قام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بزيارة إلي روسيا تلاه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون فنظيره الإسرائيلي بنيامين نتانياهو, لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعدول عن مساندة الرئيس السوري بشار الأسد وعدم تسليمه صواريخ من طراز(S-300) أرض جو, لتبدي روسيا رفضها لهذه المطالب ليتولي بنفسها إعادة توازن القوي في المنطقة حسبما أشار الموقع الفرنسي كوكب بلا عنف, فكيف تسني لها العودة للمنطقة ؟ لعبت عدة عوامل اقليمية وأخري دولية دورا في عودة روسيا بقوة إلي الشرق الأوسط, والتي كان آخر حضور لها في عام1992 بعد سقوط حائط برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق, كي تقررالعودة من جديد إلي المنطقة في أبريل الماضي, وأرسلت بالفعل سفنا حربية وزوارق, وغواصات نووية إذا اقتضي الأمر, حسبما صرح المسئولون الروس. وفيما يتعلق بالعوامل الدولية, فأن ما حدث في سوريا كان بعيدا كل البعد عما يسمي بالربيع العربي وكان محاولة أمريكية لرسم خريطة جديدة للمنطقة تمهيدا لمحاصرة روسيا في مرحلة لاحقة, ولأن موسكو تدرك ذلك, ولأنها أيضا رفضت طلب واشنطن بقطع علاقاتها مع الصين, فقد قررا معا موسكو وبكين العمل علي إفشال المشروع الأمريكي الذي إذا ما كتب له النجاح سيلقي بروسيا في مصاف الدول التابعة وليست الدول العظمي. وإذا كان المحللون يرون أن هذا التحول يرجع في جانب منه إلي مقتل القنصل الأمريكي في ليبيا( كريس ستيفنز) إلا أن أهم عامل دولي دفع بالغرب خارج منطقة الشرق الأوسط, ومهد الطريق أمام عودة روسيا, هو الأزمة الاقتصادية التي أرغمت معظم الدول الغربية علي الانكفاء وإعلان خطط التقشف الاقتصادية, وفي الوقت نفسه ازدهار مجموعة بريكس, بما فيهم روسيا والصين, ودول أمريكا اللاتينية التي أوصت روسيا بعدم الانصياع لأي مطلب غربي يتعلق بسوريا. وفيما يتعلق بالعوامل الإقليمية, ركنت روسيا إلي حلفائها في المنطقة وبالتحديد جبهة الممانعة المكونة من سوريا وإيران وحزب الله, و وطدت روسيا علاقاتها بهم خلال الأزمة السورية التي أوشكت علي الانتهاء, وتزامن ذلك مع رفع الحظر الذي كان مفروضا علي تصدير الأسلحة للعراق, والتي ما أن تسني لها ذلك حتي أبرمت بغداد صفقات أسلحة مع موسكو بمبالغ هائلة طبقا لما ذكره موقع دي دفونسا الفرنسي المعني بالشئون العسكرية, وكان لايران دور في هذا التقارب العراقي الروسي الذي كان قائما حتي الغزو الأمريكي للعراق عام.2003 وعلي الجانب الآخر وطبقا لذات المصدر, أدركت المملكة العربية السعودية أن تحالف إيران وسوريا وحزب الله أعاد توزيع أوراق اللعبة في المنطقة, وبات الأمر يقتضي العمل علي حماية مصالح المملكة في المنطقة و خاصة في لبنان مع عائلة سعد الحريري, لاسيما وانه بات يلوح في الأفق تولي حزب الله الحكم في لبنان, فضلا عن إعلان روسيا دعمها إلي كل حلفائها في المنطقة ومن بينهم حزب الله بالتأكيد. ونظرا كذلك لانحسار الدور الأمريكي في المنطقة, بفعل حربها ضد العراق وهزيمتها في أفغانستان ودورها في تدمير ليبيا, وزيادة الاضطرابات السياسية التي تجتاح المنطقة تحت مسمي الربيع العربي, والذي لم يعد للغرب قدرة علي احتوائها أو التحايل عليها, أدركت المملكة العربية السعودية أن مستقبل المنطقة أصبح بيد روسيا وأن مصالحها في لبنان تقتضي التقارب مع موسكو, خاصة انه لم يكن هناك خلاف مباشر بينهما. وعلي هذه الخلفية, بات حديث كيري و كاميرون و نتانياهو عن صواريخ(S-300) ليس له معني, وأصبح حلفاؤهم في المنطقة في وضع يرثي له, لتستعيد روسيا دورها الرئيسي كي يدور في فلكها كل من سوريا والعراق وإيران و حزب الله أما عن علاقاتها بإسرائيل, فمن المحتمل ان تعمل موسكو علي تأمينها وتأمين الدول العربية في الوقت نفسه من تهديداتها.