جاءني صوتها عبر الهاتف معطرا, لقد تم الإفراج عن الرهائن. نزل الخبر علي قلبي بردا وسلاما. كنت قد قرأت خبرا مقتضبا في الصباح الباكر علي أحد المواقع الإخبارية الالكترونية يؤكد قرب إطلاق سراح الرهائن واعتبرته من باب التمنيات الطبية. في لحظة الارتياح يأتي هاجس العتاب وزفرة الحسرة, ويثور السؤال ولم كل هذا الشر والظلم, ولماذا يضل العقل فيضيع الوطن أو يختطف, أليست النتيجة واحدة؟ احتجاز الرهائن غالبا ما تكون عملية لها دوافعها السياسية أو لتحرير أو تبادل محتجزين( حتي لو كان محكوم عليهم بالإدانة), أو للحصول علي فدية أو مقابل مالي. وفي العديد من الدول راجت صناعة( احتجاز الرهائن) حيث إن الدافع الوحيد لها هو الحصول علي المال الحرام. احتجاز الرهائن فعل مشين, جبان, إرهابي, قديم في أشكاله المتعددة, يتم لإجبار الطرف الآخر( ذي الصلة بالرهينة) علي تصرف معين أو لمنعه من إجراء تصرف معين تحت تهديد خسيس بإلحاق الأذي بالرهينة. كان هذا التقليد يستخدم قديما في المفاوضات مع الدول المقهورة أو المحتلة, للتأكيد علي تنفيذ المطلوب. ولكنه فعل مشين, حتي حين كان يتم أحيانا برضا الطرف صاحب الصلة بالرهينة لضمان تنفيذ اتفاق معين. هو تصرف جبان وإن تم بواسطة القوي العظمي, فكان الرومان والبريطانيون المستعمرون يرسلون الرهائن السياسية من أبناء أمراء القبائل ليتم معاملتهم طبقا لمكانتهم وتعليمهم وتربيتهم في روما, بما يضمن ولاء ذويهم الدائم بالاضافة إلي إعداد مشروع حاكم مستقبلي مشبع بأفكار الحضارة الرومانية, فيضمن الخاطف ولاء المخطوفين أنفسهم لو تولوا الحكم بعد إطلاق سراحهم!! واستمر هذا التصرف في العصور الوسطي, كما تم تبني هذه الممارسات في المراحل الأولي من الاحتلال البريطاني في الهند, والاحتلال الفرنسي للقبائل العربية في شمال إفريقيا. وكان المحتجزون المدنيون في مصاف أسري الحرب, الذين قد يتعرضون للعقاب أو القتل لو لم يتم تنفيذ الاتفاق أو الوعود أو الخضوع. وكان الألمان يقومون بعد استسلام مدينة بأخذ رهائن منها إلي أن يتم احتلالها بالكامل منعا للثورات أو القلاقل والعنف من قبل السكان, كما كانوا يحتجزون المسئولين أو الوجهاء من المدنيين من المدن أو المقاطعات التي تقع تحت سيطرتهم حتي يدفعوا مبالغ مالية تفرض عليهم, وقاموا في أوائل القرن الماضي1870 م باستخدام الرهائن كدروع بشرية لوقف تفجير وتدمير القطارات بواسطة قوي المقاومة الوطنية في البقاع المختلفة, فكان يتم وضع مدنيين من المواطنين المرموقين( أو غيرهم) في مقدمة القطار أو علي القاطرة ليكونوا أول الضحايا. ولقد كانت هذه الطريقة فعالة وأدت إلي تقليل الحوادث حيث أدرك الثوار أنهم سوف يقتلون مواطنيهم, ولقد تم منع هذا الإجراء/ العمل في1900 م. يعتبر احتجاز الرهائن جريمة, أو عمل إرهابي حيث أدانت الجمعية العمومية للأمم المتحدة احتجاز الرهائن وأقرت ضرورة معاقبة من يحتجز الرهائن. وأدان خبراء القانون الدولي هذه الممارسات علي أساس أن الرهائن ليسوا هم المسئولين عن التصرف العدائي, ولقد جعلت الولاياتالمتحدةالأمريكية احتجاز الرهائن جريمة فيدرالية, كما منعت القوانين الدولية توقيع عقاب جماعي نتيجة لتصرف أفراد حيث حيث لا يتحمل مسئولية تصرفهم المجموع. جريمة اختطاف الجنود المصريين أثارت شجونا عديدة. أولها, كيف ازدوجت المعايير واختل الوعي, فالفعل الخاطئ مجرم ومؤثم ومدان وغير مبرر أيا كان الفاعل, فإذا رفضنا احتجاز الجنود كرهائن فيجب أن نرفض احتجاز المدنيين من أقارب( وأخوات وأمهات) المطلوبين كرهائن, هؤلاء رهائن لا ذنب لهم في ممارسات طرف آخر, واحتجازهم جريمة. الجريمة هي الجريمة حين يرتكبها ناشط أو جهادي أو مخبول في سيناء أو حين يرتكبها مدير مباحث في قسم شرطة أو ضابط في أمن الدولة أو الأمن القومي. الشجن الثاني, وسواس سقوط الدولة, والحياة في الغابة, كل فرد يأخذ حقه بيده, فما معني أن يتم التعدي علي أكبر رموز الدولة وأشرفها, جندها, وجيشها الذي يخوض معارك التحرير ويبذل الروح فداء الوطن, وكيف يصبح الوطن في مهب الريح بلا ضابط بين ممارسات البلطجة من أفراد من الشعب أو السلطة؟ الشجن الثالث ما معني أن يطلب الخاطفون الإفراج عن محكوم عليه بأحكام قضائية نهائية, هل ضاعت ثقتنا بالعدل والقائمين علي القانون؟ هل هانت كلمة القضاء وأحكامه؟ ولماذا نتعجب وهناك جريمة جرت أمام أعين العالم أجمع, وسائلها الجمال والبغال, وصورت بالصوت والصورة, وبثت في تليفزيونات الدنيا, وخرج جميع المتهمين منها بالبراءة, فلماذا نستنكر أن يطلب كل القتلة( الذين لم يصوروا بالصوت والصورة) إسقاط أحكام الإدانة والفوز بالبراءة في زمن العدل المفقود؟ الشجن الرابع ما قولك في الذين وظفوا محنة وطن لمكاسب السياسة الرخيصة, ودفعوا الأمور إلي استعداء الجيش علي قائده الأعلي, وهم الذين استدعوه واستجدوه ليقوم بانقلاب علي رئيس منتخب, ولما فشل مسعاهم الخائب قاموا بلومه أو استبطائه وحثه أن يقوم بفعل منفرد, حتي ولو زادت الأمور إلي كارثة, فهذا مبتغاهم, والمذهل والمحير أنهم باسم الوطنية يتحدثون, ويظنون أننا عن أفعالهم غافلون. الشجن الخامس, أن ما جري كان اشتباكا بين المدنيين والعسكريين, واستدعاء واستنفارا ليتفاقم بين أبناء الوطن الواحد, الأمر الذي لم يجر في أشد الأوقات حلكة, فما بالنا إلي بحر الظلمات نتهاوي. الجانب المضيء في هذه الأزمة له وجهان الأول: حين التف أبناء الوطن الشرفاء حول جنودهم وذويهم يحوطونهم بقلوبهم, ولكن قمة الوفاء من الأب الذي أدان العمل الجبان وطلب من الجيش أن يدك حصن الغاصبين وألا تتزعزع كرامة الوطن علي أيدي الخاطفين. الثاني: أن التوافق والتنسيق والتضافر بين أجهزة الدولة أتي بثماره, أدي إلي تجاوز الأزمة. تهنئة لكل من أسهم في السيطرة علي أزمة كادت تعصف بسلام الوطن وأمنه وكبريائه.