حالة من الغضب سيطرت علي رجال القضاء وخاصة الذين عملوا في ساحات المحكمة وصنعوا تاريخا قضائيا مشرفا, حيث ألمحوا إلي أن الواقعة مدبرة وبفعل فاعل وتعد كارثة بكل المقاييس لأنها استهدفت نيابة وسط القاهرة التي تضم الملفات الساخنة التي حدثت بعد الثورة. في البدايه يقول المستشارأكثم البغدادي رئيس محكمة جنايات الأقصر الحالي ورئيس المكتب الفني ورئيس المتابعة السابق بمحكمة جنوبالقاهرة انه عمل في محكمة جنوبالقاهرة بباب الخلق لمدة ست سنوات وكان مسئولا خلالها عن كل شئ فيها من الالف إلي الياء, مشير إلي أن المحكمة أنشئت عام1884 في منطقة باب الخلق وتم تطويرها عام1927 في أحد القصور الملكية التي كانت مملوك للأميرة فوزية, وتعد أول محكمة أهلية في مصر وأقدم من محكمة القضاء العالي بعدة سنوات. موضحا أن الأحداث تؤكد أن هناك ايادي آثمة هي التي تسببت في الحريق لطمس القضايا وإخفاء الحقائق وسوف يظهر المعمل الجنائي الحقيقة كاملة ويوضح الخبراء كيفية حدوث الحريق المدبر. وقال إن محكمة مصر الأهلية هي الأم والتي ظلت بهذا الاسم حتي تاريخه رغم تسميتها باسم محكمة جنوبالقاهرة,حيث لم تكن هناك محكمة شمال القاهرة التي أنشئت بعد عام1971, موضحا أن المحكمة تضم تسع قاعات للجنايات فضلا عن جميع النيابات الكلية في القاهرة والمحاكم الكلية والابتدائية قبل التقسيم في سبعينيات القرن الماضي عندما تحولت محكمة مصر إلي محكمة جنوبالقاهرة وشمال القاهرة. أضاف أن المحكمة تتبعها نيابات غرب ووسط وجنوبالقاهرة ومحاكم الجنايات والابتدائي والمستعجل والشئون المالية ومن قبل نيابة المخدرات, بالإضافة إلي قلم الحفظ والذي يضم أوراق قضايا منذ عشرات السنين والذي سبق حرق جزء منه في العقد الثامن من القرن الماضي وعلي هذا الأساس تم إدخال نظام الميكروفيلم لتصوير كل الأوراق وحفظها الكترونيا. وأشار إلي إن المحكمة تضم ثلاثة طوابق بخلاف الدور الأرضي, فالأول يضم قاعات للمحاكمات والثاني مكاتب رؤساء المحاكم للمتابعة ونيابة غرب القاهرة وشئون العاملين, أما الطابق الثالث الذي حدث به الحريق فيضم نيابة غرب القاهرةوجنوبالقاهرة وتعد الأخيرة من أقدم النيابات وتضم كل الملفات والقضايا الجنائية التي ارتكبت بعد الثورة من قتل للمتظاهرين والثوار وحرق أقسام الشرطة واقتحام السجون وأحداث التحري ومحمد محمود. ويستطرد ان المحكمة شهدت أحداث عظيمة في تاريخ مصر القضائي منها محكمة الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتهمة قتل أمين عثمان والقاعة التي حكم فيها تم تجديدها وإفتتحها السادات بنفسه, وكذلك محاكمة الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام والجاسوسة هبة سليم, فضلا عن محاكمة نواب القروض والمراة الحديدية وقضايا توظيف الأموال وقضية التهريب الكبري في أوائل السبعينيات والمتهم فيه الغرباوي وكذلك محاكمة رموز النظام السابق ودعوي نجلي الرئيس السابق ضد جريدة الشرق الأوسط السعودية. ويختتم المستشار أكثم البغدادي تصريحاته قائلا انه كان هناك اتجاه لتحويل المحكمة إلي متحف نظر لأنها شهدت تاريخ مصر القضائي كله بعد انشاء محكمة جنوبالقاهرة في حي زينهم بالسيدة زينب إلا أن هذا الاتجاه لم يفعل حتي الآن. ويؤكد المستشار عبد الله فتحي وكيل نادي القضاة ونائب رئيس محكمة النقض والذي عمل في المحكمة لمدة خمس سنوات في نيابات جنوب الكلية والمعادي وحلوان ثم رئيسا لمحكمة الدوائر المدنية إن محكمة جنوبالقاهرة ليست محكمة عادية حيث تعد أقدم المحاكم المصرية علي الإطلاق بعد تحويل قصر إحدي الأميرات إلي ساحة للقضاء لتخصص كمحكمة للفصل في القضايا الأهلية والمختلط, مضيفا إلي أنها تحتوي علي جزء كبير من تاريخ القضاء المصري علي مر العصور. ويقول: الحريق استهدف نيابة وسط القاهرة للتخلص من القضايا التي يتم تداولها والخاصة بقتل المتظاهرين وموقعة الجمل وأحداث محمد محمود والتحرير والتي وقعت بعد ثورة25 يناير عام2011, مؤكدا أن الحريق بفعل فاعل من أجل مصالح خاصة لأشخاص متورطين في هذه القضايا, ووراءه أغراض وأهداف محددة, فضلا عن محو جزء كبير من تاريخنا القضائي المشرف. وأشار إلي إن مسئولية الحريق تقع علي عاتق وزارتي الداخلية والعدل وكل مؤسسات الدولة, وينبئ عن سقوط دولة القانون لان هناك من يستهدف ضرب المحاكم والقانون بعد أن طالت الفوضي يد العدالة, لافتا إلي أن أحداث الثورة شهدت وقائع سرقة وحرق بعض المحاكم بالصدفة مثل حريق مجمع محاكم الجلاء بالقاهرة, وبعضها تم بفعل فاعل لحرق أوراق قضايا معينة كما حدث في جنوبسيناء وبعض الأقاليم. ويشير إلي أن استهداف محكمة بحجم جنوبالقاهرة يعد كارثة وان تستهدف نيابة وسط القاهرة بالتحديد في هذا التوقيت يعد أمرا مدبرا, ولذلك لابد من إجراء تحقيقات عاجلة وشاملة ودقيقة لان الوضع ينبئ بكوارث مستقبلية, مشددا إلي إن رجال القضاء لم يصبحوا امنين علي أنفسهم في المحاكم ولا علي أوراق القضايا المختلفة وما حدث يعد نموذجا للفوضي التي تعيشها مصر حاليا. أما المستشار رفعت السيد رئيس محكمة الاستئناف السابق والذي عمل كرئيس لمحكمة جنايات جنوبالقاهرة لمدة سبع سنوات فقال إن كل الخيارات مطروحة سواء حرق المحكمة بفعل فاعل أو اشتعال السنة النيران بفعل عوامل أخري خاصة انه علي حسب معلوماته لم يتم القبض علي اي شخص مشتبه تورطه في الحادث ولذلك فمن الصعب تحديد الجناة إلا بعد الانتهاء من التحقيقات الرسمية. ويؤكد أن القضايا الجنائية لا تصور ميكروفيلم ولكن يحدث هذا مع القضايا المدنية وهذا يثبت أننا نتعامل مع القضايا الجنائية كما كان يتعامل معها أجددنا في القرن التاسع عشر من خلال أمين السر ووكيل النيابة الذي يحقق في القضية ثم تحفظ الأوراق في دوسيه حتي تنتهي التحقيقات وتقدم إلي الجنايات وبعد ذلك تصور الأوراق ضوئيا, معلنا أننا لا نتعلم إلا بعد حدوث كارثة أو مصيبة. ويوضح ان ظاهرة الاعتداء علي المحاكم بدءا من إغلاق المحامين للمحاكم بالجنازير ومنع القضاة من مباشرة عملهم وحتي حرق المحاكم ومجمع الجلاء ظاهرة جديدة علي الشعب المصري بعد حالة الانفلات الامني وتوالي التظاهرات بصفة مستمرة, مؤكدا أن كل هذا يعد مؤامرة ممنهجة هدفها إسقاط الدولة, لذا لابد من وجود خطة للخروج بمصر من الأزمة والقضاء علي الفوضي حتي نستطيع حماية المحاكم والنيابات وتوفير الأمن للقضاة أنفسهم. ويشير إلي ان تواجد صبية مستأجرين يحاصرون المحاكم ويطالبون بإسقاط النائب العام دليل علي مؤامرة ووجود ايد خفية للعبث بمقدرات الوطن الذي هان علي أبنائه, موضحا أن الحل يستلزم فرض الأمن وسيادة القانون بالقوة الجبرية وعدم التهاون في واقعة تحدث مهما كانت مع ضرورة تأمين المحاكم بقوات من الجيش الشرطة يسمح لها باستخدام السلاح وقت الحاجه باعتبارها مؤسسة سيادية. ويري المستشار محمد الشريف محكمة جنايات القاهرة انه لابد من تفعيل طلب وزير العدل السابق بإنشاء الحرس القضائي لتولي حراسة المحاكم وجميع الدوائر, وأيضا لابد من إنشاء جهاز خاص يتولي الأمن الصناعي للمحاكم وهو جانب نفتقر لوجوده بالمحاكم في جميع أنحاء الجمهورية رغم ان مهمته السيطرة علي الحرائق,لافتا إلي أن الأدلة التي طمست وحرق ملفاتها تعود بالسلب علي المتهم لان بعضها قد يكون دليلا علي براءة بعض المتهمين لذا ينبغي المعاينة من قبل المعمل الجنائي لكشف الفاعل دون الانسياق وراء الشائعات حتي تظهر نتائج التحقيقات مع الأخذ في الاعتبار التحذيرات التي أدلي بها البعض ولم يتم تأمين المحاكم بعدها مما يدل علي الإهمال سواء من القائمين علي إدارة المحكمة أو تقاعس الجهات المختصة بالحراسة. ويوضح أن القانون يحمي القضايا وأن حرق الملفات وطمس الأدلة ليس دليلا علي انتهائها وأرجع ذلك إلي أن جميع القضايا مقيدة في جداول النيابات المختصة أو الشرطة, فضلا عن وجود صور ضوئية تسلم للمحامين قبل إحالتها للمحاكم وتسليمها لأعضاء الدائرة المختصة بنظر الدعاوي باعتبارها صورا طبق الأصل, بالإضافة إلي إن تجديد القضايا من خلال هذه النسخ فوري ولا يحتاج لوقت سوي بضعة أيام ليتم حصر القضايا التي امتدت إليها النيران. رابط دائم :