"إعادة الاندماج" برنامج يبرئ ألمانيا من "سرقة العقول" محيط – زينب مكي
في الوقت الذي كشفت فيه الدراسات أن حوالي 70 ألف من خريجي الجامعات العرب يهاجرون سنوياً للبحث عن فرص عمل في الخارج، وأن نسبة 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى أوطانهم بعد انتهاء سنوات دراستهم.
وفي الوقت الذي يزداد فيه اتهام الغرب باستقطابه تلك الكفاءات من الدول الفقيرة، طرحت الوزارة الإتحادية للتعاون الإقتصادي والتنمية في المانيا برنامج لإعادة الإندماج يساعد الكوادر الاجنبية ، التي درست في الجامعات الألمانية في العودة الى بلادهم للمساهمة في العملية التنموية.
وتمثل ظاهرة هجرة العقول العربية إلى الخارج خاصة الولاياتالمتحدة وكندا وبعض الدول الأوروبية هاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء، ففي كل يوم جديد تزداد معاناة العالم العربي من هجرة لعقول وكفايات وخبرات شابة فضلاً عن تلك الخبرات والكفايات التي هاجرت منذ عقود واستقرت في دول الغرب، وراحت ثمراتها وجهودها ابتغاء حضارة الغرب ومدنيته.
ووفق لما نقله موقع التلفزيون "دويتشه فيليه" على شبكة الإنترنت ترعى الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ) منذ ثمانيات القرن الماضي برنامجا يحمل اسم "برنامج إعادة الاندماج" الذي يتولى مساعدة الكوادر الأجنبية التي تلقت تعليمها في الجامعات والمعاهد الألمانية على العودة إلى بلدانها الأصلية، وتسهيل اندماجهم في سوق العمل هناك، وبدورها أسندت الوزارة مهام التنسيق إلى مركز الهجرة الدولية والتنمية (CIM) التي ترعاها مجموعة من المؤسسات الألمانية.
وحسب ما أوضحته كيرستينه شاوب، المشرفة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا داخل مركز الهجرة الدولية والتنمية، ويشمل برنامج "إعادة الاندماج" ثلاثة وعشرين دولة من بينها المغرب وتونس وسوريا والأردن ومصر، إلا أنها ترى أن المغاربة يحضون بنصيب الأسد مقارنة بمستفيدين عرب آخرين نظرا لتواجدهم القوي نسبيا في ألمانيا ولارتفاع أعداد الراغبين فيهم في العودة إلى البلد الأم.
و ترى شاوب أن البرنامج له بعد سياسي تنموي، إذ أنه يسعى إلى نقل الخبرات والعلوم إلى البلدان النامية، وذلك عبر الكوادر التي تلقت تعليمها في المؤسسات الجامعية الألمانية التي بإمكانها أن تساهم في دعم المسار التنموي في بلدانها الأصلية.
بالإضافة إلى ذلك أشارت شاوب إلى أن البرنامج يعتمد في عمله على شركاء محللين وتقول في هذا الإطار "كان لا بد من إيجاد شركاء في الميدان، لهم دراية كافية ليس بشِعاب البلد فحسب، وإنما بمنظومته الاقتصادية أيضا"، حيث تقوم شبكة من المشرفين المحليين على البرنامج بمواكبة جميع المراحل التي يمر بها المستفيدين منذ أن تطأ قدمهم أرض بلاده الأصلية إلى أن يجدوا فرصة العمل المنشودة.
وعن الخدمات التي يقدمها البرنامج للمهتمين، يشير موحى الزبدي، المشرف الميداني عن برنامج "إعادة الاندماج" في المغرب، إلى أنها تتجلى في تقديم المساعدة لهذه الكفاءات حتى يجدوا وظيفة تتماشى ومجال اختصاصهم عن طريق الاتصال مباشرة مع أرباب العمل بحثا عن وظائف شاغرة تتلاءم مع اختصاصات المستفيدين.
وفي إطار هذا الدعم تحظى الكوادر المستفيدة على مساعدة مالية شهرية بمتوسط خمسمائة يورو لمدة عامين، كدخل يُضاف إلى ذلك الذي تتقاضاه هذه الكوادر من الشركات المغربية والذي عادة ما يكون هزيلا مقارنة بما اعتادوا عليه في ألمانيا.
إلى جانب ذلك يقدم البرنامج أيضا مساعدات تنظيمية كالبحث عن السكن أو تقديم دورات لتعلم اللغة الإنجليزية أو الفرنسية لمن هو بحاجة إلى ذلك.
وعن شروط قبول طلبات الاستفادة من البرنامج، فيقول الزبدي "يجب على مقدم الطلب أن يكون حاصلا على شهادة عليا من أحد الجامعات الألمانية، أو يتوفر على تجربة مهنية عالية لا تقل عن سنتين، كما أن عليه أن يكون مختصا في قطاعات تخدم المسار التنموي، كالمجال البيئي والقطاع الاقتصادي والاستثماري ومجال الخدمات". وعلى صعيد متصل ووفقاً لتقرير حديث أعدّته جامعة الدول العربية مؤخرا، حذّرت فيه من تنامي هذه الظاهرة، يقدّر تعداد العلماء والأطباء والمهندسين من ذوي الكفاءات العالية من العرب الذين يعيشون خارج أوطانهم ب450 ألفاً.
كما كشفت دراسة صادرة عن مركز "الخليج للدراسات الإستراتيجية" إن الوطن العربي يسهم ب 31% من هجرة الكفاءات من الدول النامية، حيث يهاجر 50% من الأطباء و23 من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية متوجهين إلى أوروبا والولاياتالمتحدة وكندا بوجه خاص.
وأرجعت الدراسة أسباب هجرة العقول العربية للخارج إلى عوامل عدة وأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية، تؤثر في تطور الاقتصاد القومي العربي وفي الترتيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية، وتكتسب هذه الظاهرة أهمية في ظل عدم توفير البيئة المناسبة للسيطرة التامة على الكفاءات في أي قطر عربي مما نتج عنه تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة.
وفي استطلاع أجرته شبكة الإعلام العربية "محيط " حول تأييد القراء لهجرة العقول العربية للخارج في وقت سابق، جاءت نسبة المعارضين 55.46 %، في مقابل نسبة المؤيدين التي بلغت 21.02 %، بينما أيد 23.51 % من القراء هجرة العقول العربية إلي الخارج في حالة الضرورة فقط. ووفقاً لإحصائيات صادرة عن جامعة الدول العربية ومنظمة العمل الدولية ومنظمة «اليونيسكو» والمؤسسات العربية والدولية الأخرى، فإن حوالي 100ألف عالم وطبيب ومهندس يغادرون لبنان وسوريا والعراق والأردن ومصر وتونس والمغرب والجزائر سنوياً، 70% منهم لا يعودون إلى بلدانهم الأم.