بعيدا عن تمرد وتجرد, أقول أنا من أنصار تعقل أي أنني مع الشرعية, ومع إعطاء الفرصة للعمل, ثم المحاسبة, وأن الوسيلة الديمقراطية الوحيدة لإقصاء الإخوان أو لإسقاط الرئيس هي صناديق الانتخابات, وليس تلك الألعاب الصبيانية التي تلجأ إليها المعارضة غير الواعية, والتي لا تعرف مصلحة الوطن, وبما أننا نتحدث عن الانتخابات, فأنا أري أن هناك علاقة كبيرة بينها وبين الموالد الشعبية. وفي سبيل الفوز في الانتخابات والاستحواذ علي أصوات الناخبين قد يلجأ المرشحون إلي أي وسيلة كانت سواء مشروعة أم غير مشروعة, مستحبة أو مكروهة, معروفة أم مستحدثة, فالمهم هو الوصول إلي الناخبين والتأثير عليهم بأي طريقة ممكنة, وجعلهم يذهبون إلي الصندوق ويختارون إسم المرشح, الذي قد لا يرونه بعد ذلك, إلا إذا فكر في الترشح مرة أخري. ومن بين المناسبات التي تحولت إلي مناسبات انتخابية الموالد الشعبية التي تعتبر مصر من أهم وأولي الدول احتفالا واهتماما بها, والتي فطن إلي أهميتها المرشحون سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين, فكل منهم سيجد بغيته, فموالد المصريين منها ما هو إسلامي ومنها ما هو قبطي. ولذلك يحرص حاليا المشتاقون إلي مقعد من مجلس النواب القادم علي الحضور إليها والمشاركة فيها, حتي لو اقتضي الأمر أن يتشبهوا بالدراويش, وينضموا إلي حلقات الذكر, ويتباروا في هز الرؤوس وترتفع أصواتهم: حي.. حي وقد يضيفون إليها حي.. حي.. المجلس جي وبالطبع يسبقهم إلي طوابير الذكر وسرادقات الموالد أتباعهم ومريدوهم يمهدون لهم ويهيئون النفوس ويبشرون بكراماتهم, وتحقيقهم للآمال وحلهم للمشكلات. ومن هؤلاء المرشحين من يعد من محدودي الدخل فتقتصر مشاركته في المولد علي إطلاق الوعود, كما يطلق سدنة المعبد البخور, ومن يعد ميسورا, فيذبح الخرفان والعجول, عملا بنصيحة البعض: اطعم الفم تستحي العين فهو يقدم اللحم والثريد, حتي يفعل من يأكلون ما يريد, ويقنعهم بأنه البطل الهمام, جاء إليهم من روايات عنتر وأبو زيد, ليستخلص لهم الحقوق, ويحقق لهم الأماني, حتي لو اضطر إلي استخدام الجان. وبهذه المناسبة وحتي ندرك خطورة الموالد كسلاح للدعاية في الانتخابات يمكن أن يستغله المتاجرون بمشاكل وأحلام الناس, الراغبون في السير إلي مجلس النواب عبر جسر الأماني محاطين بهتافات المريدين وزغاريد المريدات, نقول إن موالد مصر الشعبية عددها2850 مولدا وعدد زوارها نحو40 مليونا علي مدار العام, ولا تخلو محافظة أو مدينة مصرية من مولد. وتعتبر الموالد الشعبية بانوراما مصرية خالصة لخصتها المخيلة الشعبية بتراكم الخبرة والسنين, وترتبط بسير أولياء الله الصالحين وتخليد ذكراهم, كما تعد سوقا مفتوحة لكل صنوف البشر, من الفقراء وأبناء السبيل والأغنياء والمشاهير, لذلك طالتها خفة دم المصريين, فنحتوا من طينها المثل الشعبي الشهير مولد وصاحبه غايب في دلالة علي متاهة الفرح وسط الجموع, بالنسبة للفقراء وأبناء السبيل تعد الموالد مناسبات ينتظرونها علي أحر من الجمر, كما تعد موسما للغجر والحواة وأصحاب السيرك والملاهي والألعاب الشعبية كالمراجيح ودفع الأثقال والنيشان( الرماية). ويرتادها جيش جرار من باعة المأكولات الشعبية والحلوي وعرائس المولد والتسالي, مثل الحمص وحب العزيز, بالاضافة لطيف آخر بالغ التنوع من بائعي ألعاب الأطفال. كذلك يقصدها كثيرون من الأثرياء أو ميسوري الحال الذين يجدون فيها فرصا مناسبة لإطعام المساكين. وفي كل ذلك بالطبع صيد ثمين للمشتاقات والمشتاقين من الراغبات والراغبين في تحويل هذه المناسبات الدينية إلي سرادقات انتخابية, وهي فرصة لعمل بلطجية الانتخابات, وصرف الأموال المغسولة في سبيل تحقيق أمنيات المرشحين, فلا مانع من بضعة آلاف تصرف في الموالد سواء علي المراجيح حتي يدلل المرشحون الناخبين, أو في الملاهي والسيرك, لكي يذهب الناخب إلي الصندوق وهو معتدل المزاج, أو في جلسات الذكر وخاصة إذا كان المرشح من السلفيين أو الجماعات الدينية. أي أن المرشحين من جميع التيارات سيجدون كل ما يبحثون عنه, من أنواع وأصناف الناخبين, ولكل نوع وصنف مكانه وهدفه في المولد, والمرشح الشاطر هو الذي يعرف ما يريده الناخب الذي يبحث عنه, ويعرف كيف يكسبه إلي صفه, وهو لن يتعب كثيرا, فكل الأسلحة الانتخابية موجودة في المولد, وهكذا وبعد اليوم لن يكون هناك مكان للجملة الشهيرة مولد وصاحبه غايب, فأصحاب الموالد حاضرون, ويعرفون كيف منها يستفيدون!!. رابط دائم :