مل العقلاء والخبراء من التحذير من الهجرة المستمرة للعقول والخبرات العربية والذي يمثل نزيفا دائما للقدرات والطاقات البشرية وإحباطا لأملها في إحداث التنمية المأمولة اعتمادا علي سواعد أبنائها وعلمائها, وتشير دراسة لجامعة الدول العربية حول هذا الموضوع أن هجرة العقول العربية زادت نسبتها كثيرا في الأعوام الماضية, إذ أظهرت الدراسة أن نحو70 ألفا من مجموع300 ألف متخرج في الجامعات العربية يهاجرون من بلدانهم سنويا, وتقدر التكلفة المادية لخسائر الدول العربية من هذه الهجرة بحسب بعض التقديرات مبلغ1.57 بليون دولار سنويا, ومن ناحية أخري قدر أن البلدان العربية تسهم ب31% من هجرة الكفاءات من الدول النامية, وأن50% من الأطباء, و23% من المهندسين, و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون إلي أوروبا والولايات المتحدة وكندا, وأن54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلي بلدانهم, ويشكل الأطباء العرب في بريطانيا حوالي34% من مجموع أطبائها, وتتصيد ثلاث دول غربية غنية هي أمريكا وكندا وبريطانيا نحو75% من المهاجرين العرب, حتي أن البعض قدر أن الفضل في استمرار رخاء وتقدم الغرب والولايات المتحدة بالذات يعود لجهد وعمل موارد بشرية تمت تنشئتها وإعدادها والصرف عليها في الدول النامية. وعلي صعيد آخر يلاحظ أيضا انخفاض نسبة المهاجرين العرب الذين يقصدون دول مجلس التعاون الخليجي من72% عام1975 إلي31% عام1990, وما بين25 و29% عام2002, والنسبة في تناقص سنويا حيث يعرف أن هذا التراجع يأتي لمصلحة العمالة الآسيوية والتي أصبحت تشكل نحو ثلثي العمالة الوافدة إلي دول الخليج. ومما لا شك فيه أن تلك الأرقام والمؤشرات تؤكد أن نزف الأدمغة لا يزال يجري بكثافة نحو الغرب ليصب في خانة رفع معدلات التنمية والتطور في تلك البلدان, محدثا فراغا وفجوة كبيرين في توازنات التنمية بينها وبين الدول العربية التي تعاني من الخسائر المركبة نتيجة إهدار ما أنفق علي إعداد هذه العقول وتضاؤل فرص الاستفادة منها في إحداث التنمية الوطنية والاقليمية, ومن ناحية أخري تتكبد الدول العربية أموالا طائلة لاستقدام الكفاءات الأجنبية اللازمة لسد الفراغ بالمشروعات العربية, العقول المميزة تطير وتهجر عشها فتنجح, والعقول الخاملة تبقي وتعطل تقدم الحياة ونهضتها بالدول العربية وخصوصا في ظل انحسار فرص العمل لغير المؤهلين والماهرين, ما يعني تراكمها وتزايد أعدادها, وهذا ما قاد إلي تفاقم الأزمات وارتفاع معدلات البطالة وتزايد الفقر. والمعروف أن محاصرة العقول وتكبيل إبداعاتها سيضطرانها إلي الهجرة المستمرة للخارج بحثا عن ورغبة في حياة وفرصة عمل أفضل وأيضا لمواصلة البحث العلمي في أجواء علمية تحفز علي الابداع والابتكار, وعوامل جذب أخري مادية ومعنوية لا تخفي علي الجميع. والمؤكد أنه في ظل الجمود العربي وهجرة العقول المميزة, لن يتغير أبدا الواقع العربي, وسيستمر كل مبدع وموهوب ومؤهل يبحث عن بيئة ومناخ ملائمين, يستوعبان أبحاثه وأنشطته خارج حدود البلاد العربية. هذا النزف المستمر والذي يهدد مستقبل الدول العربية يستحق وقفة جادة توقفه وتعيد تلك العقود إلي أوطانها أو علي الأقل تساعد علي إيجاد قنوات وآليات للاستفادة منها, وأيضا تحفيز الموجودة منها عن طريق توفير البيئة المناسبة للإبداع ومنحها ما يشجعها علي مزيد من البذل والعطاء, وقبل ذلك البقاء والاضافة.