أثارت عملية اختطاف الجنود المصريين السبعة جدلا واسعا داخل المجتمع المصري, وأعادت للأذهان الهجوم الذي تعرض له معبر رفح في أغسطس من العام الماضي عندما تم الهجوم علي المعبر وقتل الجنود وخطف مدرعتين. وقد صاحب مشهد اختطاف الجنود ردود أفعال من بعض المنابر الاعلامية وبعض المنصات الحزبية المعارضة, التي لم توجه إدانة للخاطفين أو تستنكر الحادث بأي شكل من الأشكال, بل ركزت بشكل أساسي علي إدانة الرئيس والحكومة في وقت وجبت فيه المساندة, بل لقد وصفت أية محاولات للإدارة الحكيمة بالتخاذل ومورست كل أنواع الضغوط علي الدولة لتتصرف دون تفكير وكأن الجنود هم أبناؤهم فقط وليسوا أبناء كل المصريين. وهو تصرف لم نكن لنراه في أية دولة متقدمة حيث يتركز دور الإعلام والمجتمع في تلك اللحظات علي الدعم والتماسك خصوصا إذا كانت القضية متعلقة بإرث طويل من الاهمال والمشاكل المزمنة والمركبة, بل لقد سبحت بعض المنابر ضد التيار بإعلانها أن جماعات شبابية تريد أن تسافر لتحرير الجنود المختطفين, في محاولة للتقليل من شأن الدولة وجيشها والإيحاء بأن ما حدث هو أمر سياسي وليس جنائيا. وبعدما تم تحرير الجنود جنح أداء بعض المنابر الاعلامية بعيدا عن قصة نجاح مؤسسات الدولة في الحفاظ علي أرواح الجنود إلي البحث في تعليق مشانق جديدة ومحاولة التوظيف السياسي لفعل اجرامي.. وهو أداء يتطلب المراجعة. وقضية اختطاف الجنود واجهتها بعض الدول وتواجهها القوات الدولية في العديد من المناطق حول العالم. وقد حفل العام الحالي بعدد من الحوادث التي تبعتها محاولات لإنقاذ المختطفين. وتشير تلك الحوادث لعدد من الدلائل المهمة منها: أولا:ضرورة احترام أمن الوطن القومي استشعارا لخطورة التناول الخاطئ لمثل هذه القضايا, فالجنود المحررون فئتان.. الأولي جنود من الأمن المركزي الموجود في المنطقة' ج' الممتدة من العريش شمالا حتي شرم الشيخ جنوبا, وينص البروتوكول العسكري لاتفاق كامب ديفيد علي أنه لا يوجد قوات مقاتلة مصرية في تلك المنطقة, فقط توجد قوات الشرطة المصرية ممثلة في الأمن المركزي المسلح تسليحا خفيفا, والفئة الثانية من قوات حرس الحدود في المنطقة' ب' الممتدة من بير العبد شمالا إلي سانت كاترين جنوبا. ثانيا: أهمية عدم تسييس القضايا ذات الطابع الجنائي,فعلينا إدراك أن القضية جنائية وليست سياسية وبالتالي فإن إلصاقها بأي من الاحزاب أو التيارات يصب في مصلحة الجناة ولا يقدم عملا حقيقيا لصالح الوطن. ثالثا:احترام مفهوم التوافق الوطني,حيث إن دعوة رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي لصناع القرار السياسي في مصر بدءا برئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشوري,وفضيلة شيخ الأزهر, ووزراء الخارجية, السياحة,والإعلام, بالإضافة إلي فضيلة مفتي الجمهورية,مرورا بكل الاحزاب السياسية ورؤساء وممثلي الكنائس المصرية, لمناقشة تداعيات قضية الجنود المختطفين,هذه الدعوة نقطة قوة وليست ضعفا كما يدعي البعض, لإرساء تقليد جديد في اتخاذ القرارات الوطنية المصيرية يعتمد علي الحوار وعرض كل المعطيات بشكل موضوعي, ويعكس قدرا من استشعار ضرورة التعامل معها بأكبر قدر من الحكمة بما يحقق الاصطفاف الوطني وهنا- وفي مثل هذه القضايا- لابد من ردم أية خلافات والارتقاء الي مستوي المسئولية الوطنية. رابعا: ضروة بناء مفهوم حماية الحدود, الذي يجب ألا يرتكز فقط علي دور الأفراد المجندين بل علي دور التكنولوجيا والتدريب في جمع وتحليل المعلومات بالغة الخطورة,فهناك حاجة حقيقية لإعادة النظر في القضية من منظور أشمل للأمن القومي, والأخذ في الاعتبار أن المشكلات الأمنية التي تلت ثورات الربيع العربي أثرت علي أمن المنطقة خاصة مع تصاعد الاحداث في ثورة ليبيا وما نتج عنه من انتشار واسع لتجارة السلاح لجميع الدول المجاورة وهو مجال مهم للعمل. خامسا:العلاقة بين المواطن والدولة لاتزال بحاجة إلي طرح جديد في أكثر من مجال,فلقد عكس قيام المجندين بإغلاق معبر رفح احتجاجا علي اختطاف زملائهم حاجة المؤسسة الأمنية إلي تعزيز تماسكها الداخلي في مثل هذه المواقف, وضرورة إعادة النظر في الحقوق الأساسية والبسيطة والظروف الحياتية للمجندين الذين يعملون في مناطق غاية في الحساسية وتحت ظروف عمل بالغة الخطورة,ولذا فان تعزيز الديمقراطية الداخلية للأجهزة الأمنية أصبح مطلبا لا يمكن تأجيل التعامل معه. سادسا: هناك اعتبارات عدة عند تعامل قوات الأمن مع محتجزي الرهائن, أولها المحافظة علي حياة الرهائن من خلال استنفاد الوسائل السلمية, ورغم أن الموقف قد يتم تفسيره علي أنه تحد لهيبة الدولة في ظل ضغوط تمارس بشكل كبير من جميع الاطراف لحسم الموقف إلا أن حياة الفرد لها قيمة أيضا, وجزء من هيبة الدولة يكمن في قدرتها علي إدارة القضية بشكل يصون تلك الحياة. سابعا:إن اتخاذ قرار البدء في عملية اجتماعية ومعلوماتية أولا يحافظ علي الضحايا ويعكس خيارا إنسانيا مهما مفاده أن من حق أسر الضحايا أن تحافظ الدولة علي حياة أبنائهم قدر الإمكان وهو مفهوم كان غائبا لدي البعض الذين حشدوا قطاعات من الرأي العام نحو سرعة الحسم وأولوية الخيار الأمني. ثامنا: التفاوض أمر غير مؤثم حتي وان لم يحدث في هذه القضية, وهو خيار ينبغي ألا يغيب عن أجندة التعامل الأمني, وإجراء تقوم به جميع دول العالم لأنه الإجراء الوحيد الذي يسمح بالحفاظ علي أكبر عدد من المواطنين أحياء وما ينطوي علي ذلك من تعزيز لمفهوم العدالة والحصول علي معلومات حول جميع الأطراف المشاركة في الجريمة. وأخيرا: رغم كل الظروف السياسية والاقتصادية الضاغطة لاتزال سيناء تطرح نفسها كأولوية ملحة علي خريطة التنمية, وتؤكد تلك الأحداث أننا يجب أن نكون هناك. لمزيد من مقالات د.ياسر على