تحت عنوان الماء والسياسة, ثم الماء كسلاح سياسي, يكتب الراحل العظيم جمال حمدان, في المجلد الثاني في موسوعته: شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان. يقول: العداء الحقيقي, ومعه فكرة الماء كسلاح سياسي, إنما يأتي من الدخلاء علي الحوض. ان قضية الماء برمتها سياسيا هي من خلق أو إيعاز, الاستعمار الخارجي الدخيل, وخاصة الاستعمار في العصر الحديث. ولكنها كانت دائما, مجرد خزعبلات أسطورية, وأوهام مريضة, وتهديدات طفولية خرقاء عاجزة. * في القرن الرابع قبل الميلاد, أثناء الاستعمار الفارسي لمصر, فكر أردشير الثالث, في منع وصول مياه النيل إلي مصر, لأن شعبها كان يرفض هذا الاستعمار, فأراد بذلك ردع المصريين وتأديبهم. * في منتصف القرن الخامس الهجري, أصابت مصر موجة من الغلاء العظيم, المعروفة بالشدة المستنصرية, سرت اشاعة بأن الحبشة أغلقت مجري النيل, فذهب الخليفة المستنصر بالله إلي الحبشة, وطلب منهم إطلاق النيل. * الاستعمار البرتغالي حرم مصر من الاستفادة التجارية من موقعها الاستراتيجي باكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح, ولم يقف عند هذا الحد, فقد أجروا اتصالات مع ملك الحبشة, حتي يشق مجري جديدا, يحمل المياه من النيل الأزرق, ويذهب بها إلي البحر الأحمر, حتي تموت مصر من الجفاف. * الاستعمار الايطالي, سيطر علي الحبشة, وتخوف البعض من سيطرة هذه القوة المعادية لمصر علي منابع الفيضان في الحبشة, خاصة ان ايطاليا كانت تستعمر قطرا شقيقا هو ليبيا, وشارك المصريون في الجهاد, وكانت هناك مخاوف من أن تغزو ايطاليا مصر من ليبيا. * الاستعمار البريطاني كان يلعب دورا مزدوجا بالغ الخبث والخسة, هو الذي كان يوعز إلي الآخرين أي دول المنبع بفكرة الادعاءات المائية, والتلويح بها, والتلميح إليها, ويكاد يضع الكلمات في أفواههم, وفي الوقت نفسه, يتقدم إلي مصر ذاتها, في ثوب المدافع والمكافح الصلب عن حقوقها المشروعة.... ونستكمل...