من رحمة.. الله أن جعل في أيامه نفحات يتفضل بها علي عباده, فكما أختار الله تعالي الرسل من بين الناس وفضل الرسل بعضهم علي بعض والأماكن فضلها بعضها علي بعض, فجعل الصلاة في الكعبة بمائة ألف صلاة فيما سواه وفي المسجد النبوي بألف صلاة فيما سواه وفي الاقصي بخمسمائة صلاة فيما سواه, اختار سبحانه وتعالي من الأيام أياما فضلها علي سائر غيرها وجعل بعض هذه الأيام فرصة لعباده يتفضل عليهم فيها بالرحمة والمغفرة وجعلها موسما لطاعاته, ومقدمة لأفضل الشهور, فكان سيد الخلق حريصا علي تعليم أمته أفضليته واغتنام أوقاته. حول فضل شهر شعبان وما يجب علي المسلم القيام به خلاله كان هذا التحقيق: * في البداية يوضح الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق أن شهر شعبان هو المقدمة التي تؤدي إلي دخول المؤمن في شهر رمضان بلياقة إيمانية كاملة تعينه علي أداء فريضة الصيام أداء إيمانيا من أول يوم بدنيا ونفسيا وروحيا وذلك من خلال الاقتداء بسنة الرسول صلي الله عليه وسلم التي رأيناها من خلال إكثاره من الصيام في هذا الشهر عن أي شهر آخر غير رمضان, فأخبر الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم أن ذلك من أجل رمضان ومن أجل أن يكون المسلم في طاعة الله عز وجل الذي ترفع إليه الاعمال في شهر شعبان حيث قال صلي الله عليه وسلم هو شهر ترفع فيه الأعمال إلي الله وأحب أن يرفع عملي إلي الله وأنا صائم كما أن من فضائل شهر شعبان ما يتعلق بفضيلة ليلة النصف منه والتي يتجلي فيها الملك سبحانه وتعالي لعباده الذين يتوجهون اليه عابدين مخلصين طالبين أن يحقق لهم ما يريدون تحقيقه في حياتهم حيث تتجلي الرحمة الالهية تنادي عباد الله وتخبرهم بما جاء الوعد به في خطاب الله عز وجل لهم ألا من مسترزق فأرزقه ألا من مستغفر فأغفر له ألا من مبتل فأعافيه ألا من كذا ألا من كذا حتي يطلع الفجر ومن هنا فإن هذا الشهر العظيم هو بمثابة الصحوة الايمانية الكاملة التي تعين المسلم علي دخول شهر رمضان ونحن في كامل اللياقة الايمانية التي تؤدي من خلالها فريضة الصيام التي تحقق المثل الأعلي في تقوي الله دون أن يضيع وقتا من أوقاته في أي جانب من الجوانب الجسدية أو النفسية أو الروحية. بينما يقول الشيخ فكري حسن عضو المجلس الاعلي للشئون الاسلامية سابقا: شهر شعبان لما فيه من الخيرات يطلق عليه العلماء بأنه شهر رسول الله صلي الله عليه وسلم وسمي بهذا الإسم لأنه يتشعب منه خير كثير فقد روت كتب السنة أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم قد استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه كما يصوم في شعبان. وهذا الحديث يدل دلالة واضحة علي فضل هذا الشهر وما فيه من نفحات كثيرة حثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أن نتعرض لها. ولقد ورد أن أسامة بن زيد سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن سبب كثرة صيامه في شهر شعبان فقال عليه الصلاة والسلام ذاك شهر يغفل الناس عنه يقع بين رجب ورمضان فيه ترفع الاعمال إلي الله تعالي وأحب أن يرفع عملي إلي الله وأنا صائم وهذا الحديث يشير إلي فضل عظيم من فضائل شهر شعبان وهذا الفضل يرجع إلي أن التقرير السنوي عن أفعال العباد يرفع إلي السماء سنويا في شهر شعبان فكأنما العام الذي يتحدث عنه الرسول يبدأ من رمضان وينتهي في شعبان حيث ترفع الأعمال إلي الله. كما ان اختيار الرسول لكثرة الصيام في شعبان يرجع إلي أن هذه العبادة طابعها الاساسي الاخلاص في العبادات فكأن النبي يقول للمسلمين أخلصوا النيات وأدوا الحقوق للعباد وأكثروا من الصلة بالله خاصة وأن هذا الشهر تختم به السنة التشريعية بالنسبة لما يتنزل من القرآن علي الرسول صلي الله عليه وسلم بدليل أن أمين الوحي جبريل كان يأتي لرسول الله صلي الله عليه وسلم في شهر رمضان يوميا ليدارسه القرآن فيقرأ علي رسول الله ورسول الله يقرأ علي جبريل ما نزل في العام الماضي وما قبله وهذا أشبه بالمراجعة السنوية علي ما نزل من القرآن الكريم بين رسول الله وبين الأمين جبريل كما أن هذا الشهر خصه الله تعالي بحدث تاريخي عظيم وهو تحويل القبلة من بيت المقدس إلي بيت الله الحرام وكان ذلك في اليوم الخامس عشر من شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة وهو ما فيه من الكثير من العبر والدروس أهمها أن المسلمين يؤمنون بجميع رسالات السماء ولا يفضلون نبيا علي نبي فهم أخوة جميعا والإسلام قرر هذا في القرآن الكريم حيث قال تعالي والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ويقول الشيخ رضا حشاد إمام وخطيب بوزارة الأوقاف أن من حرص النبي الكريم علي الصوم في شعبان كان أزواجه يقلن أنه كان صلي الله عليه وسلم يصوم شعبان كله وهنا تأتي الحكمة من الصيام فيه بقوله ذاك شهر يغفل الناس عنه وفيه إشارة إلي أن بعض ما يشتهر قد يكون غيره أفضل منه وذلك بالنسبة للأشخاص والأماكن والزمان إما مطلقا أو مقيدا لقدرها فشهر رجب المحرم وبعده شعبان ولذلك كان النبي يعمره بالطاعة مما يدل علي أن أوقات الغفلة يستحب فيها الطاعة أو أن ذلك محبوب عندالله ولذلك كانت العبادة وقت الهرج الفوضي كهجرة إلي النبي وكان ذكر الله في السوق بأجر مضاعف لقوله صلي الله عليه وسلم من دخل سوقا من الأسواق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو علي كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ورفع له ألف ألف درجة ومحا عنه ألف ألف خطيئة. ويضيف الشيخ حشاد قائلا: كما أن صيام شعبان من النوافل التي شرعت قبل الفرائض أو بعدها فبعد الفرائض لجبر الخلل الذي حدث فيها وقبلها من باب التدريب والتهيئة ولذلك شرع صيام شعبان من باب الترويض للنفس والاستعداد لشهر رمضان لتكون في غاية الاستعداد ولتشعر بلذة الصيام وهذا لا يتحقق إلا من خلال الاكثار من النوافل والتي تقرب العبد إلي الله لقوله تعالي لا يزال يتقرب إلي عبدي بالنوافل حتي أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ولئن سألني لأعطينه وان استعاذ بي لأعيبدنه. رابط دائم :