إذا صح ما نشرته الزميلة المصري اليوم قبل نحو أسبوع, من نصوص تسجيلات دارت بين قيادة بارزة في جماعة الإخوان, وأخري من حركة حماس, في الأيام الأولي للثورة, التي استبقت تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم, فإننا نكون أمام جريمة مكتملة الأركان, تصل إلي حد الخيانة العظمي, فضلا عن كونها فضيحة سياسية بامتياز, للجماعة الحاكمة في مصر, لا تقل في حقيقة الأمر, عن تلك الفضيحة التي تعرض لها الحزب الجمهوري مطلع السبعينيات, وكانت سببا مباشرا في الإطاحة بالرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدةالأمريكية, ريتشارد ملهاوس نيكسون. إذا صح ما نشره, وأغلب الظن أنه صحيح, إذ لا يمكن أن يقدم صحفي عاقل علي نشر تفاصيل مثل تلك الخبطة الصحفية الكبري, إلا إذا كان تحت يديه من الوثائق ما يؤكد سبقه, وكان تحت يد الصحيفة نسخة من النصوص الصوتية لمثل هذه التسجيلات, فإننا نكون أمام جريمة تخابر كاملة, لا يجب التعاطي معها بمثل هذا الاستخفاف الحاصل, سواء من قبل أجهزة التحقيق المختلفة, أو مؤسسة الرئاسة التي لم يصدر عنها حتي اليوم تصريح واحد, وقد كان لزاما عليها في مثل هذا الموقف الذي يتعلق علي نحو مباشر, بالجماعة التي ينتمي إليها الرئيس, أن تخرج ببيان, يؤكد انحيازها كمؤسسة لضرورة إجراء تحقيق سريع لحسم هذه القضية, تبرئة لساحة الجماعة, إذا كان الأمر من نسج الخيال, أو إدانة لمن يستحق الإدانة, انتصارا لثوابت الأمن القومي. لا تقل فضيحة تسجيلات الجماعة وحركة حماس التي نشرت المصري اليوم نصوصها كاملة, وما تضمنته تلك النصوص من شفرات, تتعلق بوضوح شديد بأدوار لعبتها عناصر مسلحة من حركة المقاومة الاسلامية, في اقتحام السجون, وربما العديد من أقسام الشرطة في نظري عن فضيحة ووتر جيت التي أطاحت بالرئيس الأمريكي نيكسون, فالرئيس في الحالتين يعرف حقيقة ما جري, في الأولي قرر نيكسون بكامل إرادته التجسس علي المكاتب التابعة لإدارة حملة منافسه في الحزب الديمقراطي, وفي الثانية خرج مرسي من محبسه بعد اقتحام السجن, وهو يعرف باليقين, من الذي دس في يده هاتف الثريا المرتبط بالأقمار الصناعية, ليجري أول مكالمة هاتفية, تابعها المصريون في حينها لقناة الجزيرة, قال فيها أنه ومئات غيره أصبحوا طلقاء بعد اقتحام السجن, وأنه ينتظرما سوف تسفر عنه الأحداث في مكان آمن, دون أن يقدم تفسيرا, أو حتي يسأله مذيع الجزيرة, كيف أجري هذا الاتصال الهاتفي, بينما جميع شبكات الاتصال العاملة في مصر, خارج نطاق الخدمة تماما. أطاحت قضية تسجيلات مبني ووتر جيت, التي فجرها الصحفي الأمريكي الأشهر بوب وود وورد, في صحيفة واشنطن بوست بالرئيس الأمريكي نيكسون, عندما أجبرته الفضيحة علي الاستقالة, بعدما أطلعت الصحيفة الرأي العام الأمريكي, علي نصوص64 مكالمة, تم التنصت عليها من قبل الحزب الجمهوري, وتسجيلها, بالمخالفة للقانون وبأمر مباشر من الرئيس نفسه, وقد انتهي الأمر بمثول نيكسون إلي المحاكمة, قبل أن يصدر خلفه فورد قرارا بالعفو عنه في العام1974, لكن ذلك لم يمنع أن تتحول تلك الفضيحة, إلي واحدة من أبرز المعارك السياسية, الذي أثرت في مسار السياسة الأمريكية الداخلية لعقود من الزمان. علي مدار ثلاثة أعداد انتظرت المصري اليوم ردة فعل مناسبة, علي ما نشرته من نصوص لتلك التسجيلات الصادمة, لكن ردة الفعل لم تتجاوز ذلك البيان الهزيل الذي أصدرته وزارة الداخلية, والذي لم تتعرض فيه من قريب أو بعيد, لحقيقة تلك اللقاءات, التي جمعت بين الرجل الثاني في الجماعة المهندس خيرت الشاطر, ورئيس جهاز الأمن الوطني أمن الدولة سابقا, وحصول الأول علي نسخة من تلك التسجيلات, رغم أنه لا يحمل أي صفة رسمية في الدولة, تسمح له بمثل هذا الطلب. ربما يبدو الأمر أقرب ما يكون إلي صراع أجهزة, لكنه يكشف في الوقت ذاته عن صراعات أخري, تجري داخل الجهاز الواحد, وهو ما يعني أن بعضا من أجهزة الدولة الأمنية, لا يزال عصيا علي الاختراق, أو ما اصطلح علي تسميته إعلاميا ب محاولات الأخونة, لكن ذلك كله لا يعني في النهاية, أن تكفي أجهزة التحقيق وفي مقدمتها مكتب النائب العام, علي خبر هذه التسجيلات ماجورا, أو أن تستمر مؤسسة الرئاسة في صمتها المريب, إزاء واحدة من أخطر القضايا التي فجرتها الصحافة المصرية في العقود الخمسة الأخيرة. هي الأخطر ببساطة, لأن نتائج التحقيق فيها, إذا ما سارت في مسارها الصحيح, سوف تجيب لنا علي العديد من أسئلة المستقبل, وتكشف عن حقائق عشرات من الألغاز والأحاجي التي لا تزال حتي اليوم, ورغم مرور عامين الثورة عصية علي الفهم. رابط دائم :