ما للنساء وللكتابة والعمالة والخطابة, هذا لنا, ولهن منا أن يبتن علي جنابة! تحية للنساء اللائي لفظن هذا التقسيم المعوج الذي ارتآه الشاعر العربي الجاهلي, وتحية لمن كسرن ذلك الطوق من التحكم والتسلط الذكوري فحققن ما لم يستطعه الرجال. هن كثيرات, اخترت من بينهن ثلاثا أشرقن من بقاع مختلفة من الدنيا لأوجه لهن التحية في يوم المرأة العالمي. * الأولي ولدت لأسرة متوسطة في بريطانيا, أب يمتلك محل بقالة, وأم تمتهن الخياطة, تعلمت( مارجريت تاتشر) القراءة والكتابة في المدارس الحكومية فصقل التعليم قدراتها وفتح لها أبواب الترقي, وتدربت في الجامعة علي السياسة والخطابة, فكانت رئيس اتحاد الطلبة في الجامعة أثناء دراستها للكيمياء. خرجت إلي معترك الحياة, فانتخبت نائبة في البرلمان في شمالي لندن, ثم تولت وزارة التربية, وكانت أول سيدة في تاريخ بريطانيا ترأس حزبا سياسيا( المحافظين), وأول امرأة في بريطانيا تصبح رئيسة للوزراء(1979 إلي1990 م) حيث انتخبت ثلاث مرات متتالية في سابقة لم تحدث من قبلها ولا بعدها. وشاهدت أثناء دراستي في بلادهم موهبة هذه المرأة الفذة في البيان والتواصل, فكانت تستخدم كل الأدوات التوضيحية للوصول لعقول الناس. وحين جاءت للحكم شددت من سياستها النقدية, وفرضت نظاما اقتصاديا صارما دفع الجميع إلي الإنتاج ورفع مستوي الدخل, واجهت عمال المناجم ولم تستجب لمطالبهم بزيادة رواتبهم وتقليل ساعات العمل, ورفضت الرضوخ لشروطهم فأضربوا عاما كاملا, وفي النهاية عادوا للعمل دون شروط. وحين احتلت القوات الأرجنتينية جزر فوكلاند الخاضعة للإدارة البريطانية أرسلت قواتها الحربية واستعادت تلك الجزر, فلقبت بالمرأة الحديدية لإرادتها القوية وإدارتها الصلبة وانتصاراتها في السلم والحرب. كرمتها دولتها فمنحتها لقب البارونة, وغادرت( تاتشر) دنيانا في الأسبوع الماضي عن حياة حافلة وعمر مديد, بعد أن تركت بصمتها في السياسة البريطانية والدولية. * الثانية, ريحانة مدرستها وبهجتها, وروح الروح لأسرتها, ابنة رجل التعليم والقلم, تعلقت( ملالا يوسف زاي), بمدرستها في بلدتها( منغورة) شمال غرب باكستان, حيث تغلغلت حركة طالبان الباكستانية وتغولت, وراحت تفرض قناعاتها الظلامية علي المجتمع, فمنعت في عام2009 م تعليم البنات كقول الشاعر في مطلع المقال. كانت ملالا الصغيرة( وقتها في عامها العاشر) المتميزة في باكستان كلها( فقد فازت بجائزة السلام الوطنية), الشجاعة( المطالبة بحق البنات في التعليم والسلام والأمن) قد كتبت مدوناتها تصف الخوف الذي ينتاب البنات من الذهاب إلي المدارس, بعضهن قررن عدم الالتزام بالزي المدرسي حتي لا يقعن بين مخالب طالبان, ويخفين كتبهن تحت الشيلان. وعندما اكتشف بصاصو طالبان سر المدونة الصغيرة, جاء ثلاثة رجال مسلحين أوقفوا حافلة المدرسة وسألوا عنها بالاسم, وأطلقوا الرصاص علي رأسها الصغير النابه لأنها اقترفت جريمة حب القراءة والكتابة وعشق العلم والتعلم, وقامت حركتهم( المجاهدة) بالإعلان( بكل فخر) عن مسئوليتها عن الحادث. نقلت الفتاة غارقة في دمائها إلي المستشفي حيث أجريت لها جراحة عاجلة, ونقلتها طائرة إماراتية طبية إلي لندن, حيث زارها وزير الداخلية الباكستاني مع وزيري خارجية بريطانيا والإمارات( التي تكفلت بعلاجها). واستجاب المولي الرحيم لدعاء الناس من كل ملة ودين, ونجت الصغيرة من الموت. وفي الأسبوع الماضي أعلنت الطفلة الباكستانية ذات الإرادة الحديدية أمام قمة نساء العالم في نيويورك عن الصندوق الذي أنشيء باسمها, وخصص أول منحة لتعليم40 فتاة باكستانية, وقالت دعونا نتحول لتعليم40 مليون فتاة. تسابقت دور النشر العالمية ودفعت3 ملايين دولار لإصدار كتابها( أنا ملالا) ليكون وثيقة للشجاعة والجرأة لصبية تدافع عن حق البنات في العلم والتعليم, حاولوا إسكات صوتها فبات صوتها هو الأعلي. * الثالثة بنت من بلدنا, فتاة مصرية صعيدية شجاعة, فجرت قنبلة مدوية للرأي العام حين تصدت لعناصر الثورة المضادة الذين عذبوا الثوار وانتهكوا أعراض الفتيات, واجهت المجلس العسكري في أوج عنفوانه, وفضحت( سميرة إبراهيم) جريمة كشوف العذرية, وتخبط الكبار بين تبرير وإنكار, ولم تواتهم شجاعة الاعتذار عن سقطة لن يغفرها وجدان المصريين. لجأت للقضاء فحكم بوقف تلك الكشوف وبرأ المتهمين, فقالت يكفيني ألا تتعرض فتيات مصر لما تعرضت له. دعيت سميرة منذ أسابيع من الخارجية الأمريكية وسافرت لأمريكا لاستلام جائزة الشجاعة الدولية في يوم المرأة العالمي, وكانت قد كتبت تغريدات علي حسابها تندد باليهود وتعادي إسرائيل, طالبوها بالاعتذار فرفضت, أعادوها لمصر بدون الجائزة, فكشف تصرفهم عن انحياز أمريكا الفاضح لإسرائيل. كان لديها من الشجاعة الأدبية أن قالت أنا أتعلم, لقد أخطأت حين خلطت بين اليهودية والصهيونية, وأدركت أن الترحيب بمقتل مدنيين خطأ إنساني ولكني أتعلم كل يوم. هذه النماذج الانسانية لنساء من حديد, علمن الرجال قبل النساء القوة والحكمة والشجاعة والصلابة, فمن ذا الذي ينكر عليهن حقهن في التعليم والقيادة والريادة؟ رابط دائم :