تعد أشعاره تأريخا لمشاعر الوجدان المصري,أثر في الوعي الشعبي كما تأثر به في أعماله التي كانت خليطا بين حلمه بالمستقبل وتجربته الحياتية, وهو ما جعل اسم سيد حجاب مبدعا من طراز خاص أعماله صالحة لكل وقت تشير إلي القادم بهمة وتمتليء بروح التفاؤل والوطنية... في مكتبه بمنزله بالمعادي التقينا به لإجراء الحوار الذي تحمله الأسطر القادمة, لكن المكان كان لافتا للنظر يعبر عن الدفء والتنوع الذي تحمله روح سيد حجاب به مكتبة ضخمة تضم العديد من الكتب المتنوعة في كل المجالات, بجانب مكتبة موسيقية هائلة, وركن اخر للجوائز بجواره آلتا عود, وعدد من الاعمال الفنية في الأركان وفوتوغرافيا علي الحائط وكل هذا يحمل الطابع الشرقي بامتياز, وعن الشعر والدراما والوضع الثقافي, وأشياء أخري كان هذا الحوار.* لماذا لم يلمع اسم لشعراء العامية بعد جيل الستينيات؟ ** أحب في البداية أن أسمي هذا النوع بشعر العربية المصرية الحديثة بدلا من شعر العامية الذي يوحي بنوع من السوقية والعمومية, رغم انه لغة الحياة اليومية, هكذا يتكلم المصريون العربية في زماننا, لكن هذا النوع الشعري لا بدأ عند بيرم ولا انتهي عند احد المسألة بدأت من قبل ذلك, بعد الفتح الاسلامي بقليل اختلط العرب بالمصريين وتكونت لغة الحديث اليومي, دائما كان الشعر الفولكلوري بالعامية وبعض الازجال من الجبرتي وابن الياس, لكن اكبر اسم عرفناه كان عبد الله النديم وجاء بعده العديدون منهم بديع خيري, وبيرم التونسي, ومرسي جميل عزيز وأحمد رامي, والسلسال طويل ولا ينتهي لأنه بعد جيل الستينيات جاءت اجيال كثيرة حتي أخرهم الجيل الذي برز مع الثورة, واظن ان ثورة25 يناير بشارة بانقلاب مهم في الثقافة المصرية وتأسيس ثقافة حديثة ظهرت في الميدان بالشعراء والمغنون, ومن خلال المشاهد المسرحية ونحن ننتظر ثورة ثقافية حقيقية تصاحب تلك الثورة التي نحلم باكتمالها. * إذن هل تري أن هناك ثورة عقلية صاحبت ثورة يناير؟ ** كانت ثورة25 يناير اعلانا حقيقيا بميلاد ثورة ثقافية جديدة إتضح هذا عندما اسقط الثوار منظومة القيم التي كانت سائدة تبرر الخيانة والالتحاق بالمعسكر الاستعماري, فاعلنوا هذا بهتاف ايد واحدة وسلمية سلمية, فكان اعلانا بثقافة وحدة وطنية وثقافة السلمية وعبرت عن نفسها في الجرافيتي والشعارات التي نادت بها, وفي المشاهد المسرحية منها المحاكمة الشعبية وهذه الاشياء بشير بأن هناك تغييرا في منظومة القيم التي تحكم حياتنا والأساس الثقافي الذي تبني عليه حياتنا في مصر, اعتقد ان الثورة العقلية قد بدأت, وان العقل المصري في سبيله للخروج من عوالم الجهل والخرافة إلي عوالم العقل والعلم. * لكن ألا تري أن تلك الثورة العقلية توقفت عن الحركة؟ ** كام شوفنا مصر بيحرقوها غيلانها, وتقوم وتصحي من رماد الحريق, وأزوريس بيقطعوه فوق غيطانها, وإيزيس تلمه بحب يرجع جريء, وأنا كنت قلت زمان إن الطوفان جاي بعيد, وقبل ما أكمل كلامي وصل وقف كأن اللي حصل ما حصل وقوس قزح داب في النواح والعديد, لسه بقول ان الطوفان جاي أكيد بس الزمان ساعات مايمشيش عدل بس الشعوب بترجعه يتعدل و الدنيا تبقه عيد قيامة مجيد, الثورات ليست زرا للنور نضغط عليه فتضيء الدنيا الثورات عملية ديناميكية مستمرة فيها نقاط نجاح واخري تعسر, نحن الآن في حلقة صراع بين قوي الثورة والثورة المضادة, لكن الثورة ستنتصر بشبابها الطليعي. * وماذا عن حلمك بالمسرح الغنائي, وهل تري ان له مساحة للتواجد الآن؟ ** اول مسرحية كتبت اشعارها كانت حدث في اكتوبر, ومسرحية نرجس, لكن كتبت مسرحية بأشعارها لمسرح العرائس بعنوان أبو علي, وأظن المسرح الغنائي قادما لا محالة فالحلم مازال قائما وأتصور ان هذه الثورة هي بشارة بعودة المسرح الغنائي بصيغة جديدة ربما بصيغة الاوبرا الشعبية. * كتبت أغنيات وفوازير وللاطفال وتترات لأعمال دراميا كيف تعمل علي كل هذا بنفس الجودة؟ ** أظن كل منها يرسل رسالة وجميعها يكمل بعضا في هذه الرسالة لكن القاسم المشترك انها كتابة تنبع عن شاعر مهموم بامور الدراما وبالمستقبل, ويتضح هذا في مشاركاتي الدرامية, فهي تختلف عمن سبقوني لشعراء كبار آخرين, لانها تشكل جزءا من الدراما في التتر او في داخل العمل لا تعوق لكنها تكثف الدراما والرسالة, وهذا يستلزم معرفة بأصول الدراما وبصياغتها وبنائها, اما كتابة الاطفال فكانت اصعب شيء لذلك فإن الذي يكتب للطفل يجب ان يكون محتفظا بالطفل الذي بداخله رغم تجارب السنين, فليس كل من كتب للطفل وصل وفيما يخص الفوازير كانت في زمانها برنامج المنوعات الاستعراضي الوحيد الذي يقدمه التليفزيون وسبقني فيها العديد من الكتاب المجيدين, لكن الفرق الاساسي انهم كانوا يبعثون برسالة حلم ملون ممتع للعين والاذن فقط, لكن انا حولتها لرسالة تنويرية ومعرفية مصاحبة. * ولماذا توقفت عن الكتابة للأطفال بالرغم من النجاح الذي حققته فيها؟ ** أكتب كلما تيسر فكان عندي انا وعمار الشريعي حلم ان نعمل مكتبة شاملة للطفل غنائية, وكنا ننتهز كل فرصة في اعمالنا وان ندس بعض تلك الأغاني في المسلسلات مثل اغاني عبد المنعم مدبولي او مسلسل وقال البحر وكلما استطعنا ان نقوم بذلك كنا نقدمه, وعملنا اوبريتات مثل اوبريت الساعة للفنانة عفاف راضي وأخرجه يحيي العلمي, ودنيا جديدة لصفاء أبو السعود, واعتقد أن هم الطفل ليس بعيدا عن اهتمامي لكنها ظروف إنتاج والواقع هو من يحكم. * في رأيك ما أسباب بقاء مسلسلات مثل ليالي الحلمية في الذاكرة في مقابل الهروب من الدراما المصرية لمثيلاتها السورية والتركية الآن؟ ** أذكر جيدا بعد النكسة وسقوط المشروع الناصري لمصر كانت هناك بالتليفزيون المصري مدرستان للدراما مدرسة تهتم بالتسلية الخالصة وأخري تهتم بالتنوير من خلال التسلية وكنت أنا من ضمن هؤلاء, وكانت هناك كتيبة من المخرجين والكتاب المهمين جدا مثل أسامة أنور عكاشة, ومحفوظ عبد الرحمن, يسري الجندي, ومحمد جلال عبد القوي, ومحسن زايد, ومنها كشعراء انا وملحنين مثل عمار الشريعي, فكانت هذه المجموعة تشكل كتيبة مقاومة ودفاع عن الحلم الذي هوي مع استشراف حلم قادم, فكانت المسلسلات تعكس المصرية والحلم بالمستقبل رغم أزمات الحاضر فكان هذا الفكر السائد في تلك الأعمال واعتقد انه تسلل للمشاهدين خاصة الذين عاصروا تلك الفترة, وهذه المجموعة أسست للدراما الجادة رغم تغير الزمن والظروف الانتاجية, لكنها بدأت تترك مكانها الآن للدراما السورية والتركية لكنني أتصور أنه من الضروري ان يعود إنتاج هذه الأعمال الجادة والتنويرية. * ما هو المشروع الذي يمكن أن يتمسك به المبدع ليقدم تلك الأعمال التنويرية؟ ** نحن الآن في قلب العاصفة ومصر تتغير والمزاج المصري تغير منذ فترة لكن لم يلتفت له احد بدأ في ظني منذ غزو العراق وسقوط ما يسمي بالمسرح السياحي, وهذا اثر في المزاج المصري وكان هذا واضحا في الموجات الموسيقية موجة بعد موجة كان هذا يعكس هذا التغير, ووصل هذا التغيير لنقطة فاصلة في حرب2006 بضرب لبنان ومقاومة حزب الله, لكن توالت موجة من الافلام الجادة والتي تؤكد اننا علي اعتاب سينما مختلفة, وسقط الغناء القديم ورفضه الثوار, وبدأ ميلاد فرق جديدة غنائية وفرق مسرح حرة وانتعشت السينما التسجيلية, فهناك فنون تولد واخري تغرب, لأن المزاج المصري الذي كان مستسلما ويبحث عن التسلية بدأ يلتفت للحياة والوجود ونحن في حاجة الآن لفنون وآداب جديدة بدأت تشق طريقها للنور. * هل تري أن شباب المثقفين الآن يمكن ان يكرسوا لتطلعاتهم مثلما فعلتم في جاليري68 ؟ ** تأسست مجلة جاليري68 بعد النكسة مباشرة حين ادرك مجموعة من المثقفين وانا منهم أنه بعد النكسة أن حائط الصد الاساسي بعد الهجمة الاستعمارية هي الثقافة العابرة للأيديولوجية في اتجاه الوطنية وأكثر اقترابا من الآفاق الانسانية وهذا ما استطاعت انه تقوم به جاليري68, كان هذا ظرفا تاريخيا معينا وحسا مقاوما عند بعض المثقفين في زماننا, واعتقد ان عند شباب مثقفين هذه الامة المنفتحين علي العالم كثير من تلك الاحلام هم شباب عابر للطبقات والايديولوجيات. * هل مازلت تري النخبة خائنة للثقافة حتي بعد الثورة؟ ** مازالت النخب تلهث وراء الشارع ومازال الانسان البسيط يسبق النخب المثقفة, واظن ان المتسق مع نفسه من هذه النخب هو من سيلتحق بالنخب الشابة الصاعدة. * معني هذا ان الجماهير خرجت للثورة دون التأثر بالنخبة؟ ** جاءت إلي الساحة نخبة جديدة شابة منفتحة علي عصر المعلوماتية واستطاعت ان تشخص الداء والعلة وابتكرت كلمات بسيطة داعبت بها الحلم النائم في قلوب المصريين من حرية وعدالة اجتماعية, فاستطاعت ان تجتذب الناس وراءها فكان دور النخبة ضروريا لأن النخبة سابقة بالوعي عن الجماهير, والأهم أن هذه النخبة الجديدة عابرة للطبقات عابرة للإيديولوجيات سلمية التوجهات وطنية بالاساس تحمل مشروعا للمستقبل. * كيف تجاوزت فكرة العمل مع ملحنين آخرين بعد رحيل عمار؟ ** أنا وعمار كنا شديدي القرب كل منا للأخر ومعظم اعماله معي لكن هذا لم يمنع انه عمل مع شعراء آخرين وانا عملت مع عدد من الملحنين, من المؤكد انني افتقد عمار كثيرا ولا يمكن استبداله بآخر لكن الحياة لا تتوقف. رابط دائم :