النظام الحاكم لم يلتفت إلا إلي جزئية واحدة من الطعام وهي في كيفية توفير رغيف الخبز ولم يبحث في أهمية توفير الأجزاء الأخري من الطعام التي يجب توفيرها للشعب من أجل الحفاظ علي الصحة العامة للناس. والتي تعتمد بشكل أساسي علي توفير البروتينات والفيتامينات والأملاح المعدنية وغيرها فيقلل من العبء الواقع علي استهلاك القمح في الطعام بل إني أزعم أن حدث ذلك سوف تتحول مصر من دولة مستوردة للقمح إلي دولة مصدرة له في غضون أشهر قليلة وليس في غضون أعوام. وإذا كان متوسط استهلاك الفرد للقمح في العالم لا يتجاوز67 كيلو جراما من القمح سنويا فإن معدل استهلاك المصري للقمح يصل إلي أكثر من200 كيلو جراما من القمح في السنة وهو ما يتجاوز الاستهلاك العالمي بأكثر من ثلاثة أضعاف فلماذا هذا الاستهلاك الكثير للقمح من المصريين مقارنة بالاستهلاك العالمي؟ إن الاجابة واضحة الدلالة, وهي في أن المصري لا يجد سوي رغيف الخبز كي يعيش عليه هو وأسرته, في غياب المصادر الأخري للغذاء, من الدهون والبروتينات الحيوانية المتمثلة في قطعة من اللحم وقطعة من الدجاج أو السمك, ومختلف الطيور, وفي غياب من البروتينات النباتية المتمثلة في البقوليات, وكل منتجات الألبان, بالاضافة إلي الأرز, وكل أنواع الخضراوات الطازجة, وكل أنواع الفاكهة, الممتلئة عن أخرها بكل المعادن اللازمة لصحة الجسم, والفيتامينات المقوية للجهاز المناعي التي تحمي الانسان من كل الأمراض وتجعله إنسانا سليما ومعافيا وخاليا من كل الأمراض. بالاضافة إلي مختلف الحلويات والمربات المصنوعة من الفاكهة الفائضة عن الحاجة, وعسل النحل الذي يحتوي علي كل العناصر الغذائية التي تقوي الانسان وتحافظ علي صحته وتحميه من الأمراض فهو دواء وشفاء من كل الأمراض, كما قال الرحمن في محكم الآيات. ومن هنا نجد أن استهلاك المصريين من القمح يقترب من ثلاثة أضعاف استهلاك دول العالم المختلفة وإذا نظرنا إلي استهلاك دولة مثل أمريكا من القمح سنويا نجد أنها تستهلك21 مليون طن قمح بعدد سكان يقدر تقريبا ب315 مليون نسمة وهذا معناه أن كل15 مليون نسمة يستهلكون مليون طن من القمح سنويا وهذا معناه أيضا أن استهلاك الأمريكي من القمح في السنة يساوي67 كيلو جراما, أما استهلاك مصر من القمح سنويا فيقدر ب17 مليون طن قمح بعدد سكان يقدر ب85 مليون نسمة وهذا معناه أن كل خمسة ملايين مصري يستهلكون مليون طن قمح سنويا وبناء عليه يقدر استهلاك الفرد المصري للقمح في السنة ب200 كيلو جرام, وهذا معناه أيضا أن استهلاك المصري للقمح يساوي ثلاثة أضعاف استهلاك الأمريكي للقمح. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يستهلك المصري ثلاثة أضعاف استهلاك الفرد الأمريكي؟ والجواب أن المصري لا يجد سوي رغيف الخبز أما الأمريكي فعنده بدائل مختلفة يعتمد عليها في طعامه مثل البروتين الدهون الألياف الفيتامينات المعادن, إذن ما هو الحل؟ الحل ليس في زراعة مزيد من الأمراض الزراعية( خمسة ملايين فدان), ولكن الحل هو في توفير البديل الغذائي. وبالتالي فإن مائدة المصري في حدها الأدني يجب أن تحتوي علي الغذاء المتوازن الذي يحافظ علي صحته ويعينه علي العمل والانتاج فيساهم في حل مشاكل البلاد ويحمي نفسه وأسرته من الحاجة والسؤال ومن هنا كان أهمية وجود نظام غذائي متكامل يحتوي في الفطار علي(5) أجزاء ثلث علي خبز+ جبن أو فول+ عسل وثلث يحتوي علي منتجات الألبان وثلث علي خضروات طازجة أما في الغذاء فيحتوي علي(7) أجزاء ثلث خبز+ بروتين نباتي وحيواني( لحوم أو طيور أو أسماك) وثلث علي أرز+ خضروات ناضجة+ خضراوات طازجة وثلث علي فاكهة من نوع واحد+ عصير وفي العشاء يحتوي علي(5) أجزاء ثلث خبز+ جبن أو فول+ مربي وثلث فاكهة وثلث بيض. ومن هنا نجد أن الخبز يمثل ثلاثة أجزاء من سبعة عشر جزءا من مائدة الطعام التي يجب أن تتوفر لكل مصري, فقيرا كان أو غنيا, بعد ضبط الأسعار, ووضع حد أدني للأجور لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه في الحد الأدني, ولا تزيد علي عشرة آلاف جنيه في الحد الأقصي دون الوضع في الاعتبار المغرم والمغنم إن كان هناك جدية حقيقية في حل المشكلة الصحية عند المصريين وعلي رأسها مشكلة القمح. وبالتالي فإن غياب التوازن الغذائي في علاقة مصر بالقمح إذا وضعنا في الاعتبار أن إنتاج مصر من القمح هو8 ملايين طن سنويا وأن استيرادها من القمح هو9 ملايين طن قمح سنويا فإن استهلاك الشعب المصري من القمح سنويا يساوي17 مليون طن قمح, أما في وجود التوازن الغذائي فعند الحد الأدني عندما يتناول الفرد رغيف خبز واحدا في اليوم يصبح استهلاك مصر من القمح سنويا مليون طن قمح ويصبح التصدير سبعة ملايين طن قمح سنويا. وفي الحد المتوسط فإن تناول الفرد رغيفين من الخبز في اليوم في وجود التوازن الغذائي فإن استهلاك مصر من القمح سنويا يكون مليوني طن قمح ويصبح التصدير ستة ملايين طن قمح سنويا. وفي الحد الأعلي فإن تناول الفرد ثلاثة أرغفة من الخبز في اليوم في وجود التوازن الغذائي فإن استهلاك مصر من القمح سنويا يكون ثلاثة ملايين طن قمح ويصبح التصدير خمسة ملايين طن قمح سنويا. ومن هنا نجد أن توفير الغذاء المتوازن عامل حاسم في الحد من استهلاك القمح ورفع مستوي التصدير حتي ولو كان إنتاج مصر من القمح لا يتجاوز ثمانية ملايين طن قمح سنويا ومن هنا يجب التفكير بجدية في توفير الغذاء المتوازن الذي سوف يكون حجر الزاوية في تصدير القمح من ناحية ومن ناحية أخري الحفاظ علي صحة المصريين ودفعهم إلي الانتاج والتنمية مع العلم أن مصر مليئة عن أخرها وممتلئة بكل أنواع الغذاء الذي يحافظ علي صحة المصريين ويدفعهم إلي استخدام العقل والفكر في تطوير أدائهم العلمي والتقني مما يدفع بعجلة التنمية إلي الأمام في وجود التجرد والإخلاص وفي توفير أدني مقومات التضحية والإيثار من أجل نهضة هذه الأمة ووضعها علي أولي درجات السلم المعرفي بعد أن تتمكن من تطوير أدائها بهمة وجد واجتهاد.