب أن يطبق علي الجميع بلا استثناء وإلا دخلنا في طريق مسدود وهو ما أوصلنا إليه هذا الانقسام المقيت بعد أن طمست القضايا وحيد القضاء وأحرقت المحاكم بفعل فاعل وسالت الدماء واعتدي علي الأنفس والأعراض والممتلكات والمال العام والخاص في غياب كامل للدولة. رابط دائم :