اختارت إثيوبيا الوقت المناسب لإعلان تحويل مجري النيل الأزرق للبدء في إنشاء سد النهضة لم تصبر للموعد المحدد لهذه الخطوة في سبتمبر وهو الشهر الأنسب لطبيعة النهر ولم تنتظر تقرير لجنة الخبراء حول الآثار المترتبة علي إنشاء السد وهل سيؤثر بالسلب علي دولتي المصب مصر والسودان رغم أن اللجنة تم الاتفاق عليها في مؤتمر وزراء دول حوض النيل وتضم خبراء من إثيوبيا ومصر والسودان ويساهم في أعمال اللجنة خبراء دوليون. إذن إثيوبيا قررت أن تبدأ التنفيذ وتمضي قدما بصرف النظر عن الرأي الذي ستنتهي إليه اللجنة الدولية وأيا كانت القوي الدولية والاقليمية الداعمة لإثيوبيا فالمشروع الذي ترجع فكرته إلي عام1964 يمثل للشعب الاثيوبي حلما وطنيا تماما كما كان يمثل السد العالي حلما وطنيا للمصريين في حقبة الستينيات, واستطاع النظام الحاكم في إثيوبيا أن يوحد الاثيوبين حول سد النهضة حتي الأثيوبيون المهاجون ساهموا في تكلفة السد في حساب تم تخصيصه لإنشاء السد. الوقت المناسب لإثيوبيا بعد زيارة الرئيس بأيام حتي ينصب الهجوم ليس علي المشروع وآثاره وكيفية التعاطي مع الأزمة ولكن تتوجه السهام إلي الرئيس وكأنه سافر للتوقيع بالموافقة علي إنشاء السد وكأن المشروع وليد اليوم. لن تجد إثيوبيا أنسب من هذا الوقت للإعلان عن تحويل مجري النيل الأزرق الذي يمد النهر ب84% في المتوسط من إيراده السنوي وترتفع إلي90% في شهور الفيضان. الوقت مناسب لأن ماء الوطن عكر أفسده وسممه خلافات سياسية وحسابات مصالح ضيقة استقطاب وحض علي الكراهية.. لم نعد نتحدث عن إسرائيل العدو الذي يتربص بنا ويلعب في منطقة أمننا القومي دول منابع النيل أصبح العدو المتربص حماس المتهمة في كل الأزمات من السولار والكهرباء حتي اختطاف الجنود أصبح العدو قطر بدعوي أنها تريد ابتلاع مصر تؤجر آثارها وتشتري قناة السويس أصبحت حماس وقطر أعداء مصر بالنسبة لمعارضي النظام الحاكم وبالنسبة لمؤيديه العدو الإمارات بحجة أنها لا تريد نهضة مصر ولا تنفيذ مشروع تنمية قناة السويس الذي سيؤثر بالسلب علي دبي كمنطقة حرة. وسط حالة الانقسام الرهيبة التي نعيشها نسينا العدو الحقيقي واتجه الصراع إلي الداخل محاولات مستميتة لتقليب مؤسسات الدولة والنيل من هيبتها. هناك قضايا لا تحتمل الخلاف ولكن للأسف اختلفنا علي قضية اختطاف الجنود السبعة وهم جنود مصريون والخاطفون إرهابيون يحملون الجنسية المصرية والاختطاف تم علي أرض سيناء المصرية.. القضية نموذج للقضايا التي لا تحتمل الخلاف ومن يدير الأزمة مؤسسات محل ثقة المخابرات الحربية القوات المسلحة. التقط الخاطفون صورا للجنود معصوبي الأعين مكتوفي الأيدي وأجبروهم علي تلاوة رسالة تحمل مطالبهم صور أعادت للذاكرة صور أسري حرب67. بهدف الضغط العاطفي علي أسر الجنود ليمارسوا ضغوطا علي من يدير الأزمة إضافة إلي ضغوط الرأي العام.. هذا هو هدف الخاطفين فما هو هدف الإعلاميين من توسيع دائرة انتشار هذه الصور التي لا تنال من كرامة المخطوفين ولكن تنال من إنسانية وكرامة خاطفيهم.. بعض وسائل الإعلام استخدمت الصور وشريط الفيديو لإظهار ضعف النظام ونسي المسئول عن صياغة الرسالة الاعلامية أن هذه القضية لا تحتمل خلافا بين معارضة ونظام, وأن مصلحة الوطن مقدمة علي السبق لو تعاملوا مع الصور والفيديو باعتباره انفرادا وأن نشر الصور يدعم موقف الخاطفين ويؤلم أسر الجنود وذويهم. المعالجة الإعلامية والسياسية مع حادث اختطاف الجنود تتكرر الآن في أزمة سد النهضة وكأنها أزمة تتعلق بترعة أو مصرف داخل مصر وليس قضية أمن قومي لنهر يحتل المكانة الأبرز بين الأنهار الدولية نهر يحمل الحياة لمصر فهو مصدرها الرئيسي للمياه والحصة المنصوص عليها بحكم الاتفاقيات الدولية55.5 مليار متر مكعب لم تعد تكفي فما بالنا بعد إقامة سدود في إثيوبيا ستؤثر علي حصتنا حسب تأكيدات وزيري ري سابقين د. محمد نصر علام ود. حسين العطفي. أرادت الرئاسة أن تفوت فرصة أمام المعارضة وأصدرت بيانا متسرعا مضمونه أن السد لن يؤثر علي مصر دون انتظار لرأي اللجنة الدولية أو تشكيل لجنة لإدارة الأزمة تضم فنيين من وزارة الري وسياسيين من الخارجية وخبراء في القانون الدولي وعسكريين. المعارضة أيضا لم تفوت الفرصة واستغلت الأزمة للنيل من النظام الحاكم وخرج أحدهم ليقول أن زيارته لإثيوبيا مع الوفد الشعبي أخرت هذه الخطوة عامين ولو كنت مكان الرئيس لأصدرت قرارا بتعيينه مندوبا لمصر في إثيوبيا لحل الأزمة. وعندما خرج صوت من المنطقة المحايدة يطالب بوقوف المصريين علي اختلاف انتماءاتهم خلف القيادة السياسية وعدم استغلال الأزمة في الهجوم, والصوت للدكتور محمد نصر علام وزير الري السابق صنفوه إخوان ونسوا أنه وزير في حكومة نظيف وعضو مجلس شعب سابق عن الحزب الوطني. رابط دائم :