يخطئ من يعتقد أن التعدي علي نهر النيل يتوقف عند الاستيلاء علي الجزر أو انتهاك حرمة النهر بإقامة المنشآت التي تطل عليه بالمخالفة للقانون, فالتلوث البيئي المادي والبصري هو أخطر كثيرا من جزيرة ما أو أرض يستولي عليها أحد المحظوظين في أسوان. وقبل الثورة عانت محافظة أسوان كثيرا من محاولات سطوة رجال الأعمال والقطط السمان للتعدي علي الجزر وحرم النيل من خلال ترضية واضعي اليد عليها بسلاح المال من أجل إنشاء مشروعات سياحية, حتي بحيرة ناصر البنك الإستراتيجي للمياه لم تسلم هي الأخري من تلك المحاولات التي تصدي لها اللواء مصطفي السيد محافظ أسوان بشجاعة في عز جبروت النظام السابق وسطوته. وبدأ سيناريو الاستيلاء والتعدي علي النيل مبكرا في مطلع الثمانينيات عندما فوجئ أهالي أسوان بمعاول الهدم تزيل واحدة من أهم وأجمل المحميات الطبيعية في قلب النهر من أجل إقامة منتجع سياحي عالمي لايزال يتبوأ هذا المكان مخرجا لسانه للجميع, علي الرغم من الحملات المتعددة التي حاولت وقف هذا المشروع دون جدوي. أما بعد الثورة التي توسمنا فيها كل الخير, فقد زادت التعديات بشكل غير مسبوق سواء بالبناء في منطقة الحظر التي يمنع فيها قانون حماية النيل إقامة أي منشآت داخلها, خاصة في منطقة مدينة ناصر, بينما الأمن يغط في سباته العميق دون تدخل لحماية أي حملات لإزالة هذه التعديات التي لاتبعد عن حرم النيل سوي أمتار قليلة. ومن المؤسف أن يتحول كورنيش النيل في المدينة العاصمة إلي بنايات عشوائية من الأندية والنقابات التي استغلت جبروتها في الفترة ما لبناء منشآت تطل علي النيل مباشرة ومنها أندية القضاء والشرطة والمحامين والقوات المسلحة والمهندسين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة, ناهيك عن الكازينوهات والمطاعم وكافتيريات الحدائق العائمة!! وفي الوقت الذي يشدد فيه محافظ أسوان اللواء مصطفي السيد علي مواجهة هذه التعديات بقرارات الإزالة, فإن غياب الأمن وغض حماية النيل للبصر عنها يفجر أزمة تعرض شريان الحياة لخطر التلوث. في البداية يسترجع أسامة فاروق المدير التنفيذي لحركة كتالة النوبية تاريخ الاستيلاء علي احدي المحميات الطبيعية في النيل والتي تحولت إلي فندق سياحي قائلا: إنها تمت في تحد واضح للمجتمع الأسواني بسبب العلاقة الوطيدة بين السلطة والمال في وقتها. ويقول علي مسئوليتي أطالب بمراجعة شبكة الصرف الصحي لجميع المباني داخل النيل وأراهن علي إنها تلقي في قلبه لتصيب الآلاف بالأمراض. وأشار إلي أن منطقة جزر أسوان صدر لها القرار رقم86 باعتبارها محميات طبيعية, ولكن للأسف فإن هذا القرار لايفعل إلا علي من تريد السلطات التخلص منهم. وأكد فاروق إن النوبيين يقدسون نهر النيل ولايرضون علي الإطلاق بأي تلوث يدنسه, ومن هذا المنطلق فدائما ماتكون المواجهة الشعبية مع المخالفين سابقة لأي إجراءات حكومية, ولذلك نطالب جهاز حماية النيل بالتدخل فورا لإزالة أي تعديات من شأنها أن تصيب النهر المقدس وشريان الحياة في مقتل. وينتقل الخبير البيئي الدكتور حسين الطحاوي للحديث عن التلوث البصري وحرمان المواطن من التمتع برؤية النيل في مدن ومراكز المحافظة وأهمها أسوان. ويقول: إن كورنيش النيل لم يسلم منذ فترة طويلة من التعدي علي حرمة النيل من خلال الأندية والنقابات التي تحجب الرؤية تماما عن المواطن وتحرمه من حقه في التمتع بالنهر, خاصة بعد ثورة25 يناير, ضاربا مثلا بأحد أندية النقابات التي قامت ببناء أكشاك سيئة ومتواضعة علي النيل لتحجب رؤيته تماما. وأشار الخبير البيئي إلي ضرورة مراجعة مرافق هذه الأندية, خاصة في المطاعم والكازينوهات والتأكد من ربط صرفها علي الشبكة الرئيسية للصرف الصحي. من جانبه أكد اللواء مصطفي محافظ أسوان أن هناك رقابة فعالة وجادة علي جميع المنشآت المقامة علي نهر النيل وكذا الفنادق العائمة لحماية النهر من التلوث. وقال المحافظ أن هناك لجنة تفتيش تقوم بمراجعة جميع مايتعلق بالنيل أسبوعيا وتضم ممثلين للبيئة والمحليات وشرطة المسطحات المائية والبيئية, حيث يتم تحرير المخالفات والغرامات علي كل منشأة مخالفة. رابط دائم :